كتب - طارق مصباح:

دعا الشيخ عبدالله الحسيني أن يخص الصائم العشر الأواخر من رمضان بمزيدٍ من الاجتهاد والعبادة، مستشهداً بحديث عائشة رضي الله عنها (كَانَ رَسُولُ اللهِ “صلى الله عليه وسلم” يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِا). وقالت: (كَانَ النَّبِيُّ “صلى الله عليه وسلم” إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ).

وأوضح الحسيني في لقاء مع “الوطن” أن “مذهب جمهور الفقهاء هو الاعتكاف ولو نوى المسلم البقاء جزءًا من الزمن في المسجد، وإن كان المستحب لديهم ألا يقل عن يوم وليلة” فقد كان النبي “صلى الله عليه وسلم” يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده.

من حُرمها حرُم الخير كله

وعن أساب الاستعداد للعشر الأواخر يقول الحسيني لأن فيها أعظم ليالي العام وهي ليلة القدر، وإحياؤها بالعبادة خير من عبادة ألف شهر بنص القرآن الكريم ، قال الله : “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ”، ما يعني أن عبادة الله سبحانه تلك الليلة تعادل عبادة (83 سنة و4 أشهر ) عبادة متصلة صلاة وصياماً وصدقة وقياماً، ذكراً وقرآناً، لذلك حذر النبي “صلى الله عليه وسلم” من تفويت هذه الليلة الثمينة فقال : “ إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرمها فقد حرُم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم). لأن القرآن الكريم نزل في هذه الليالي العظيمة لا سيما ليلة القدر، قال الله : “إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ”.

فضل العشر

وعن العشر الأواخر يقول؛ إنها ليالي تكثر فيها البركة، قال الله : “إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ”، تتنزل في ليلة القدر الملائكة ومعهم جبريل عليه السلام ، قال الله: “تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ”، وهم فيها أكثر من عدد الحصى، فتتنزل معهم البركة والرحمة، وهذا يعني أن الدعاء فيها مستجاب، والملائكة تؤمن على الدعاء فطوبى للقائمين العابدين.

كما إن فيها ليلة تكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب لما يقوم به المسلم من طاعة الله، ولا يستطيع الشيطان إيذاء احد فيها، قال الله: “سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ”. فمن قام هذه الليالي تصديقاً بالله وبوعده وطلباً للأجر والثواب غُفرت له الذنوب السابقة، قال النبي “صلى الله عليه وسلم”: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه”. كما إن الله يعتق من النار في كل ليالي رمضان، والعتق في العشر الأواخر أعظم وأكبر، قال النبي “صلى الله عليه وسلم”: “ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة”.

إضافة لهذا فالعشر الأواخر تتيح للمسلم فرصة ثمينة ليتدارك ما فاته، ويختم له بخير، قال النبي “صلى الله عليه وسلم”: “إنما الأعمال بالخواتيم”.

وعن الاستعداد لليلة القدر قال الحسيني، استعد لها وخطط من الآن، واجعلها خطة معقولة، فقليل دائم خير من كثير منقطع، واعتمد فيها على الهدي النبوي في العشر الأواخر من رمضان، علماً بأن تحري ليلة القدر يبدأ من ليلة الحادي والعشرين من رمضان إلى نهاية الشهر، وإذا أردت حقاً أن تصادف ليلة القدر ، وتأخذ خيرها، فاحرص على الاجتهاد في كل الأيام العشر الأخيرة، وكأنهن جميعاً ليلة القدر، قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان).

نعم هذه الليلة في السبع الأواخر أقرب، قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها ، فليتحرها في السبع الأواخر). وهي في أوتار العشر الأواخر أرجى ، قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” : (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان).

وعما إذا كانت هناك أحاديث تحدد ليلة القدر أشار أنها في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، فقد قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: (من كان متحريها ، فليتحرها في ليلة سبع وعشرين) ، وقال : (تحروها ليلة سبع وعشرين) ، وكان أبي بن كعب رضي الله عنه يحلف أنها ليلة سبع وعشرين. وهذا غالباً، كونها ليلة متنقلة فقد تكون ليلة إحدى وعشرين ، كما جاء في حديث أبي سعيد، وقد تكون ليلة ثلاث وعشرين كما جاء في رواية عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه.

وقد أخفى الله تعالى هذه الليلة ليجتهد العباد في طلبها، ويجدّوا في العبادة ، كما أخفى ساعة الجمعة وغيرها، لذا ينبغي على المؤمن الاجتهاد في جميع أيام وليالي هذه العشر طلباً لليلة القدر، اقتداء بنبينا “صلى الله عليه وسلم”.

وبسؤاله عن الاستعدادات الواجبة للعشر الأواخر أفاد أنه ينبغي على المسلم تأدية ما أوجب الله عليه من العبادات القولية والفعلية، وأهمها الصلاة المفروضة وصيام رمضان والزكاة وزكاة الفطر. واجتناب ما حرم الله من الأقوال والأفعال قال النبي “صلى الله عليه وسلم” : (من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، وقال : (رب قائم حظه من قيامه السهر ـ ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش) ، والصائم مأمور بحفظ لسانه حتى وإن تعرض للأذى من غيره ، قال النبي “صلى الله عليه وسلم” : (الصيام جُنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم).

نحو مزيد من الاجتهاد في العبادة

وعن كيفية اقتداء الصائم بأحوال النبي قال على المسلم أن يخص العشر الأواخر من رمضان بمزيد من الاجتهاد والعبادة ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : (كَانَ رَسُولُ اللهِ “صلى الله عليه وسلم” يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ) وقالت : (كَانَ النَّبِيُّ “صلى الله عليه وسلم” إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ) وفي لفظ : (وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ). قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كَانَ النَّبِيُّ “صلى الله عليه وسلم” إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ) ، وقال النبي: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال : (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )، وأضاف الحسيني على المسلم إحياء الليل بالقيام وألا يفوت ثواب قيام ليلة كاملة على نفسه، قال نبينا “صلى الله عليه وسلم”: (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة).

قراءة القرآن ليلاً ونهاراً

ونوّه الحسيني إلى فضل الإكثار من قراءة القرآن الكريم ليلاً ونهاراً ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما : “أن جبريل عليه السلام كان يلقى النبي “صلى الله عليه وسلم” في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن”، كما كان السلف يقرؤون القرآن في رمضان في الصلاة وغيرها، وكان لأبي حنيفة والشافعي في رمضان ستون ختمة في غير الصلاة، وكان بعضهم يختم القرآن كل ليلة من ليالي العشر، وربما أشكل على البعض ثبوت النهي عن قراءة القرآن الكريم في أقل من ثلاث، وقد أجاب عن ذلك ابن رجب فقال: (وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث حال المداومة على ذلك، أما الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن، اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم).

كما إن الاعتكاف بالمسجد له فضل كبير فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت “ كان النبي “صلى الله عليه وسلم” يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده، ومذهب جمهور الفقهاء أنه يحدث الاعتكاف لو نوى المسلم مكث جزء من الزمن في المسجد، وإن كان المستحب لديهم ألا يقل عن يوم وليلة.

الإكثار من الدعاء والاستغفار

كما يستحب الإكثار من الدعاء والاستغفار، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةٌ القدر، ما أقول فيها؟ - وفي لفظ : بم أدعو؟ - قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)، وكذلك الدعاء أثناء الصيام ، قال النبي “صلى الله عليه وسلم”: (ثلاثة لا يرد دعاؤهم : الصائم حتى يُفطر)، خاصةً قبل الإفطار ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد)، فينبغي على المسلم الإكثار من الدعاء والاستغفار، كما يجب على المسلم أن يخص إخوانه المسلمين في كل مكان بالدعوات الصالحات، لا سيما فلسطين وسوريا وبورما.

العلاقات الاجتماعية

وعن العلاقات الاجتماعية في العشر الأواخر قال عبدالله الحسيني على المسلم الإكثار من الجود، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : “كان النبي “صلى الله عليه وسلم” أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، فرسول الله “صلى الله عليه وسلم” حين يلقاه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة”، والجود معناه الاستكثار من كل أنواع الخير، كالإنفاق، وحسن الخلق، وبر الوالدين، وبذل الخير، ونشر العلم، والجهاد في سبيله، وقضاء حوائج الناس، وتحمل أثقالهم، ومناصرة المستضعفين ودعمهم، والعمرة في رمضان، قال النبي “صلى الله عليه وسلم” : (عمرة في رمضان تقضي حجة معي)، وإفطار الصائمين، قال النبي “صلى الله عليه وسلم” : (من فطّر صائماً كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً) ، وغير ذلك .

التعاون في العبادة

وأن يشارك المرء أهله وأقاربه ومعارفه ومن حوله في العبادة، وأن يعينهم ويحثهم عليها، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : (كَانَ النَّبِيُّ “صلى الله عليه وسلم” إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) ، وفي هذا جانب تربوي عظيم ، فبإصلاح الأسر تصلح المجتمعات، وبفسادها تفسد.

وأختم الداعية الحسيني بخلاصة ذهبية للحافظ ابن رجب الحنبلي حول الهدي النبوي في العشر الأواخر من رمضان حيث قال: (كان النبي “صلى الله عليه وسلم” وسلم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر ، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها).