^ من المعلوم أنَّ صناعة الأزمات أكثر إغراءً من صناعة الحلول، لذلك عادةً ما يكون الخروج من الأزمة صعباً ومتشعّباً، وممتداً في الزمن، إلاّ إذا ما التقتْ الإرادات المحكومة بالرشاد على ذلك، وهذا الأمر يتطلّب شجاعةً كبيرة، ونزاهةً أكبر في المُقاربة للأزمة وتداعياتها وسُبل الخروج منها، كما يتطلّب إرادةً كبيرة لاتخاذ القرارات الصعبة. بعضُ هذه القرارات قد تكون لحظة اتخاذها بمستوى مَنْ يتجرّع السُم، ولكنَّها تكون لحظتها ضروريّة ومتوافقة مع حركة التاريخ، ومع موازين القوى، ولذلك يُوصف اتخاذها في الوقت المناسب عادةً بالقرار التاريخي، بما يعني الموقف المناسب في اللحظة المناسبة، في ظل ميزان القوى، ورغبة في التقليل قدر الإمكان من الخسائر والخروج بأفضل النتائج المُمكنة في تلك اللحظة، ويكون التنازل في هذا السياق من أجل تحقيق هدفٍ أكبر أو مصلحة عامة للمجتمع، والقاسم المشترك المطلوب بين جميع هذه الجوانب هو الواقعيّة والشجاعة. وهذا ما نعتقد أنَّه مطلوب لطيِّ الأزمة التي شهدتها البحرين في العام الماضي، وبِغضّ النظر عن تفاصيلها ومسبّباتها والمسؤولين عن تصاعدها، فقد أوصلت البلاد اليوم إلى مفترق طرق، بعد سنة من التصعيد والخسائر على جميع المستويات، ولجميع الأطراف في ذات الوقت، حيثُ تحوّلت الأزمة إلى حالة مستديمة من العجز عن الانتقال العملي للحلول الوسطى التي يلتقي فيها الجميع عند منتصف الطريق. وهذا الحلّ يتطلّب شجاعة لا يبدو أنَّها موجودة في الوقت الحالي لدى قسم من الحراك السياسي الوطني الذي يبدو أنَّه يفضل “هذه الانتظارية” على التعاطي الواعي مع المعادلات التي أفرزها الواقع السياسي بعد سنة من المواجهة. لقد اتخذتْ السلطة خطواتٍ يراها أغلب العالم شجاعة، سواءً من حيث تقصّي الحقائق، أو على مستوى معالجة الآثار التي خلَّفتها الأزمة ولو مرحلياً، بما يُساعد على التقدُّم لطيّ الملف، كما عبَّرت في أكثر من مُناسبة عن رغبتها في إيجاد حلٍّ وسط بين مَطالب المُعارضة من ناحية، وبين المُمكن تحقيقه مرحلياً، إلاّ أنَّ هنالك حالةً من البُطء الشديد في التقدّم نحو الحلِّ الذي لن يكون إلاّ بالتفاوض والحوار الوطني المفتوح الذي يستشعر فيه الجميع أنَّه حقق جُزءاً مُهمّاً من طموحاته. الإخوة في المعارضة مازالوا يراوحون في مكانهم، رغم تعبيرهم المستمرّ عن الرغبة في الوصول إلى حلّ، ولكنَّهم ربطوا الحلَّ بالاستجابة الكاملة إلى مطالبهم، وهذا أمرٌ لا يبدو واقعياً، في ظلِّ التجاذبات السياسيّة الحالية بين التيارات والأحزاب بكافة توجهاتها، كما إنَّ التصرُّف والتصريح المستمر عن أنه لم يحدث شيء على الأرض وأنَّ السُلطة لم تتّخذ أيّة خطوات للمساعدة في معالجة الآثار، أمرٌ لا يُشجِّع على الحلّ أيضاً. المجتمع في المقابل أُصيب بحالة من الانقسام الطائفي غير المسبوق، كما أُصيب بالإعياء في مواجهة هذه الحالة من الانتظارية. إنَّ التقدُّم إلى نقطة الوسط للوصول إلى حلٍّ وسط “لا غالب ولا مغلوب” هو البديل على الانتظارية التي طالتْ وأرهقتْ المجتمع بكافة أطيافه، هذا هو الحلّ المطلوب مرحلياً على الأقل لاستثمار الحراك السياسي الممتد في التقدّم نحو تحقيق المزيد من المكاسب السياسية والدستورية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، ولكن الأهم في هذه المرحلة هو المسارعة لِطيّ ملف الأزمة واستعادة وحدة الوطن والمواطنين وإحباط أيِّ جهد لتخريب هذه العلاقة الأزلية بين مكوّنات الشعب الواحد وتجاوز الآلام المُوجعة التي يستشعرها كلُّ طرف بعمق وبصدق. .. وللحديث صلة