كتب - طارق مصباح:
وحدة أي مجتمع هي سر قوته، والتلاحم الاجتماعي بين أبناء المجتمع بتماسكه يتماسك المجتمع، والمحبة عنوان هذا التلاحم..
وشهر رمضـان المبارك برنامج اجتماعي متكامل، يهـدف إلى التقـريب بين أفـراد المجتمـع الواحـد ويسهم بوحدة الأسـرة وتماسكها، لقيامه عـلى أسـاس وحـدة الـروح المعـنوية التـي تسـري فـي عـروق جميـع النـاس، عاكسة معاني الوحدة والانسجام في التصور والسلوكيات، وهو من أكـبر العـوامـل الـتي توطد معاني الشفقة والعطف على عباد الله، بالتالي تتوسع الروابط الإيمانية والعلاقات الاجتماعية، وتنصهـر في بوتقـة واحـدة، فتتـآلف وتنجـذب نحـو بعـضها بعـضاً بتلقائية.
وحكماء المجتمع يؤكدون هذه المعاني لإدراكهم أن الخلاص من أي صعوبة تعترض المجتمع يكمن فيها..
نسيج فريد من نوعه
يعتبر الباحث الاجتماعي إبراهيم الدرازي أن الأزمة التي مرت بالبلاد تحتاج إلى تضحيات بالقدر الذي خلفته الأزمة نفسها إفرازات لم تكن يوماً من القيم الاجتماعية الأصيلة للنسيج البحريني، وقال: إن على الأفراد أن يتمتعوا بقدر وافر من الجرأة للقيام بالتضحية التي تعيد المجتمع إلى ما كان عليه قبل الانقسام الحالي، وابتعاد الأسرة عن الخوض في الأحاديث التي تتضمن المفاهيم التي تؤدي إلى انشطار المجتمع وممارسة دورها الذي يلم الشعث ويقوي أواصر المحبة والاحترام بين أبناء المجتمع الواحد.
وأضاف الدرازي: إن النسيج البحريني فريد من نوعه، وأن أي مكون في المجتمع لا يستطيع بأي حال من الأحوال الاستغناء عن غيره، إذ خلقنا أسرة واحدة على هذه الأرض..
وبشأن الأدوار المطلوبة في الوقت الحالي، قال الدرازي إن على الدولة التأكيد على اللحمة الوطنية، مبيناً أن زيارات القيادة في الشهر الكريم إلى مجالس البحرين تسعى ضمن هذا المنحى إلى تعميق الروابط الوطنية بين أبناء الشعب، داعياً وسائل الإعلام عبر قنواتها المختلفة إلى تأكيد أهمية الدور الاجتماعي في شهر رمضان.
شهر التغيير
وفي لقاء مع الأخصائي النفسي الدكتور عبدالله المقابي أكد أن تصفية القلوب والنفوس في شهر رمضان ممكنة لوجود عامل بُعد الشيطان وتوفر أجواء القبول الروحي الذي يجعل الإنسان مقترناً بالفضائل والبعد عن جميع الرذائل، منوهاً إلى أن ذلك يتم بعد التصالح مع النفس لتسمو الروح إلى النظر لخلق الله بالرقة والرحمة والالتفاف والاحتفاء بمراكز حضور الرحمات، وطلب المغفرة والعتق من النار. وأوضح أن للمسجد دوره في بناء التواصي وربط التواصل بالخير والبر والإحسان وجعل الناس تهفو لطلب الانسجام والتسامح فيما بينها والتعامل على أساس الوحدة الإسلامية والعمل الذي يقرب إلى الله بمبدأ التوحيد، وقال أن شهر رمضان شهر العتق من النار وهو شهر إحساس المسلم بالمسلم وشهر التغيير إلى الأفضل والأجود، فللمسلم حق على المسلم أن يضع عنه الغل والحقد ويضفي لمسة الرقة والرحمة والرأفة وتذوب بينهما العتابات والحسابات والغضب، وأضاف أنه ليس أجمل من هذا الشهر أن تذوب الخلافات وترقد النعرات لتصفوا النيات لنكون أسرة واحدة في مجتمعنا ووطننا وأسرنا الصغيرة. وعن واجب الأسرة، قال المقابي: إن على الوالدين أن يربيا الأبناء على التعاضد وربط الأمل والفعل بالعمل المؤدي إلى وحدتنا وتقاربنا مع بعض، مبيناً أن المؤمن يسهم مع أخوته ويريح قلبه من تلك الأثقال ويعايش الأمان ويطلب الرحمة من الرحمن.
وعن الأثر الروحي للشهر الكريم ذكر المقابي إن لشهر رمضان فضلاً كبيراً على الإنسان لأنه وفي أجوائه الروحانية العبادية ينقل العبد من مصرع الافتقار إلى مجمع الاقتدار، فيكون المجتمع كله مُولد طاقة الخير والعطاء والتغيير والنظر لمستقبل أجيال الغد والعمل على بناء الوطن بسعة الصدر وقبول الآخر، التسامح والمحبة وغسل القلوب من وباء الحسد والتباغض والبعد عن جادة الصواب والتباعد والتمرد لا يرضى بها هذا الشهر الفضيل، فالمجتمع يبني محطاته من المسجد والبيت والمجالس التي تنشر الابتسامة وتعم فيها الفرحة هي مدمجات المجتمع ومقوماته لبذل المزيد من التقارب الاجتماعي، والأعمال التطوعية والصدقات وأنواع التكافل الاجتماعي هي مقدمات تغيير المجتمع واستغلال شهر رمضان بنحو أمثل.
نحتاج مبادرات صادقة
الخالق سبحانه وتعالى شرع لنا صيام شهر رمضان من أجل تحقيق التقوى، والتقوى صلاح الفرد ليصلح المجتمع وتتقوى أركانه ومكوناته، ومن هنا انطلق الشيخ حسن الحسيني عندما ذكر أن المجتمع البحريني يمتاز باحتوائه على تركيبة متنوعة من الأطياف في مختلف الأديان والمذاهب التي تعايشت منذ سنين طويلة، وقال: إن الأزمة التي مرت بها المملكة كانت وراءها زعامات لها أجندتها وأطماعها الخارجية التي انساق وراءها بعض الناس ما أثر سلباً على تماسك النسيج الاجتماعي وتعميق الروابط الوطنية بين أبناء البلاد، مؤكداً أن آثار هذه الأزمة ستبقى لأن الجرح الذي خلفته كان عميقاً ويحتاج إلى مبادرة صادقة ممن أساؤوا إلى مكونات الوطن عبر مد جسور الثقة بينهم وبيننا.
وأضاف الحسيني أن الأمر عظيم، ولكنه يعتمد بنحو كبير على الطرف الذي بدأ وافتعل وأفسد وأن ينهض هذا الطرف بمشاريع اجتماعية عملية وواقعية لتعود المياه إلى مجاريها..
وأوضح الشيخ حسن الحسيني أن الإسلام دين يثيب على عبادة صلة الرحم وجعل الأجر العظيم على تبادل الزيارات والإحسان إلى الخلق، معتبراً أجواء رمضان فرصة بل من أفضل الفرص والمواسم لتعميق الروابط الاجتماعية مشيراً أنها من التقاليد الخليجية العربية العريقة. وأكد الحسيني أن هذه الأجواء الطيبة من شأنها أن تُذهب ما في الصدور من شحناء وتنافر بسبب ترسبات وتداعيات الأزمة. وقال أن الشعب البحريني طيب بسجيته وأن الطرف الذي شق الصف لا بد أن يبتعد عن الشعارات الزائفة وأن يقدم برنامجاً عملياً إصلاحياً. وطالب الحسيني مثيري الفتنة بالعودة إلى رشدهم واحترام حرمة الشهر الفضيل وعدم الخروج على ولاة الأمر.
استغلال ليالي الشهر
بينما عدّ النائب عدنان المالكي رمضان شهراً للخير والبركة وأنه يجب استثماره في تصفية القلوب لمحو الشرخ الكبير وإزالة آثار الماضي والبدء بصفحة جديدة بين مكونات الشعب البحريني.
وشدد المالكي على أن المجتمع، في هذا الوقت، يحتاج إلى التماسك بين أبنائه أكثر من ذي قبل، داعياً إلى استغلال ليالي الشهر الكريم في التزاور وحضور المجالس وتبادل اللقاءات ليسود جو من التسامح مما يغسل الأحاسيس بماء الانتماء لهذا الوطن، مؤكداً أنه لن يحدث هذا التسامح إلا بعد إصلاح الأسس التي تبنى عليها العلاقات الاجتماعية والروابط بين مكونات المجتمع.
كما دعا المالكي إلى عدم استغلال شهر رمضان بترويج شعارات جوفاء، بل أن على الجميع إعطاء صور من التكاتف الاجتماعي ليكون المجتمع البحريني أسرة واحدة.
ارجعوا إلى رشدكم!
وفي لقاء مع أحد أصحاب المجالس، ذكر محمد حمادة أنه في شهر رمضان يزيد التآخي بين أفراد المجتمع البحريني، مثمَّناً الزيارات اليومية للقيادة إلى مجالس العائلات إذ يلتقي رجالات الوطن بالشعب داعياً إلى التأسي بهم.. وقال حمادة أن مجالس العائلات البحرينية يحضرها أناس من جميع الأجناس والأطياف بل ومن الوافدين والمقيمين، مؤكداً أن هذه الصور الليلية في شهر رمضان تؤكد تماسك مكونات المجتمع البحريني والمنتسبين له داعياً إلى مزيد من الاستمرارية في هذه الصور البهية.
وبشأن أثر الشهر الكريم في إصلاح الروابط الاجتماعية التي خلفتها الأزمة، قال حمادة: لا بد من أخذ الدروس والعبر مما مرت به البلاد من أحداث، وأن تتدارك الفئة التي شقت الصف الواحد الوضع وتستثمر ما تبقى من الشهر في الابتعاد عن الشحن الطائفي وأن يرجعوا إلى عقولهم ويحكموا ضميرهم وأن يأخذوا العبرة من الدول التي انجرت وراء الفتن وخاضت الحروب.
دعوة للاستفادة من الأزمات
تداركوا شؤونكم واستعملوا عقولكم وراعوا دينكـم واعلموا أن شهر رمضان رسم لكم طريقاً واضحاً لحياة حرة كريمة، ومجتمع فاضل تتخلله العـزة والكرامة والسعادة، فتعـلموا مـن مـدرسـة الصيـام دروس المحبة والتآلف والاستفادة من الأزمات، واجعلـوا من رمـضان منطـلقاً للتغـييـر في الأنفـس والآفـاق، هذه هي الرسائل التي أراد حكماء القوم في البحرين وعقلاؤهم إيصالها إلى جميع أفراد المجتمع.