مدفع الإفطار أو “مدفع رمضان” بات من المورثات التاريخية التي تراكمت عبر السنوات الطوال في البحرين، حيث يعد مدفع الإفطار مظهراً من مظاهر شهر رمضان المبارك، فقد ارتبط اسمه بالشهر الكريم وروحانياته، كما يحكى ذكريات قديمة يستمتع بها الأهالي باسترجاعها بين الحين والآخر.

مدفع الإفطار في التاريخ

تتوارث المجتمعات العربية منذ مئات السنين عادة إطلاق المدفع للإعلان عن حلول وقت الإفطار خلال شهر رمضان، ويعتبر مدفع الإفطار من التقاليد المتبعة في العديد من الدول الإسلامية، ويذكر المؤرخون إن القاهرة هي أول مدينة ينطلق فيها مدفع رمضان مصادفة في أول يوم من رمضان، وتختلف الروايات التاريخية في تحديد من هم أول من استخدم هذا المدفع لتحديد لحظة إفطار الصائمين، لكن غالبيتها تجمع على إن الأمر تم بمحض الصدفة، ومن ثم بدأت الفكرة تنتشر في أقطار الدول الإسلامية، فانتقلت إلى القدس ودمشق ومدن الشام الأخرى ثم إلى بغداد، ومنها إلى كافة أقطار دول الخليج العربية ومنها البحرين .

مدفع الإفطار في البحرين

تذكر بعض المصادر أن مدفع الإفطار في البحرين يعود إلى ما قبل عصر النفط، وقد انتقلت هذه العادة من عدة بلدان عربية إلى البحرين. ويسمى مدفع الإفطار في البحرين وبعض دول الخليج العربية “بالواردة”، فكان الناس يقولون “ثارت الواردة”، بمعنى أطلق المدفع.

«ارمِ” بهذه الكلمة منذ مطلع الثلاثينات تطلق ذخيرة صناعية من مدفع الإفطار في مملكة البحرين، وعادة ما يقوم أفراد من رجال الأمن بإطلاق قذيفة مدفعية صوتية لحظة مغيب الشمس معلناً حلول موعد الإفطار خلال شهر رمضان المبارك، وكذلك يطلق المدفع في بداية الشهر معلناً دخول شهر رمضان، ويطلق كذلك عند رؤية هلال شوال معلناً حلول عيد الفطر السعيد، ويطلق أيضاً عند حلول عيد الأضحى، وتكون عدد طلقات العيد 12 طلقة.

ويذكر مستشار حكومة البحرين تشارلز بلجريف في مذكراته أنه في يوم “ السبت الأول من مارس 1930م، أطلقت مدافع العيد وقرعت أجراس مركز الحريق، وصادف يوم الأحد 2 من مارس، أول أيام عيد الفطر “ وهو ما يوضح أن المدفع كان يطلق ليلة العيد لإعلام الناس بحلول العيد.

مكان مدفع الإفطار

تشير بعض المصادر أن شمال المنامة ( فرضة المنامة) هو الموقع المخصص لمدفع الإفطار في البحرين قديماً، ومن ثم انتقل موقع مدفع الإفطار إلى الأرض المقابلة لسوق المنامة المركزي بعد دفن جزء من البحر لإنشاء السوق المركزي، وبقي مكان المدفع في هذا المكان من المنامة لعدة عقود.

وهنالك مدفع آخر في جزيرة المحرق، وتشير المصادر أن موقع مدفع الإفطار يقع على ساحل البحر بالمحرق قرب مركز شرطة المحرق الحالي، إلى أن احتضنته قلعة عراد التاريخية بمدينة المحرق، وكان المشرف على مدفع الإفطار بمدينة المحرق هو الشيخ حسين بن إبراهيم البنكي إمام مسجدي عبدالله بن محمد الجامع المعروف حالياً بمسجد (قباء)، ومسجد خليفة بن موسى بالمحرق، وهو تلميذ القاضي الشيخ عبداللطيف بن علي الجودر.

الإشراف على مدفع الإفطار

توكل مهمة الإشراف على مدفع الإفطار والإمساك وضبط التوقيت لأحد شيوخ الدين الذين يحددون موعد غروب الشمس بالوقت مقارنة بغروب الشمس الفعلي.

ويتولى تعيين المشرف على مدفع الإفطار والإمساك سابقاً قضاة الشرع في البحرين، ويتم اختيار المشرفين على المدفع ممن يعرفون بالأمانة وضبط التوقيت، وتتولى وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف حالياً هذه المهمة. حيث يقوم الشيخ المشرف على مدفع الإفطار والمرافق لرجال الأمن بالتأكد من دخول الوقت من خلال الساعة التي يحملها بيده، والتحقق الفعلي لغروب الشمس، حيث ينظر إلى ساعته ليضبط وقت إطلاق مدفع الإفطار، وثم يصدر توجيهه حين يحين الوقت بكلمة “ارمِ”.

الملا جاسم

يعد الملا جاسم بن محمد سالم إمام مسجد أبل في المنامة، والخطيب في العديد من مساجد البحرين، من أبرز وأقدم من أشرف على مدفع الإفطار والإمساك في البحرين، والذين استمروا في مهمة الإشراف لمدة طويلة من الزمن.

وكان الملا جاسم رحمه الله قد أم الناس لصلاة الجماعة في مسجد يعقوب بوشهاب ( مسجد بشمي) - يقع المسجد شرق سوق المنامة، خلف سوق الذهب - حيث أم فيه مدة لمدة تزيد على السنتين، ثم انتقل وأستقر إماماً لمسجد أبل -غرب قلعة الديوان- “ مقر وزارة الداخلية حالياً “ - في المنامة لمدة طويلة تزيد عن 15 سنة حتى وفاته رحمه الله.

وكان من خطباء الجمعة، فخطب الجمعة في مساجد متعددة خاصة في منطقة البسيتين وقلالي، والجسرة والبديع، وفي قريتي جو وعسكر.

مهمة الإشراف على المدفع

أوكلت للملا جاسم بن محمد سالم مهمة للإشراف على مدفع الإفطار والإمساك لشهر رمضان المبارك في المنامة لما عرف عنه من الأمانة وحسن خلق ومعرفة بالتوقيت، وقد استمر في إعطاء إشارة مدفعي الإفطار والإمساك مدة طويلة إلى وفاته رحمه الله تعالى.

طبيعة الإشراف على مدفع الإفطار

تتلخص طبيعة الإشراف على مدفع الإفطار في ضبط وقت غروب الشمس بالتوقيت مع مقارنتها بالغروب الفعلي للشمس، حيث يعطي الشيخ المشرف على مدفع الإفطار الأذن للرامي أن يضرب المدفع إيذاناً بدخول وقت المغرب وحلول موعد الإفطار، وكان صوت المدفع يسمع لمسافات بعيدة خصوصاً وان طبيعة الزمن لم تعد فيه من وسائل الضجيج المنتشرة حالياً.

موقف طريف

كانت وزارة الداخلية هي التي تباشر عملية إطلاق المدفع، وكان الاتفاق أن سيارة الشرطة هي التي تأتي إلى منزل الملا جاسم لنقله إلى فرضة المنامة، وصادف في أول يوم لمباشرة الشيخ مهمته للأشراف على المدفع أن حضرت سيارة جيب الشرطة إلى بيت الشيخ “بفريج بوصرة” في المنامة لأخذه إلى فرضة المنامة، وبالفعل ذهب الشيخ معهم في سيارة الشرطة إلى موقع المدفع بفرضة المنامة، وفي الوقت نفسه تجمع الأهالي لرؤية الحدث الغريب وهو ركوب الشيخ وهو إمام المسجد المعروف مع الشرطة من غير معرفة الأسباب، فبعد مغادرة سيارة الشرطة ذهبت بعض الجارات إلى منزل الشيخ مستفسرين عن السبب للاطمئنان على الشيخ فما كان من أهل الشيخ إلا تطمين الجيران وإخبارهم بحقيقة الأمر.

مرض الشيخ ووفاته

تعرض الملا جاسم بن محمد سالم أثناء حجه لبيت الله الحرام 1977م، للدفع في صدره أثناء الطواف، وقد عانى من ذلك كثيرا حتى بعد عودته إلى البحرين، فلبث مريضاً في بيته والناس يعودونه، مما منعه من الاستمرار في الإشراف على مدفع الإفطار بفرضة المنامة، وتولى بعده الإشراف على مدفع الإفطار الشيخ نوار بن علي الوزان حفظه الله. حتى توفي الملا جاسم فجر الأربعاء 16 من ديسمبر العام 1981م، بعد معاناة من الإصابة التي لحقت به، ودفن بمقبرة المنامة ، نسأل الله له المغفرة والرحمة.

المصادر

- لقاء مع السيد إسماعيل محمد سالم، وعبدالله محمد سالم رحمه الله، شقيقي ملا جاسم.

- لقاء مع الشيخ نوار بن علي الوزان.

- لقاء مع السيدة حرم عبدالرحمن أحمد العسيري ابنة ملا جاسم.

- السيرة والمذكرات لتشارلز بلجريف مستشار حكومة البحرين ص 267 .

- جهود الباحثين الشخصية.