يحتسي الموريتانيون ‘’أتاي’’ (الشاي الأخضر المحضر بطريقة خاصة) في شهر رمضان بعد الإفطار مباشرة، لتخفيف الصداع الذي ينتاب الصائمين بالنهار بسبب عدم تناول الشاي، ويعرف هذا النوع من الصداع عند الموريتانيين باسم ‘’آدْواخْ’’.
ويخصص الموريتانيون فترة زمنية لتناوله تتراوح بين نحو ساعة ونصف إلى ساعتين وقد تزيد، ويستلزم “أتاي” المستوفي للشروط توافر 3 مستلزمات (الجيمات الثلاث)، أولها “الجماعة” والمقصود بها حضور عدد من الأشخاص لطقوس تحضير وتناول “أتاي”، ومن غير المستحسن أن يتناوله شخص بمفرده. والثاني “الجمر” حيث يفضل أن تتم عملية التحضير على جمر الغضا أو أي شجر آخر حتى تأتي النكهة المعتّقة الأصيلة، وليس على نار الغاز.
أما المستلزم الثالث فهو “الجرّ” ويعني عدم العجلة في التحضير وأخذ وقت معتبر بين كل اثنتين من الكاسات الثلاث، حيث الجلوس لتناول الـ«أتاي” فرصة للحديث الماتع وتبادل غرر العلوم والكشف عن مكنونات الفوائد، وإنشاد الأشعار لذلك نجدهم يتغنون بالـ«أتاي” شعراً حين يقول أحدهم:
من أحسن ما يقال لدى الأتاي *** أحاديث مفصلة بآي
وأذكار وأشعار وإلا *** أروني ما يحث على الأتاي
ويقول الآخر وهو يصف إحدى جلسات “أتاي” الممتعة:
(يقيم لنا مولاي والليل مقمر *** وأضواء مصباح الزجاجة تزهر
وقد نسمت ريح الشمال على الربى *** نسيماً بأذيال الدجى يتعثر
كؤوساً من الشاي الشهي شهية *** يطيب بها ليل التمام فيقصر
قواريرها والشاي فيها -يزينها *** وقد زينته- جوهر فيه جوهر
تخير من تجار طنجة شايها *** وخِيرَ لها من ثلج وهران سكر
ولا غرو إن طابت صنائع ماجد *** كريم، فماء العود من حيث يعصر)
ويعتبر’’أتاي’’ مشروب التفكه الأول في شنقيط (موريتانيا)، فلا يتصور الموريتانيون حيثما حلوا من العالم، حياة ممتعة في غياب الشاي المُنَعنَع على الطريقة البدوية الشنقيطية، والقائمة على إعــــــــــــداد 3 كـــــــؤوس متعاقبة تفصل بينها فترة زمنية بين الكأس وصاحبتها، وترتفع القيمة المعنوية للشاي عند الموريتانيين في رمضان على وجه الخصوص، لما يمنحهم إياه من نشاط وحيوية تمنح الحريصين على الازدياد من العبادة للوصول لمبتغاهم، كما تخول أصحاب الأعمال والمهن الحرفية حافزاً على إنجاز مهامهم على أكمل وجه.