^   كان الحديث في وقت إقرار موازنة الدولة العامة قبل أقل من عامين عن 400 مليون دينار خصصت لدعم شركة “طيران الخليج”، باعتبار أنها ليست المرة الأولى التي تدعم الحكومة الناقلة الوطنية بمبالغ ضخمة، وآخرها هذا المبلغ الذي يشكل لوحده نصف العجز في الموازنة العامة البالغ 800 مليون دينار. رغم الشد والجذب كان تمرير المبلغ المطلوب 400 مليون دينار قد وصل لطريق مفتوح بعد تفهم بعض أعضاء السلطة التشريعية سواء نواب أو مجلس شورى لضرورة دعم الناقلة الوطنية، مع إبداء الملاحظات الهامة بشأن الخطة المستعرضة لإعادة الربحية للشركة. لكن حينما نقرأ اليوم أن هناك طلباً جديداً لتمرير الحكومة مبلغ يفوق 600 مليون دينار لدعم طيران الخليج، ما يعني بعد إضافتها لـ400 مليون السابقة -إن تمت الموافقة- هو دعم الناقلة الوطنية بمليار دينار بحريني في فترة أقل من عامين، فإن المنطق يفرض بالضرورة طرح أكثر من علامة استفهام. بات من الضروري وبصورة عاجلة أن نعرف أسباب طلب الدعم المستمر، وأسباب وضع مبالغ بأرقام كبيرة في كل طلب، إذ خسائر الشركة المستمرة تستوجب وقفة جادة لوضع اليد على الأسباب وعلاجها بصورة جذرية لا وقتية، هذا إن كنا نريد لطيران الخليج أن تستمر في التحليق. لكن الحال الذي نمضي فيه يشير إلى العكس؛ إذ بدلاً من قدرة الشركة على تحقيق الربحية أو أقلها عدم تكالب الخسائر عليها، نجد بأننا بين الفترة والأخرى نرى أموالاً بالملايين تحول من الحكومة للشركة لتساعدها على الاستمرار. حينما يقف النواب اليوم عائقاً أمام الطلب الأخير بتمويل الشركة بـ600 مليون دينار، فإن لديهم من الأسباب المقنعة ما يدفعهم للرفض، وما يقودهم للطلب من الحكومة بألا تضخ المزيد من المال، إذ المرحلة الأولى في المسألة ستقتضي السؤال عن الـ400 مليون الأولى وأين ذهبت، أو بالأصح ماذا غيرت؟! وإن كانت ذات فائدة فلماذا طلب الدعم مجدداً؟! مشكلة طيران الخليج كما يبدو واضحاً وبجلاء تتعلق بطريقة إدارة الشركة، إذ ما كان يتردد عن تأثر الشركة بسبب تراكمات إدارية ومشاكل بسبب حقب سابقة مسألة باتت لا تمثل عذراً منطقياً أو مقبولاً أبداً، إذ بعد هذه الحقب توالت حقب أخرى جيء فيها برؤساء تنفيذيين كانت مهمتهم تشخيص المشاكل الحاصلة ووضع حلول لها، لكن المشكلة تكمن في أن المشهد الحالي يشير إلى أنه حتى لو حصلت عملية تشخيص صحيحة إلا أن المعالجة لم تكن بالفائدة المرجوة، وهنا الأرقام لا تكذب. نعرف أن أكبر مشكلة تواجه القائمين على الشركة مرتبط بمصير مئات الموظفين فيها بالأخص البحرينيين منهم، إذ من غير المقبول أن يتضرر هؤلاء الناس بسبب وجود سياسات غير صحيحة أو أسلوب إدارة لم ينجح في إنقاذ الشركة، مع الاحترام الشديد للقائمين عليها إذ لا نشكك في قدراتهم وخبراتهم، لكن النتائج التي وصلنا إليها وحال الشركة يستدعي وقفة جادة، خاصة وأنها الناقلة الوطنية المقترنة بمملكة البحرين. لا أريد إجحاف أي أحد جهده، سواء في الشركة أو في مجلسي النواب والشورى أو الحكومة، لكن ما نراه أشبه ما يكون بالصراعات المستمرة التي تدور حول محور واحد يتمثل في استمرار تدفق الدعم المالي المقدر بالملايين بين الفينة والأخرى، دون وجود مؤشرات على تصحيح الوضع للأفضل. الطلب الأخير بدعم الشركة بـ600 مليون دينار إضافية، يفترض أن يكون جرس إنذار نهائي بشأن وضعية الشركة، جرس إنذار يفترض أن يحول المسألة من قضية دعم مالي إلى إعادة النظر في الشركة ككل وبحث السبل الأنسب لبقائها واستمرارها وإبدال السياسات فيها وتصحيح الأخطاء الإدارية والمالية فيها تصحيحاً حقيقياً. أما أن يستمر الحال على ما هو عليه، عبر ضخ ملايين الملايين -التي لو توجه لحل مشاكل مثل الإسكان وغيرها لكانت أجدى نفعاً- فإن المشكلة ستستمر والخوف أن يزيد الوضع سوءاً. ^ اتجاه معاكس.. في الشهور الأخيرة فقط، أغلقت الشركة عدداً من الخطوط الرئيسية، وهناك تحركات لإلغاء المكاتب الخارجية في بعض المحطات، وتقليل عدد وجهات السفر! من أمثلة سوء الإدارة عندما كان الرئيس التنفيذي في حقبة سابقة من دولة معينة فإذا بأعداد الموظفين تتزايد من هذه الدولة بعينها، وإذا بخط يفتح بينها وبين البحرين رغم أنها ليست وجهة سياحية عليها إقبال شديد كحال بعض الوجهات التي أغلقت محطاتها. اليوم نتوقع محاولة إيجاد حلول الخوف، أن يكون الموظفون هم دافعو الثمن لها. إذ حينما أوظف أعداداً كبيرة برواتب خيالية وعالية، فمن الصعب جداً بعدها أن “أبهدل” البشر وأقول لهم بأن توظيفهم لم يكن وفق دراسة صحيحة، وأن رواتبهم هي من أسباب العجز المالي للشركة. المشكلة كلها تكمن في سياسة العمل، والكارثة تكون حينما تقتنع جماعة بأن هذه السياسة هي الأصح، وأن الآخرين الذين يخالفونهم الرأي هم ليسوا سوى “أعداء للنجاح”! هنا فقط نريد تعريفاً واضحاً لمعنى “النجاح” في ناقلتنا الوطنية!