^ تحكم الدول على نفسها بالدخول في القائمة الأمريكية للدول المارقة إذا فكرت في إدارة شؤونها الخاصة بنفسها أو تعارض مصالحها مع مصلحة أمريكا أو ترفض الهيمنة الأمريكية الغربية وتدخلاتها في الشؤون الداخلية. تحرك أمريكا على هذه الدول آلتها الإعلامية الضخمة لتصويرها دولاً متطرفة إرهابية تملك أسلحة خطرة وتخطط لضرب العالم “الحر” والقضاء على الأبرياء. وسواء كان الاستعمار مباشراً أو غير مباشر تظل الاستراتيجية الغربية هي نفسها في تصوير المقاوم للاحتلال والهيمنة الغربية على قراره على أنه مارق وخارج على الحضارة العالمية وقيم الحرية والديمقراطية والإنسانية التي لم ينتهكها أكثر من المحتل الغربي نفسه. تاريخياً قمعت دول الغرب الشعوب المنتفضة ضد الاحتلال في المستعمرات الغربية، ويتم وصف الحركات التحررية بـ«الإرهابية” و«المتطرفة” فحق التحرر من القبضة الغربية التي تقتل وتنكل بالشعوب وتسرق مقدراتها اسمه تطرف. كانت جيوش الاستعمار تقمع الشعوب المستعمرة ويتم ملاحقة “الإرهابيين” وهم النشطاء الوطنيون. عربياً جرى ذلك في تونس وليبيا واليمن وفي فلسطين التي يتباهى الإعلام البريطاني في وثائق مصورة قديمة له بنصرته للصهاينة وملاحقة “الإهاربيين” هناك وتوفير الأمان لليهود في تقارير دعائية لم يتغير أسلوبها الساذج إلى الآن عدا دخول تقنيات التصوير والمؤثرات الحديثة، وكان من يدافع عن أرضه وأسرته إرهابياً وهو ما يجيز سجنه أو قتله. وبعد انتهاء حقبة الاستعمار المباشر إلى الاحتلال الناعم غير المباشر واصل الغرب اللعبة نفسها ولكن هذه المرة مع الدول التي ترفض الهينمة الغربية فتتحول هذه الدول إلى دول مارقة إرهابية تستهدف الشعوب الغربية ما يمنح الغرب الحق في دك هذه الدول وإحراقها ثم إدارتها بالشكل الذي تريد وعبر جماعات موالية لها يتم وصفها بـ«الديمقراطية” كما في العراق على سبيل المثال والذي اعتبر أحد المسؤولين الأمريكان أن موت نصف مليون طفل فيه ثمن مقبول وأمر يستحق. بعد انتهاء الشكل الاستعماري التقليدي ودك الحركات القومية ثم نشاط الحركات الإسلام السياسي عمل الغرب على ترويض هذه القوى الجديدة والتعاطي معها وفرزها وتصنيفها بين معتدل ومتطرف طبقاً لدرجة “التعاون”، فالجماعات الإسلامية المتعاونة الطيّعة المطيعة للقرار الغربي هي جماعات معتدلة يمكن دعمها أما الجماعات الإسلامية الأخرى الرافضة للمشاريع الغربية فهي متطرفة إرهابية. الدعم الأمريكي لجماعات الإخوان المسلمين شاهد والدليل اللهجة الأمريكية تجاه الإخوان المسلمين ودعمهم وتسليمهم ثمرات الربيع العربي ولم يكن ذلك ممكناً لولا الليونة التي أبدتها هذه الجماعات مع السياسات الغربية في المنطقة وهو ما حدا بعض الصحف الأمريكية فجأة من باب الدعاية إلى وصف الإخوان بـ«الديمقراطيين” أو بالمعتدلين وبالتالي تبرير العلاقات الجديدة بين أمريكا وبين هذه الجماعات الإسلامية غير المغضوب عليها. ويظهر قبل ذلك أن الغرب وجد في تيار ولاية الفقيه خارج إيران وفي الخليج العربي بالتحديد جماعة أخرى من الإسلاميين الممكن التعاطي معها واعتبارها “متعاونة” وما شهدناه في البحرين من علاقة بين هذه الجماعة وبين السفارة الأمريكية من جهة والتعاون مع بريطانيا ومنح اللجوء السياسي لبعض المنتمين لهذه الجماعة في بريطانيا دون أن يكونوا محاكمين أو مطلوبين أو مهددين. هؤلاء حسب العرف الأمريكي والغربي جماعات إسلامية متعاونة هي الأخرى وترغب في الوصول إلى السلطة عبر مشروع أمريكي وقد كشف الاحتلال الأمريكي للعراق ذلك والدعم الذي تلقاه المحتل من تيار الفقيه والموالين له مقابل سيطرتهم الحالية على العراق كما انكشفت هذه الجماعات أيضاً بعلاقاتها المسربة عبر وثائق سرية مع الولايات المتحدة في البحرين والسعودية والرابط بينها وبين السفارة الأمريكية والتخطيط المشترك لعمليات التمكين والوصول للسلطة، وتتعدد أشكال “تعاون” هذا التيار مع أمريكا لتصل إلى حد إصدار فتاوى لصالح الجيش الأمريكي وحمايته مثلما حدث في العراق وتسرب عبر وثائق ويكيليكس. هذه الجماعات في نظر أمريكا ليست مارقة ولا متطرفة بل متعاونة، بالعربي: مستعدة للامتثال للقرار الغربي وتحقيق المصالح الغربية في المنطقة مقابل حصول الجماعة على السلطة والكراسي.. يقابل هذه الجماعات فرق أخرى تعتبر غير متعاونة ولا تقبل بالهيمنة الغربية على مصيرها، وهؤلاء في الغالب من المسلمين السنة غير المنتمين للتيارات الإسلامية التي نالت الرضا الأمريكي ولم تتوان عن وضع يدها في يد الأجنبي طامعة في السلطة وسيتم بيعها في أقرب وقت مع تبدل بوصلة المصالح الأمريكية الغربية، ولا شيء يمكنه حماية البلدان من التطرف والإرهاب والعنجهية الأمريكية غير إيجاد صيغ من التحالفات الجديدة فالمتضررين من فرض أمريكا نفسها سيدةً على العالم خلق أشكال غير معلنة من التحالفات بين الدول المتضررة التي تعاديها أمريكا وتعبث بسيادتها. هذه التحالفات هي الضمانة الوحيدة وقوتها تجبر أمريكا على إعادة الحسابات
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}