كتب - طارق مصباح:
أكد اجتماعيون ورجال دين أن الصيام ينمي الجوانب النفسية اللازمة لبناء الشخصية السوية، إلا أن بعض التصرفات تسحب الغاية من الصيام في الجانبين المعرفي والإدراكي.
ونبهوا إلى أن التعرض لارتفاع درجة الحرارة لمدة طويلة يؤثر على سلوكيات الأفراد، لكن الصوم ليس مبرراً يسوغ للصائم أن يفرط بعمله وفي حقوق الآخرين.
التبكير بالعمل
ودعا خطيب جامع شيخان الفارسي بالرفاع الشيخ صالح الغالب، الصائم وهو يعاني من شدة الحر في شهر رمضان، إلى تذكر أن شدة الحر من فيح جهنم، مشيراً إلى الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن شدة الحر من فيح جهنم وفي رواية أشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم”.
وأضاف أن من آيات الله تعالى في خلقه تقلب الليل والنهار وتنوع فصول السنة وذلك لحكمة يريدها سبحانه قال تعالى (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)، فليعلم الصائم وهو يكابد الجوع والعطش أنه يزداد أجراً ورفعة عند الله تعالى، فكلما ازدادت المشقة على الصائم كلما ازداد أجراً قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها “أجرك على قدر نصبك، أي تعبك”.
وأشار إلى أنه بإمكان الصائم أن يبكر بعمله قبل الزوال، فهذا أحسن حتى يتجنب شدة الحرارة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم “بورك لأمتي في بكورها”، مبيناً أنه لا يسوغ للصائم أن يفرط في عمله وفي حقوق الآخرين أثناء عمله تكاسلاً وخمولاً، بل عليه أن يكون صابراً محتسباً قوياً طالباً العون والسداد من الله تعالى “فإنك متى ما صدقت مع ربك سبحانه وجدت الإعانة والتوفيق منه سبحانه”.
أثر البيئة على الحالة الانفعالية
من جهته أكد رئيس جمعية الاجتماعيين سلمان درباس، تأثير البيئة على سلوكيات الأفراد، مشيراً إلى أن البيئة الصحراوية الحارة بحسب ما تم تصنيفها من العلماء تبرز فيها الحالات العصبية أكثر من البيئات الأخرى كالساحلية مثلاً، إذ إن التعرض لارتفاع درجة الحرارة لمدة طويلة يؤثر على سلوكيات الأفراد، وهنا تحدث مشكلة الشطحات الانفعالية على حد وصفه. ونوه درباس إلى ضرورة ضبط السلوك الإنساني بين الأفراد، و«يجب أن يقوم على أسس الاحترام والتقدير وضبط النفس”، مؤكداً أن “الإهمال في العمل وتضييع الأوقات أثناء الدوام كلها سلوكيات خاطئة تنافي قيمة الالتزام بالعمل وأدائه واحترام وقت الوظيفة”.
وقال إن السهر الطويل ينعكس سلباً على الإنتاجية في العمل ويؤثر على العلاقات بين الموظفين ومع المراجعين، داعياً الموظف إلى الالتزام بوقت العمل وتقديم الأداء المطلوب منه، وهذا ينتج من خلال وجود الإدراك الذاتي والالتزام الديني والاجتماعي.
وطالب درباس أصحاب الأعمال بتوجيه الموظفين باجتناب هذه الأفعال وعدم السماح بها في مقار عملهم، مؤكداً أنه لا يستقيم وجود هذه الأفعال مع تطور المملكة الحديثة والسعي لتحقيق نقلة نوعية من خلال أداء أفرادها.
الجانب الإدراكي
من جانبه عزى رئيس قسم علم النفس بجامعة البحرين د.شمسان المناعي، التطرف السلوكي في التعامل مع الآخرين من قبل بعض الصائمين، إلى تبني أفكار ذهنية يؤمن بها هؤلاء الأفراد، وإعطاء الشهر الفضيل صبغة ليست هي من واقعه، مؤكداً أن هذه التصرفات ربما تصدر من قبل البعض ممن يصومون إرضاءً للآخرين لذا فإنه لا يحقق الغاية من الصيام ولا يستفيد من الجانب المعرفي والإدراكي لهذه العبادة.
وأضاف المناعي أن الصائم الحق هو الذي يتحكم بمشاعره وانفعالاته وليس الذي يؤذي الآخرين، والامتناع عن الأكل والشرب وغيرها من المفطرات إنما هو سمو بالنفس إلى مستوى الرقي إلى مستويات عالية من القدرة على التحكم بحاجات الذات الجسدية، وتعتبر أقل الحاجات أهمية بالنسبة للإنسان في هرم البناء النفسي.
واعتبر المناعي الجانب النفسي أساس حدوث التغيير في حياة الصائم وتحقيق الغاية من الصيام، لافتاً إلى تنمية الصيام للجوانب النفسية المهمة لبناء الشخصية السوية للإنسان، وهي “قوة الإرادة والعزيمة والإصرار على تحقيق الهدف وإن تعرض للمشاق والصعاب والثبات على المبادئ”، مبيناً أن هذه الصفات المهمة يركز عليها علماء النفس في الوقت الحاضر، ويسعون لتأصيلها مع سمة الاتزان العاطفي ومقاومة الظروف وإدارة المشاعر والانفعالات في المواقف المختلفة.