ذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم فضل وثواب المعتنين بالمساجد والمهتمين بها قال تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ.

وعمارة المساجد ليست قاصرة على إنشائها أو بنيانها فقط، بل إن عمارة المساجد المذكورة في الآية شاملة للعمارة بكل معانيها، فيدخل في ذلك إنشاؤها وبنيانها؛ سواءً كان بانيها متبرعاً بذلك من خالص ماله وحله، أو ساعياً في جمع المال لبناء المساجد، أو متبرعاً بشيء مما يصلح لبنيانه وإنشائه، كما يدخل في عمارة المساجد عمارتها بالسعي إليها والصلاة مع الجماعة فيها، وقراءة القرآن وتعلم العلم وتعليمه فيها، فقد ذكر الله جل وعلا صفات عمار المساجد بقوله: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ. وبذلك دلت الآية أن من اتصف بهذه الصفات من عمار بيوت الله، الذين ترجى لهم الهداية والتوفيق، إذ قد يعمر المساجد من يباهي ويرائي بعمارتها وقد يعمرها من مال حرام، والله طيب لا يقبل إلا طيباً.

وحث النبي “ص” على بناء المساجد في الحديث الذي رواه الشيخان: “من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله؛ بنى الله له بيتاً في الجنة” وفي رواية: “من بنى مسجداً لله ولو كمفحص قطاة..” ولما قدم “ص” المدينة مهاجراً كان أول عمل قام به بناء المسجد لأهميته، ولا عجب في ذلك، فالمساجد بيوت الله، ومأوى ملائكته، ومهابط رحمته، ودور عبادته، وهي ملتقى عباده المؤمنين، رتب الله على وجود المساجد أجوراً عظيمة، وخيرات عميمة.

فجعل سبحانه المشي إليها سبيلاً لرفعة الدرجات، ومحو الخطايا والسيئات، يقول “ص”: “من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح” ويقول صلى الله عليه وسلم: “من راح إلى مسجد الجماعة، فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب حسنة ذاهباً وراجعاً” رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني، وابن حبان في صحيحه. ويقول صلى الله عليه وسلم: “إلا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط! فذلكم الرباط! فذلكم الرباط!” ويقول المصطفى “ص”: “بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة” رواه أبو داود. وهذا الفضل يفوز به الذين يحافظون على صلاة الفجر في المساجد، إذ إن تمام الظلمة في ذلك الوقت وفي صلاة العشاء أيضاً، أما الذين يتكاسلون عنها، ويتهاونون بها، فإنهم على حرمان وغبن عظيم، إذ يفوتون على أنفسهم ذلك الفضل العظيم، فالنور التام يوم القيامة -برحمة الله وفضله- إنما هو للمشائين في الظلم إلى المساجد يبتغون ما عند الله، والذي يعمر المساجد بالصلاة فيها مع الجماعة مشهود له بالإيمان، لقول النبي “ص”: “إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان” رواه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، في صحيحيهما. وقال الله عز وجل: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .