حاوره ـ أحمد عبدالله:
وصف النائب أحمد قراطة الوضع الحالي بأنه غير مهيئ بتاتاً للمصالحة الوطنية، لأن الأرضية متأزمة، وأكد أن كافة المبادرات ستبوء بالفشل ما لم يتوقف مسلسل العنف ويتم ترشيد الخطاب السياسي المتطرف، واعتبر أن فرض أي فكر سياسي أو عقائدي على المجتمع أمر مرفوض، وأوضح أن أي مصالحة يراد لها النجاح يجب أن تنطلق من رؤية سياسية مشتركة تتم بالتوافق بين جمعية الوفاق وبقية الجمعيات المعارضة الخمس من جهة، وتجمع الوحدة الوطنية وبقية ائتلاف الجمعيات السياسية المتحالفة معه، من جهة أخرى. وأضاف قراطة، في مقابلة مع “الوطن”، أن أي طرف يرفض الحل التشاركي سيخرج من المعادلة السياسية، ويبقى التأزيم دوره الوحيد، وأكد أن كتلة البحرين النيابية تضع على رأس أولوياتها ملف المصالحة الوطنية، ونفى قراطة ما يُثار حول توجيه الغرب ضربة عسكرية لإيران للقضاء على قدراتها النووية، وأكد وجود تفاهم وتوافق إيراني أمريكي من تحت الطاولة.
إضافة إلى العمل على رفع الميزانية المخصصة للملف الإسكاني، مقترحاً قيام الدولة بدفع مبالغ مالية تتماشى مع أسعار السوق (وهي الآن نحو 100 ألف دينار) للمواطنين المستحقين من أجل شراء الأراضي وبنائها تحت اشتراطات وزارة الإسكان. وحذر قراطة من ارتفاع الدين العام للمملكة إلى 4 مليارات دولار نهاية 2012، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى انخفاض قيمة الدينار البحريني، وسيفتح قضايا كثيرة على البحرين. وطالب بوضع حد للبطالة، وكشف أن الحكومة تنوي دعم شركة طيران الخليج دون الرجوع للنواب، معتبراً الأمر خطأ فادحاً، وضرباً بقرارات النواب عرض الحائط.
ورأى قراطة أن الاتحاد الخليجي يجب أن يكون اقتصادياً وليس أمنياً، مشيرا إلى أن الجانب الأمني يتطلب تكتلاً عسكرياً يتم وفق منظومة إقليمية تضم عدداً من الدول العربية والإسلامية، وانتقد قراطة السياسة الأمريكية في البحرين التي وصفها بأنها مبنية على المصالح فقط، معتبراً أن واشنطن تهدف لتقويض الإصلاح والتنمية في الوطن العربي.
المصالحة الوطنية
وقال قراطة إن الأزمة التي مرت بها البحرين خطيرة جداً لأنها أحدثت شقا في الصف الداخلي لأول مرة في تاريخ البلد، كما أنها كانت شرسة وحادة وأخذت منحى طائفياً أدى إلى حصول اصطفاف طائفي شديد، وفيما يخص تقويم الوضع خلال المرحة الحالية والمبادرات التي طرحت في الساحة بهدف التوصل إلى الحوار والمصالحة الوطنية، اعتبر قراطة أن “الوضع غير مهيء بتاتاً الآن لهذه المبادرات، لأن الأرضية متأزمة”، وأكد أن كافة المبادرات ستبوء بالفشل ما لم يتم تهيئة الأرضية المناسبة وترشيد الخطاب السياسي المتطرف، وإيقاف مسلسل العنف والتخريب وإغلاق الشوارع من قبل قوى التأزيم، وأوضح أن شعب البحرين معروف بطيبته ولن يكون حجر عثرة أمام أي مصالحة تسعى إليها القوى السياسية.
المنحنى الطائفي
وأشار إلى أن المنحنى الطائفي نشأ في البحرين وبدأ يتوطّد مع الثورة الإيرانية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، مضيفاً: “منذ ذلك الحين بدأ الحراك في البحرين يأخذ منحنى آخر”، وأوضح أنه لا أحد يتدخل في أي فكر أوعقيدة يعتنقها الآخرون، أما أن يصل الأمر إلى خلط الفكر المذهبي بالسياسة، والسياسة بالعمل الحقوقي، ومحاولة فرض رؤية سياسية معينة على المجتمع فهذا شيء مرفوض، وبيّن أن البحرين دولة متعددة لا يمكن أن يفرض فيها الرأي الواحد، كما أن المرجعية الشعبية المتمثلة في ميثاق العمل الوطني والذي صوت عليه الشعب بنسبة 98.4 في المئة تخلو من المطالب التي أصبحت تنادي بها المعارضة.
وشدد قراطة على أن البحرين ضمن منظومة خليجية متماسكة مرتبطة ومنسجمة فيما بينها ولها نظام السياسي المتبع بها ولا يمكن أن تتبع لأي توجه سياسي أو عقائدي آخر.
عقلية الاستحواذ
وأشار إلى أن بعض الجمعيات تسعى للسيطرة على كل المواقع الحيوية بالدولة من النقابات العمالية في مختلف المجالات الحيوية بالمملكة، إضافة إلى السيطرة المساجد والمآتم ، وبين أن تسييس النقابات كانت مخلفاته سلبية على البلد، كما أنه أحدث شرخا كبيرا في المجتمع وأثر على مصالح الطبقة العاملة، وهو ما أدى إلى تأسيس نقابات عمالية جديدة، وتحدث عن الدهشة والذهول الذي أصابه جراء تصرفات الوفاق الغريبة والتي لم تكن متوقعة، خلال الأزمة، مستغربا من وصول عدد المسيرات المعارضة منذ بداية العام الجاري إلى الآن إلى نحو 90 مسيرة، والتي لا داعي لها مطلقاً.
شروط المصالحة
واعتبر قراطة أن أي مصالحة وطنية يجب أن تنطلق من رؤية سياسية مشتركة تتم بالتقاء الوفاق وبقية الجمعيات المعارضة الخمس من جهة وتجمع الوحدة الوطنية وبقية ائتلاف الجمعيات السياسية المتحالفة معه، مشددا على ضرورة “أن يشمل، أي حوار يراد له النجاح، جميع طوائف المجتمع وأن يتم وفق رؤى بحرينية خالصة”، وشدد على أن الحل يجب أن يكون وطنيا ينبني على مبدأ أن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات وليس طائفيا، وهو ما سيقضي على كل الخلافات السياسية والاجتماعية، وأكد أن الحوار يجب أن يعتمد على أسس محددة وسيكون له سقف معروف. وحول ما إذا كانت المعارضة ستتقبل هذا الطرح قال قراطة: إن أي طرف يرفض الحل التشاركي فسوف يخرج من المعادلة السياسية، ويبقى دوره التأزيم والعمل على تقويض الوطن، وكشف عن وجود منطقة الوسط تضم أعدادا كبيرة من المواطنين هم أكثر من المعارضة ومن الموالاة، وهم في حدود تصل أكثر من 40%.
ارتفاع الدين العام
وكشف قراطة أن الدين العام للمملكة وصل إلى أرقام مذهلة حتى الآن وهي 3.5 مليار دولار، محذراً من ارتفاع الدين نهاية 2012 إلى 4 مليارات في حل استمر الحال على ما هو عليه، بسبب مجموعة من العوامل بينها الأزمة السياسية، إضافة إلى الأزمة الإقليمية والأزمة المالية العالمية، وأشار إلى انه في حال ارتفع الدين العام للمملكة أكثر من 4 مليارات دولار فسيؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة الدينار البحريني وسيفتح قضايا كثيرة، بينها فقدان المملكة لموقعها كمركز مالي عالمي، وربما يشكل عائقا في وجه الاقتراض. وتساءل عن أهداف التأزيميين من ضرب الاقتصاد الوطني؟ وأوضح أن أي انهيار في الاقتصاد الوطني سيلحق ضرره الجميع من كل الفئات، معارضة وموالاة ومن هم في الوسط، ورأى أن التعذر عن زيادة الرواتب بزيادة الدين العام يعد حجة واهية، معتبراً أن أسعار البترول وكمياته زادت عدة مرات، متسائلاً: إلى أين تذهب تلك الزيادات؟.
عوائد البترول والفساد
وشدد قراطة على ضرورة استثمار عوائد البترول بشكل جيد وشفاف، إضافة لحسن تسيير واستثمار صندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية وعائدات الأوقاف السنية والجعفرية. وأضاف أن الفساد المستشري في الحكومة بدوره يفاقم الوضع ويزيد الطين بلة، مطالبا الحكومة بالالتفات للشعب وصون كرامته وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، الذين يتميزون بالتواضع والاستعداد للولوج لمختلف الوظائف، وقال: إن الدولة تعاني من التضخم الاقتصادي والفساد المالي والإداري إضافة إلى الفساد الأخلاقي في بعض الهيئات والوزارات، والبطء في اتخاذ القرارات.
ودعا قراطة الوزراء الذين لا يستطيعون القيام بمسؤولياتهم إلى التخلي عن مناصبهم وتركها لمن يستطيع الاضطلاع بالمهام، وأشار إلى أنه كلما احتاج المواطنون رفعوا مناشداتهم إلى رئيس الوزراء بسبب أن العديد من الوزراء لا يقومون بأعمالهم ومهامهم على الوجه المطلوب.
لا استهداف لطائفة
وأكد قراطة تواضع المستوى المعيشي لجميع المواطنين سنة وشيعة دون استهداف أحد، وكشف عن وجود “بعض البيوت والأسر السنية التي يعيش ذووها في منازل لا تصلح للسكن”، وطالب بـ«وضع حد للبطالة التي تشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبتها تصل إلى 4.3 % ولكنها في الحقيقة تصل إلى ما يتراوح بين 15 إلى 20%”، كما شكك في الأرقام التي تنشر عن التضخم في المملكة، معتبراً أنه يصل إلى 12 أو 13%، وطالب بإسقاط رسوم سوق العمل (10 دنانير) عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لكونها الداعم للاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن هيئة تنظيم سوق العمل رفعت رسوم العمل من 150 ديناراً إلى 200 دينار، وطالب بزيادة الدعم الحكومي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أجل ضمان الاستقرار الاقتصادي.
ممتلكات وطيران الخليج
واعتبر قراطة أن ديوان الرقابة المالية أحد الأجهزة الرقابية المهمة والمفترض أن يحيل المفسدين إلى المحاكمة لا أن يقتصر دوره على مجرد رصد المخالفات ووضعها على الرفوف، وأوضح أنه سبق وأن تقدم بسؤال برلماني لوزير المواصلات حول الشركات التي تديرها شركة ممتلكات وما هو رأس مال كل شركة من هذه الشركات وأصولها، وما هو حجم الأرباح أو الخسائر لكل من هذه الشركات، وهل الأرباح والخسائر لتلك الشركات تدرج ضمن الميزانية العامة للدولة، وفي حالة عدم إدراجها فأين تذهب؟!، وانتقد بشدة أداء شركة ممتلكات البحرين القابضة، وخصوصاً فيما يتعلق بطيران الخليج، مشيراً إلى أن “ممتلكات تعمل كذراع لتدمير للاقتصاد وليست ذراع إسناد وتقوية له”، وكشف قراطة أن لديه معلومات بأن الحكومة تنوي دعم الشركة دون الرجوع إلى النواب، معتبراً أن دعم الشركة دون الأخذ بتوصيات اللجنة البرلمانية يعد خطأ فادحاً، لأن الأمر بمثابة الضرب بقرارات مجلس النواب عرض الحائط.
الملف الإسكاني
ومن ناحية أخرى، قال إن كتلة البحرين النيابية تضع على رأس أولوياتها في الفترة الراهنة ملف المصالحة الوطنية والتقريب بين مختلف شرائح المجتمع وفئاته، إضافة إلى العمل على رفع الميزانية المخصص للملف الإسكان خلال الميزانيات المقبلة، وتوفير الأراضي للمشاريع الإسكانية.
وكشف عدم وجود تناسب بين الميزانية المرصودة لوزارة الإسكان مع الطلبات الإسكاني التي وصلت 52 ألف طلب هذا العام بينما تزداد سنوياً بـ 4 آلاف طلب، وأن الملف لا يجدي فيه التعامل التقليدي غير المبني على خطط استراتيجية لتقليص هذا العدد الكبير والتقليل من قوائم الانتظار حتى يصبح الحد الأعلى للانتظار 5 سنوات، ورأى أن الحل يتطلب قيام الدولة بدفع مبالغ مالية تتماشى مع أسعار السوق (وهي الآن نحو 100 ألف دينار) للمواطنين المستحقين من أجل شراء الأراضي وبنائها تحت اشتراطات وزارة الإسكان كما يجب أستخدام المارشال خليجي بشكل أمثل.
أداء النواب والكتل
وعبّر قراطة عن عدم رضاه عن أداء كتلة البحرين خلال الدور الماضي، والذي وصفه بالمتوسط، مشيراً إلى أن تركيز المجلس خلال الدور المنصرم على الاقتراحات برغبة قلل من إنجازه بشكل عام وشل العديد من جهوده، ونفى نية الكتلة تشكيل جمعية سياسية، على اعتبار تشكيل جمعية من هذا النوع أمر غير واقعي بالنسبة لها.
وأشار إلى النواب مشغولون عن مهامهم الرئيسية في التشريع والرقابة بسبب الفهم الخاطئ لمهمة النائب من قبل الكثير من المواطنين، والعقلية السائدة لديهم، وأضاف أن النواب أصبحوا يقومون بمهام الأعضاء البلديين، كما إنهم يمارسون أعمال الفراش والزبال، كما إنهم ملزمون بدفع مبالغ مالية للمواطنين كل ذلك بسبب العقليات الخاطئة لدى الناخبين.
المحيط الخليجي
وطالب قراطة بالإسراع في الاندماج الخليجي والبدء بالاتحاد على المستوى الاقتصادي وتوحيد العملة والوحدة الجمركية، وتسهيل التنقل والتحرك بين المواطنين بالخليج من أجل بناء كيان اقتصادي قوي، معتبراً أن الاتحاد الخليجي يجب أن يكون اقتصادياً وليس أمنياً.
وأكد أن الاتحاد الخليجي يجب أن يتم بعيداً عن سياسية ردود الأفعال بسبب الأزمة التي تعرضت لها البحرين، ويجب أن يكون الاتحاد هدفا استراتيجياً منفصلاً عن الأزمة الأخيرة، مشيراً إلى أن الدول الصغيرة التي لا تنضوي تحت أحلاف لا مكان لها في العالم اليوم.
ورأى أن الجانب الأمني يتطلب تكتلاً عسكرياً يتم وفق منظومة إقليمية تضم السعودية وباكستان وتركيا من جهة وسوريا ومصر والأردن من جهة أخرى، معتبراً أن هذا التكتل من شأنه أن يلجم الدور الإقليمي لإيران والدور الدولي لأمريكا وأوربا.
الموقف الغربي
وانتقد قراطة السياسة الأمريكية في البحرين، مشيراً إلى أنه لا يقوم مواقف سفير واشنطن في البحرين بشكل منفصل عن السياسة الأمريكية في المملكة على اعتبار السفير مجرد أداة لتنفيذ سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، وتطرق لإدخال السلطات الأمريكية مبلغ 11 مليون دولار نقداً عن طريق مطار البحرين الدولي، متسائلاً: هل أصبح البنتاغون الأمريكي يتعامل بهذه الطرق البدائية جداً؟
وفي إطار حديثه عن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في البلدان العربية والإسلامية والتي يرى أنها تهدف دوماً لعدم الاستقرار وحدوث البلابل، تحدث قراطة عن زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية مؤخراً إلى مصر ومقابلتها لقيادة المجلس العسكري عقب لقاء الرئيس المصري، معتبراً أن ذلك يهدف إلى الانشقاقات الداخلية وتشكيل دولتين في دولة واحدة، وأضاف أن سياسة واشنطن مبنية على المصالح لا على المعاهدات والصداقة، مؤكداً أنها تهدف إلى تقويض الإصلاح والتنمية في الوطن العربي.