تولي حكومة البحرين اهتماماً خاصاً وعلى أعلى المستويات القيادية، بملف مرضى فقر الدم المنجلي”السكلر”، وتضعه في مقدمة القضايا الإنسانية التى تسعى الحكومة لمعالجتها وضمان توفير أفضل سبل الرعاية الصحية والاجتماعية للمرضى عبر العديد من الخطوات التنفيذية، من أهمها مركز أمراض الدم الوراثية، المقرر افتتاحه قبل نهاية العام الحالي، بكلفة تصل لـ 5 مليون مع شراء الأجهزة الحديثة، إضافة إلى مبلغ 2 مليون سنويا كلفة تشغيلية، حيث ساهمت الحملات الوطنية، بتقليل نسبة حاملي المرض من 2% إلى أقل من 0.6 %.
وأولى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، هذا الملف جل اهتمامه، ولامس آلام المرضى ومعاناتهم من خلال لقاءاته المستمرة مع أعضاء جمعية البحرين رعاية مرضى السكلر، والتي كانت محل إشادة وتقدير من جانبهم، بما كانت تحمله من توجيهات وأوامر للتخفيف عنهم فيما يعانونه من آلام المرض ومضاعفاته من خلال توفير سبل العلاج الضرورية.
كما خصص أحد الاجتماعات الاسبوعية لمجلس الوزراء، جانباً من جدول أعماله في العديد من الجلسات لبحث وإيجاد الحلول وتطوير الخطط والبرامج العلاجية التي تخدم مرضى السكلر الذي يعد الاكثر شيوعاً في البحرين من بين أمراض الدم الوراثية، وآخرها في شهر يوليو الماضي حيث وجه صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، وبشكل فوري إلى وجه سرعة الانتهاء من مركز علاج أمراض الدم الوراثية وتجهيزه ليقدم خدمات طبية متكاملة ذات جودة عالية لمرضى السكلر، وإنشاء عيادات خاصة لهم بمجمع السلمانية الطبي والمراكز الصحية بما فيها عيادات مسائية وليلية تحت إشراف مختصين بأمراض الدم الوراثية وزيادة الأطباء الاستشاريين في هذا المجال.
وافتتحت وزارة الصحة بناء على هذه التوجيهات، عيادتين بقسم أمراض الدم والأورام في مجمع السلمانية الطبي، تعملان تحت إشراف استشاريي وأخصائيي أمراض الدم، لمتابعة حالات مرضى السكلر عبر إجراء الفحوصات اللازمة مما سيساهم في التقليل من عدد النوبات وللنصح بالعلاج اللازم، إضافة إلى عيادات مرضى السكلر التي تتوافر في 5 مراكز صحية وهي “مركز سترة ومركز الكويت ومركز جدحفص، ومركز البديع ومركز علي أحمد كانو بالنويدرات”، كي يحصل المريض على الخدمات القريبة من سكنه.
كما شكلت وزارة الصحة فريق عمل لإعداد خطة عاجلة بشأن رعاية مرضى السكلر، وهناك كذلك توجه لاستقدام خبراء للعمل على تقييم الخدمات المقدمة لمرضى السكلر في مملكة البحرين، من أجل تطويرها بشكل أفضل، وتقديم خدمات أفضل إلى المرضى وضمان سرعة الحصول على العلاج المناسب والعناية الصحية، والعمل على تقليل مضاعفات المرض وتخفيف معاناة المرضى.
ويجري العمل حالياً على إنجاز “مركز أمراض الدم الوراثية” قبل نهاية العام الحالي 2012، وهو مركز متكامل لأمراض الدم الوراثية ويعد الأول من نوعه في البحرين والمنطقة بتكلفة تصل 2,5 مليون دينار، وبمبلغ مماثل لشراء الأجهزة الحديثة التي سيضمها المركز، وكلفة تشغيلية سنوية بحدود المليونين وسيضم 90 سريراً، ويستقبل كافة مرضى السكلر، كما إنه يضم قسماً خاصاً بمجال الدراسات البحوث المتخصصة في الأمراض الوراثية.
وأسهمت جهود الحكومة ممثلة في وزارة الصحة في زيادة الوعي، من خلال الحملات التوعوية والتثقيفية بأمراض الدم الوراثية، وإجراء الفحوصات لطلبة المرحلة الثانوية، وإصدار قانون ملزم بضرورة إجراء الفحص الطبي للمقبلين على الزواج، في انخفاض عدد المصابين بمرض السكلر بنسبة 75 في المئة، حيث بلغ معدل الإصابة بالمرض لطلاب الثانوية من الجنسين من سن 16 الى 17 سنة بلغ 0.09% مما يعني أنه أصبح أقل من 1% وبالنسبة للمواليد انخفضت نسبة الإصابة من 2.1%، إلى 0.04% وهو دليل واضح على نجاح خطة الوقاية التي تقوم بها وزارة الصحة لدحر هذا المرض بين المواطنين في البحرين، إذ سجلت البحرين أقل من 50 مريضاً بالسكلر سنوياً خلال السنوات الماضية، كما يتم فحص 6 آلاف طالب سنوياً من الطلبة، وقد وصل العدد الكلى للمفحوصين إلى 82000 من الطلاب خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية.
وتبذل الحكومة جهوداً علاجية ووقائية للحد من انتشار هذا المرض، بالرغم من تجاهل البعض لنتائج الفحوصات الطبية قبل الزواج، في ظل التوضيح عن حقيقة المرض ومخاطره على الأجيال القادمة، ما يشكل ثغرة كبيرة تقوض الجهود المبذولة في القضاء على المرض، وهو ما يحتاج إلى تضافر الجهود والتعاون الإيجابي مع قبل جميع الفعاليات المجتمعية وخاصة الدينية منها لكي تقوم بدورها في الجانب التوعوي بما يجنب البلاد مزيداً من الضحايا.
كما يقع على عاتق أعضاء مجلس النواب والسلطة التشريعية مسؤولية كبيرة في هذا المجال لحماية الأجيال القادمة من مخاطر المرض، من خلال سن التشريعات والقوانين التي تلزم المصابين وحاملي مرض السكلر أو غيره من أمراض الدم الوراثية بعدم إتمام الزواج في حال إصابة أحدهم، أو إذا كان ذلك يشكل ضرراً على الأجيال القادمة، والتشجيع على “الزواج الآمن” لتجنب إنجاب أطفال مصابين بأمراض وراثية تشكل خطراً على حياتهم.
إن الخطوات الحالية لوزارة الصحة في علاج مشكلة مرضى فقر الدم المنجلي، خطوات علمية واثقة ومتواصلة ومتصاعدة. ووفقا” للإحصائيات العالمية وإحصائيات منظمة الصحة العالمية يولد سنوياً حوالي 195 ألف طفل مصاب بفقر الدم المنجلي، وتختلف نسبة انتشاره من بلد إلى آخر، ولكن بصفة عامة ينتشر المرض في دول الخليج العربي، خصوصاً مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ودول شرق البحر الأبيض المتوسط، وبعض الدول الأفريقية وأمريكا وغيرها.
والجدول التالي حسب وزارة الصحة بمملكة البحرين، يوضح أعداد مرضى فقر الدم المنجلي البالغين والأطفال في الفترة من 2005 - 2011 الذين تم إدخالهم لمجمع السلمانية الطبي - المصدر : إحصائيات وزارة الصحة / مجمع السلمانية الطبي
إن الحملات الوطنية التي قامت بها مملكة البحرين ممثلة بوزارة الصحة وشركائها من المجتمع المدني، أدت إلى تقليل نسبة حاملي المرض من 2 % إلى أقل من 0.6 % أي تقليل عدد المواليد حاملي المرض من 20 مصاباً، لكل 10.000 مولود إلى 6 مصابين لكل 10.000 مولود أي انخفضت نسبة الإصابة بالمرض إلى حوالي 75 % وهذه التجربة تم نقلها للدول الأخرى من خلال المؤتمرات الدولية والإقليمية والتي حضرها ممثلو وزارة الصحة لأنها تعد بحق إنجاز كبير ومميز يضاف لجملة الإنجازات الكبيرة لوزارة الصحة. إن جهود وزارة الصحة في مجال الوقاية من مرض فقر الدم المنجلي وعلاجه كبيرة ومشهودة فقد بدأت بتشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الأمراض الوراثية التي تشكلت بأمر وزاري عام 1992، ووضعت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة أمراض الدم الوراثية التي اشتملت على برامج للتثقيف الصحي وتوعية الجمهور العام وعمل الفحوص المختلفة لتشخيص المرض والتسجيل والإرشاد الوراثي، وإنشاء مختبرات الوراثة - حيث تم إنشاء مختبر الجينات في السلمانية عام 2000م - وجاري تطبيق هذه الاستراتيجية منذ العام 1992 وحتى اليوم، ومن هذه اللجنة بدأ برنامج الفحص قبل الزواج الذي أصبح إلزامياً عام 2004م حيث تم إصدار تشريع يلزم المقبلين على الزواج الخضوع لهذا الفحص من أجل إعطاء المواطن الحق في اتخاذ قرار الزواج بناء على معرفة ودراية بالأمراض الوراثية التي يحملها وتبعات ذلك على مستقبله ومستقبل أبنائه.
كما قامت الوزارة بالعديد من المحاضرات والحملات التثقيفية والمهرجانات والمعارض الصحية في المدارس والأندية ومراكز الشباب والجمعيات الأهلية وغيرها لرفع الوعي الصحي حول المرض في فئة الشباب على وجه الخصوص.
ودأبت وزارة الصحة بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم على عمل فحص دوري لطلبة وطالبات الصف الثاني ثانوي في المدارس الحكومية حيث يتم فحص حوالي 6000 طالب وطالبة سنوياً، فقد تم خلال الأعوام الثلاثة عشر الماضية فحص أكثر من 72 ألف طالب وطالبة منذ بدأ برنامج فحص طلبة المدارس عام 1998 و حتى الآن؛ ويستغرق الفحص حوالي 6 شهور وبتكلفة تصل إلى 20 ألف دينار.
وتعمل وزارة الصحة جنباً إلى جنب مع جمعية أمراض الدم الوراثية والجمعية الأهلية لمرضى فقر الدم المنجلي حيث تم تشكيل عدة لجان لدراسة وضع المرضى الداخلين ومتابعة شكاواهم ووضع البروتوكولات العلاجية الخاصة لمرضى السكلر، التي تتماشى مع الخطط والمعايير العلاجية العالمية. وأيضاً عمل برامج توعوية مستمرة تشمل المحاضرات وورش العمل والندوات وطباعة الكتيبات والمطويات وتوزيعها على الجمهور خصوصاً الشباب المقبل على الزواج.