بنا: اكتسبت البحرين من الأحداث المؤسفة التي شهدتها العام الماضي منعة وقوة جعلتها قادرة على استيعاب الدرس والتعلم من خبراتها، من أجل عام جديد من الاختبارات والفرص الجديدة للإصلاح وإعادة اللحمة الوطنية، إذ تميزت بتاريخ طويل من الإصلاحات والمسيرة التقدمية المستمرة. إن المواطنين والحكومة يدركون تماماً أن التطور من خلال حكومة المشاركة الشعبية يجب أن يستمر على أساس الحوار النزيه والحقائق الصحيحة الدقيقة. ويعتبر القيام بتشجيع التوسع في التمثيل الشعبي في الحكومة أمراً حيوياً للمجتمع وفي أغلب الأوقات فإنه توجد هناك مهام متزامنة من المفترض التوافق عليها إلا أن أحداث أوائل عام 2011م أثبتت إمكانية التباين، مما يجعل المطلوب الآن هو إعادة بناء هذه المهام ووضعها على الطريق نفسه بحيث يتواصل التوسع في التمثيل الشعبي في الحكومة والأفكار التقدمية مع توخي الحكمة بينما نمضي في خطى المشاركة بشكل حثيث. البحرين نموذج للديمقراطية العربية تعد البحرين من ضمن الأمم التقدمية في منطقة الخليج العربي وتتميز بتاريخ طويل من الإصلاحات والمسيرة التقدمية المستمرة. لقد حصلت المرأة في البحرين على حقها في التصويت في عام 1924م وأصبح لدينا وزيرتان، وفي يونيو 2006 تشرفت البحرين بانتخابها رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة وتولت هذا المنصب الرفيع سيدة بحرينية الجنسية هي الأولى في منطقة الشرق الأوسط والثالثة على مستوى العالم التي تتولى هذا المنصب المرموق على مر التاريخ. كما إن البحرين هي إحدى الدول العربية التي تتميز بقوانينها التقدمية في مجال فرص العمل والإسكان المجاني والرعاية الصحية المجانية وحرية العبادة حيث توجد في البحرين العديد من الكنائس والمعابد وغيرها من دور العبادة. مما جعل وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو يطلق على البحرين اسم (نموذجاً للديمقراطية العربية). وتسارعت وتيرة المسيرة التقدمية الطموحة نحو الملكية الدستورية والمزيد من الحريات الديمقراطية منذ عام 1999 بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد. ومنذ أن تولى جلالته مقاليد الحكم في المملكة جرت ثلاثة انتخابات في البلاد في الأعوام 2002، 2006 و2010م شاركت فيها المعارضة طواعية واختياراً واكتسبت المزيد من الصلاحيات الديمقراطية. كما إن مملكة البحرين من أكثر الدول تطوراً على مستوى العالم. فقد تربعت في المرتبة التاسعة والثلاثين على رأس قائمة الدول متقدمة بذلك على بعض الدول كالبرتغال وتقف خلف المملكة المتحدة بعد ثلاث عشرة مرتبة فقط، حسب الأمم المتحدة. كما إن معدل القراءة والكتابة بلغ 86% ومعدل الدخل القومي الإجمالي للفرد قد بلغ 40 ألف دولار أمريكي وأصبح اقتصادها العاشر الأكثر حرية على نطاق العالم وذلك وفقاً لأحدث تقرير صادر عن مؤسسة هيرتاج فاونديشن. وقد تحدث أحد أعضاء جمعية الوفاق الإسلامية المعارضة وهو عضو برلماني سابق وذلك في تجمع (غثام هاوس) بتاريخ 4 يوليو 2011م قائلاً: “أصبحت البحرين بلداً مبادراً للتغيير. حيث أصبحت البحرين البلد الأولى من ناحية استحداث التعليم والإدارة العصرية في المنطقة. وبالتالي بوسع البحرين في الحقيقة أن تكون بلداً إيجابياً في المنطقة ككل). الطريق إلى اللاسلمية يبدأ بالسلمية حتى عام 1971 كانت البحرين محمية بريطانية كما اتسمت العلاقات التاريخية بين البحرين والولايات المتحدة الأمريكية بالصداقة والتقارب. وظلت البحرين توفر الدعم باستمرار للملكة المتحدة والولايات المتحدة في المجالات الأمنية. ففي عام 1991، انضمت البحرين لقوات التحالف الدولي إبان عملية عاصفة الصحراء في الحرب العراقية وفي عام 1998 قامت البحرين بتوفير التسهيلات العسكرية لعملية ثعلب الصحراء خلال حملة القصف البريطاني الأمريكي في الحرب على العراق. وتوجد في البحرين قاعدة للأسطول الأمريكي الخامس وتوفر البحرين التسهيلات العسكرية الرئيسة لاحتواء المطامع الخارجية في المنطقة. كما إن البحرين كذلك حليف رئيس غير عضو لحلف شمال الأطلسي وكانت الدولة الأولى خليجياً التي قامت بإبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2004. وكونها تعول بشكل كبير على صناعة الخدمات المالية بجانب النفط، فقد تلقى الاقتصاد البحريني ضربة قوية بسبب الأزمة المصرفية العالمية. وكغيرها من دول العالم الأخرى، فإن مواطني البحرين قد تأثروا من النواحي الاقتصادية. وأصبحت تكاليف المعيشة باهظة وأصاب الركود الأجور وأثر ذلك على الفرص الوظيفية مما صعد الأوضاع . وفي مقابل هذا التراجع وتأثراً بالأحداث التي عصفت بكل من تونس ومصر فإن المظاهرات التي جرت في البحرين في 14 فبراير 2011 فيما أطلق عليه بيوم الغضب في جميع أنحاء البلاد قد دعت إليها جماعة شباب البحرين المطالبة بالحرية والتي تلقت الدعم والمساندة من جمعية الوفاق الإسلامية. وقد تركزت معظم المطالبات على الإصلاحات الاقتصادية وكان من الظاهر أنها لم تكن تتضمن أية دعوات بإسقاط الحكومة. ووفقاً لما قالته إحدى النسوة البحرينيات والتي تفضل عدم ذكر اسمها في حديثها لتجمع (غثام هاوس) بتاريخ 4 يوليو 2011م فقد قالت السيدة البحرينية: (جاء الجميع كل الأمهات والآباء والأطفال جاءوا من كل حدب وصوب بشكل عفوي لأنهم يحتاجون للحياة الكريمة ببساطة.. وأنا أحب وطني البحرين ولا أريد أي تغيير للنظام الحاكم. بل أريد الحياة الديمقراطية، والمعيشة الكريمة لينعم بها كل مواطن بحريني. وقد تكلمت مع العديد من الناس في الشوارع ولقد كانوا كلهم يقولون إنهم يريدون وظائف ومساكن فقط لا غير). والغالبية العظمى من الاحتجاجات في ذلك الوقت كانت سلمية. إلا أن بعضها لم يكن كذلك وبدأ يأخذ منحى غير سلمي في أحيان كثيرة فتحول إلى مواجهات أسفرت عن سقوط قتيل في يوم 14 فبراير 2011. إجراءات في طريق المصالحة الوطنية ومن أجل تهدئة نيران الفتنة الطائفية واستعادة الأمن والنظام، قام حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى بمجموعة من الإجراءات للمساعدة في المصالحة الوطنية في البحرين والتعافي من الأحداث المأساوية. وأمر جلالته برفع حالة السلامة الوطنية وإعلان بداية جلسات حوار التوافق الوطني الذي رحبت فيه حكومات العالم قاطبة بمن فيهم وزير الخارجية البريطانية ويليام هيج نفسه. والهدف من حوار التوافق الوطني بناء التوافق بشأن الإصلاحات وقد شارك نحو 300 شخصية تقريباً في جلسات الحوار الوطني يمثلون كافة شرائح المجتمع البحريني. وقد غطت الإصلاحات أربعة مجالات رئيسة هامة: سياسية، واقتصادية، واجتماعية وحقوقية. وقد توصل المشاركون في جلسات حوار التوافق الوطني لإجماع بشأن منح مجلس النواب (البرلمان) المزيد من الصلاحيات التشريعية وتعزيز صلاحياته الرقابية على الحكومة، بجانب حق البرلمان في رفض خطة عمل الحكومة. وعلاوة على ذلك، اتفق المشاركون في حوار التوافق الوطني على توصية بشأن تشديد إجراءات مكافحة الفساد مع المزيد من الشفافية في الحياة العامة وفقاً للمعايير العالمية في هذا الشأن. وفيما يتعلق بتحسين توزيع الدخل القومي ساندت الوفود المشاركة في جلسات الحوار الوطني توصية بإجراء المزيد من الدراسات العميقة لتحديد المجموعات الأقل دخلاً وتحسين إعادة توزيع المنح والمساعدات الحكومية مع خفض الاعتماد الكلي على المعونات الحكومية من أولئك المواطنين الذين هم فوق خط الفقر. كما تداولت جلسات حوار التوافق الوطني حول القضايا الاجتماعية وقضايا حقوق الإنسان التي تهم المواطنين في البحرين. وقد تم التوصل لتوصية بشأن وضع المزيد من البرامج الشبابية والتدريبية والتطويرية بالإضافة لتكوين كيان وطني للمصالح الوطنية وتعزيز الوعي بحقوق الإنسان بما في ذلك المنظمات الرسمية والأهلية. علاوة على ذلك، تم رفع توصيات من خلال جلسات حوار التوافق الوطني بشأن زيادة حرية التعبير وحرية التجمعات والمزيد من القوانين الداعمة للحريات وتحسين إمكانية الوصول للمعلومات من المصادر الرسمية. وقد تم رفع جميع توصيات جلسات حوار التوافق الوطني إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وكانت المرحلة الثانية هي عملية إجراء الإصلاحات بعد استعراضها من قبل مجلس الوزراء الموقر ومجلس النواب حتى يتم النظر بشأن كيفية تنفيذها من خلال وضع التشريعات اللازمة لبعض الحالات الخاصة. وقد كسبت البحرين من خلال حوار التوافق الوطني مكانة مرموقة ووضعت بصماتها لأجل بناء حكومة تشمل المزيد من التمثيل الشعبي. وقد قامت القيادة الرشيدة والحكومة الموقرة بوضع الأسس السليمة للبناء على أساس تلك التوصيات من أجل تنفيذ المزيد من الأفكار الجديدة. ويعتبر حوار التوافق الوطني بمثابة تأكيد فعال لقدرة البحرين على تنفيذ الإصلاحات بكل كفاءة واقتدار. وتلك الإجراءات تتمثل في الحوار ذاته وفي الخطوات التي قامت أو ستقوم الحكومة باتخاذها من أجل تنفيذ توصيات مؤتمر الحوار الوطني التي تشهد بأن البحرين عازمة ومصممة دائماً على العمل من أجل إجراء المزيد من الإصلاحات وإحراز المزيد من التقدم والتمثيل النيابي. وفي شهر سبتمبر 2011م، تم إجراء الانتخابات التكميلية لملء 18 مقعداً شاغراً في البرلمان في أعقاب الاستقالات التي تمت بتاريخ 27 فبراير 2011 من جانب 18 عضواً برلمانياً يمثلون جمعية الوفاق الإسلامية. وبالرغم من أن جمعية الوفاق الوطني الإسلامية قررت مقاطعة الانتخابات التكميلية، فإن 75 عضواً آخرين شاركوا من خلال الترشح لملء بعض الشواغر (بمن فيهم تسع مرشحات). وبالرغم من التهديدات من جانب القوى المعارضة للحكومة، فإن المرشحين ثابروا وواصلوا حملاتهم الانتخابية. وفي تلك الفترة تعرض الناخبون للتحريض من أجل مقاطعة الانتخابات وفي بعض الحالات تعرضوا للمضايقة في المراكز الانتخابية ولكن عزيمة الشعب البحريني وأصواته سادت حيث تم انتخاب 18 عضواً جديداً للبرلمان. وجاءت نتائج الانتخابات التكميلية لتكريس وتعزيز النظام السياسي في البحرين. حيث فازت ثلاث نساء, اثنتان منهن هزمتا خصومهن من الرجال للمرة الأولى في تاريخ البلاد مما رفع عدد النساء اللائي تبوأن مقاعد برلمانية إلى 4 نساء ضمن أعضاء البرلمان البالغ مجموعهم 40 عضواً وعضوة في المجلس التشريعي. وذلك يؤكد على نهج البحرين الديمقراطي الريادي في المنطقة. وبعد أسبوع واحد من تنصيب البرلمان تم تأسيس كتلة البحرين وهي التحالف التشريعي الأول من نوعه الذي يجمع بين الطائفتين الكريمتين السنة والشيعي. وكانت تلك الخطوة التمهيدية لانطلاق البرلمان بشكل جاد من أجل متابعة تنفيذ توصيات جلسات حوار التوافق الوطني باعتبارها المرتكز الأول لرفد حكومة التمثيل الشعبي في البحرين بالمزيد من القوى.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90