^ على امتداد العام الماضي وصولاً إلى اليوم، ثلاث مرات طرحت فيها مبادرات بشأن عقد حوار وطني لأجل مصلحة الوطن، وكلها كانت دعوات صادرة من النظام نفسه، وضعوا خطاً تحت الحقيقة هذه. المبادرات صادرة من هذا النظام الذي يتهمونه في الخارج بأنه يسحق شعبه ويقيم المقابر الجماعية للمختلفين معه، والذي لو كان صحيحاً في الاتهامات الموجهة لديه لكان الوضع لدينا مشابهاً لما يحصل في سوريا من حمامات دم يقوم بها النظام هناك. النظام البحريني، رغم أنه استهدف في شرعيته، وتم التطاول على رموزه الحاكمة، إلا أن لجوءه للحلول الأمنية كان حينما وصلت المسألة إلى حد لا يطاق، وحين وصلت المسألة لاستهداف بقية الشعب من مكونات أخرى رفضت مؤامرة الانقلاب، بالتالي أي نظام عاقل لا يمكن أن يقف ويتفرج على مكونات كبيرة من شعبه باتت تتضرر وتهدد في أمنها بسبب فئة كل أمانيها اختطاف الدولة. رغم ذلك لم تكن هناك حمامات دم في البحرين مثلما حصل في سوريا وقبلها ليبيا، بل كانت هناك دعوة أولى للحوار، وكانت مبادرة من ولي عهد البحرين. وعلى الرغم من أنه يمثل النظام، وحينها النظام كان صاحب اليد الطولى والكلمة الأقوى، لكن اقتناع النظام البحريني بأن التواصل مع الشعب لا يكون بالعنف بل بالعقل والإقناع كان سبباً لإعلان مبادرة الحوار الأولى. هناك نذكر من سيتعالى صياحه اليوم بشأن الحوار المفترض عقده، بأن الحوار الأول الذي قاده ولي العهد أفشلته الوفاق وأذيالها، وضعوا أولاً أربعة شروط وثم طوروها إلى اثني عشر شرطاً، وكلها كانت شروط تمثل مطالبات سياسية بحتة لا مطالبات معيشية تهم الناس. وكان التعنت يومها لظن لديهم بأن الدولة “انتهت” وأن السقوط هو النتيجة المنتظرة خلال ساعات. رغم الانتظار لأسابيع علهم يفكرون بشكل صحيح ويغتنموا الفرصة ويحققوا جزءاً كبيراًً من مطالباتهم والتي هي مكاسب أصلاً، إلا أن نزعة اختطاف البلد سادت. قد يستغرب كثيرون حينما يتمعنون في وضعية النظام البحريني، وأعني من ناحية إمكانيته كنظام على فتح الباب للجلوس مع أناس يفترض أن تصنيفهم المنطقي والواقعي منبثق من “الخيانة العظمى” و«الانقلاب على الدولة”، لكن رغم ذلك كانت هناك دعوة أخرى لحوار شامل من ملك البحرين، فقط لإثبات أن البحرين ليست دولة تدار بديكتاتورية، مثلما يحصل في بلدان عديدة يشنق فيها المعارضون على أعمدة الإنارة. الحوار الثاني كان فرصة ثانية، لكن ماذا فعلوا في الفرصة الثانية؟! كان التعنت والتبجح ووصفهم له بمنتدى واستخدام أسلوب كان فيه «استخفاف» ببقية مكونات المجتمع البحريني، متناسين بأنهم أصلاً جزء صغير من هذا النسيج، وأن محاولاتهم المتكررة لإلغاء الآخر هو ما يجعل هذا الآخر أكثر صلابة في موقفه الرافض بالتعامل مع من يصفهم بـ«الخونة” الذين ضربوا وطنهم في ظهره ومازالوا يشوهون صورته لأجل أجندات خارجية. فوتوا الفرصة مرة ثانية، والآن يأتي الحديث عن بوادر حوار جديد، ليكون بمثابة الفرصة الثالثة، والتي تأتي بعد مبادرات عديدة قام بها النظام فيما يحسب له من نقاط تفوق وبيان بأنه الجانب الذي يريد الإصلاح لهذا البلد ويسعى لعودة الأمن والاستقرار له. رغم غضب المخلصين وردة فعلهم تجاه منح هؤلاء فرصة ثالثة، وقولهم بأن الدولة عليها أن تتعامل الآن بصرامة وفق القانون تجاه كل من يمضي للإساءة للبلد وأهله، الدولة مازالت تريد لهؤلاء الانقلابيين أن يعودوا لرشدهم وأن يثبتوا بقاء حس وطني لديهم وانتماء لهذه الأرض من خلال خوض حوار ثالث يكون فرصة أخيرة. لكن يبدو بالفعل أن “فاقد الشيء لا يعطيه”. في الوقت الذي كانوا فيه يحشدون الحشود ويهتفون في الناس ويقولون لهم بأنهم “ضحوا” من أجلهم -رغم أن الناس هم من فقدوا أبناءهم وأقرباء لهم وليسوا هم- كانت عناصر أخرى تذهب لتجلس مع رموز النظام الذي تدعو لإسقاطه من أجل إنهاء ما يحصل على الأرض وبدء الحوار حتى تتحصل المعارضة على مكاسب ولو كانت بنسبة أقل من الطموح السابق، أقلها لحفظ ماء الوجه أمام الجموع التي اقتيدت إلى الهاوية وتم وصفها بسببهم بأنها عناصر كارهة للبحرين وبقية مكونات شعبها. رغم المؤشرات الإيجابية من جانب الدولة، وخروج تسريبات بشأن قرب عقد حوار يجمع الجميع، إلا أنهم كالعادة “أخذتهم العزة بالإثم”، فنسوا تصريحات صادرة من أحد ممثليهم بأنه ستكون هناك تنازلات أولها بدء حوار بدون شروط، ليعودوا لارتكاب نفس الخطأ بفرض الشروط، وأولها تعطيل القانون والإفراج عن عناصر متهمة بالتخطيط للانقلاب على النظام في البلد، إلى غيرها من شروط مسبقة. بحسب آخر التطورات فإن الفرصة الثالثة تكاد تضيع مجدداً أو ضاعت، والسبب ليست الدولة أو النظام أو المكونات الأخرى، بل السبب هم ولا أحد غيرهم. هنا يجب توضيح نقاط مهمة، هي نقاط بديهية لكن التذكير بها مهم جداً، إذ في كل مبادرة حوار ودعوة للجلوس على الطاولات لبحث مستقبل البلد، كانت الدعوة صادرة من النظام، هذا النظام الذي كان بمقدوره -وهي أسهل الطرق- التعامل مع مناهضيه وممارسي العنف مثلما تتعامل واشنطن أو لندن أو أن يصل لمستوى لا سقف له من القمع مثلما تفعل إيران أو سوريا، لكنه لم يفعل ذلك كله. ثانياً، أي حوار قادم لابد وأن يأخذ في الاعتبار جميع مكونات المجتمع البحريني، وهو ما أكده مستشار الملك الإعلامي لصحيفة “الشرق الأوسط”، إذ لا يحق لأي طيف أن يفرض على الدولة أو المكونات الأخرى شروطه حتى في شكل الحوار، بأن يستبعد هذا ويضيف ذاك، إذ في المقابل الأطراف الأخرى لها الحق أيضاً في المطالبة بإبعاده أيضاً عن الحوار باعتباره هو المتسبب في الضرر للبحرين طوال عام ومازال. الأهم بأن من يريد الحوار لا يضع شروطاً مسبقة، هذا إن كان هدفه الحوار، أما إن كان الهدف إعادة تكرار سيناريو الدخول ثم الانسحاب لجذب انتباه الإعلام، فإن الدولة غنية بالتالي عن مثل هذه التصرفات، لأننا بتنا نلعب على المكشوف، هناك من يريد بقاء الدولة وهناك من يجاهد حتى تزول ليسلمها هدية لإيران منتظراً مكافأته بالتالي. الآن نخاطب الدولة ونقول، بأن الفرصة الثالثة أتيحت لهم، وفاجأنا تجمع الوحدة الوطنية بإعلانه عدم المشاركة في الحوار لأن الأرضية غير مهيأة ولأن الإرهاب لم يتوقف، وعليه يبدو أن الانقلابيين ظنوا بأن البقاء وحدهم للساحة والاستفراد بالجلوس مع الدولة هو ما يمنحهم الحق في فرض الإملاءات من جديد. يا دولة، دعوتم للحوار مرة فرفضوها، ومرة أخرى فشارك الجميع وهم انسحبوا، خرجنا بتوصيات قامت الحكومة بتنفيذها، جئتم بلجنة دولية لتقصي الحقائق وخرجت بتقرير حيادي كانت الدولة الطرف الوحيد الذي مضى ليطبق التوصيات فيه وبالأمس استلم جلالة الملك النتيجة، والآن تدعون لحوار ثالث فيعود سيناريو التعنت للظهور من جديد. الدولة فعلت كل شيء، قامت بمبادرات وخطوات جادة، جلالة الملك اتخذ قرارات شجاعة، والحياة عادت لطبيعتها باستثناء الإرهاب اليومي. وكلها خطوات غلبت جانب النظام على من ظلموا مسمى “المعارضة” كمفهوم دولي بتصرفاتهم. بالتالي نرى أن الدولة استنفدت كل شيء، وسيكون من الخطأ جداً الاستمرار في انتظارهم ليركبوا على متن سفينة الوطن مرة أخرى، لأنهم أصلاً لن يركبوها، فسفينتهم مختلفة ووجهتها مغايرة، وهي أصلاً مبحرة في خليج “غير عربي”!