^ لم يعد الفساد ظاهرة محصورة في البلاد العربية بل هو ظاهرة عالمية، ولعل ذلك كان السبب الذي دفع الأمم المتحدة، في العام 1993 إلى إنشاء “المنظمة الدولية للشفافية”، وأتبعت ذلك بإصدار قرار في العام 1997 الذي “اعتبرت فيه أن الفساد خطر يهدد استقرار المجتمعات وأمنها ويقوض القيم الديمقراطية والأخلاقية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للخطر”، والذي طلب حينها من الأمين العام للأمم المتحدة أن يضع “الاستراتيجيات اللازمة للحد من الفساد”. إذ لم يعد الموقف من الفساد مجرد قضية أخلاقية بعد أن تحول الفساد إلى آفة تنهش جسد الاقتصاد الوطني وسوسة تنخر برامج التنمية العالمية، حيث تقدر دراسة صادرة عن البنك الدولي “أنه من بين 30 ألف مليار دولار، وهو حجم الاقتصاد العالمي، ثمة أكثر من ألف مليار دولار تهدر سنوياً في شكل رشى. وإن الدول التي حاربت الفساد قد زاد دخلها الوطني أربعة أضعاف وانخفضت نسبة الوفيات فيها حوالي 75%”. أما بالنسبة للدول النامية فتشير أرقام البنك الدولي “إن الفساد يكلفها ما يتراوح بين 20 و40 مليار دولار سنوياً، في الوقت الذي تعد فيه الأسواق والمراكز المالية الناشئة ملاذات للأصول المسروقة”. وفي اللقاء الذي نظم يوم الأحد الموافق 7 مارس 2008 بالمعهد العالي للقضاء بالرباط تحت شعار (الاقتصاد الخفي والجرائم المالية ودورهما في إعاقة التنمية.. أوجه الوقاية والمكافحة) أشار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط إدريس بلمحجوب إلى “أنه إذا كانت كلفة خسائر الفساد الاقتصادي تصل إلى حوالي 2% من الناتج الداخلي الإجمالي في بعض الدول النامية، حسب تقديرات بعض الخبراء، فإن انعكاسها على الصعيدين الاجتماعي والثقافي أخطر، مضيفاً أن أنشطة غسيل الأموال في العالم تقدر بـ 500 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 5% من إجمالي الناتج العالمي و8% من حجم التجارة الدولية”. هذا ما دفع شخصاً مثل رئيس شعبة إصلاح القطاع العام وممثل منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية كريستيان فرجيز، يذهب إلى القول إن “الفساد هو المسؤول عن الأزمة المالية العالمية وما صاحبه من تبعات كان لها تأثيرات اجتماعية سلبية”، ثم يدعو العالم إلى “وضع استراتيجيات يشارك فيها الجميع لمنع الفساد المتمثل في تضارب المصالح، وما يحدث من تجاوزات في المشتريات الحكومية، مشيراً إلى أن هناك ضغوطاً على الحكومات لتطبيق الحكم الرشيد. وعرفت بعض الأسواق العمودية مثل النفط والطاقة محاولات جادة من أجل استئصال شأفة هذه الآفة، ففي العام 2009 خصص “مؤتمر البترول العالمي العشرين” جلسة خاصة تحت شعار “الشفافية والمبادرات لمكافحة الفساد في صناعة النفط والغاز” لمناقشة تلك الظاهرة وأوجه التصدي لها بعد أن بلغت، كما جاء على لسان رئيس وزراء كندا حينها جو كلارك في الكلمة التي خاطب فيها المشاركون في ذلك المؤتمر، مشيراً إلى أن “الفساد السياسي والدفوعات المالية غير المشروعة قد انتشرت في مختلف دول العالم إلى الجيوب الخاصة وكلفت الحكومات والدول حوالي 1.6 تريليون دولار في السنة. وهي لم تضع في الاعتبار كلفة الخدمات الاجتماعية التي أغفلت، والاستثمارات التي لم تنفذ، وما تمخض عنها من أعمال عنف وقتل”. ثم أردف قائلاً “أنه ووفقاً لتقديرات منظمة الشفافية الدولية فإن الاقتصادات النامية والناهضة وحدها وبسبب الحكومات الفاسدة فقد دخلت إلى جيوب المسؤولين الحكوميين الفاسدين مبالغ تقدر ما بين 20 إلى 40 بليون دولار سنوياً على شكل رشاوى”. على مستوى كل دولة على حدة، هناك الهند؛ التي ما تزال تعلق بذاكرتنا صورة الناشط الهندي آنا هازاري الذي تجاوز عقده السابع، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة “إضرابه عن الطعام حوالي أسبوعين على التوالي احتجاجاً على الفساد المستشري في بلاده”. وأغرب من قصته تلك كان تقديم رئيس هيئة مكافحة الفساد في الهند بي جاي توماس استقالته بعد أن وجهت له شخصياً تهماً بالفساد. وكان توماس قد عين من قبل الحكومة، لكن المحكمة العليا “أسقطت قرار التعيين بسبب ما اتهم به من ضلوع في عمليات فساد عام 1992 عندما كان مسؤولاً حكومياً”. وتشير التقديرات وصول “قيمة الفساد (في الهند) الذي يبدأ بالرشوة وينتهي بمزايا عينية إلى ما يتراوح حسب العام ما بين 10 و40 مليار دولار”. وفي الصين، اعترفت الدولة من خلال دراسة نشرها المصرف المركزي الصيني ونقلتها جريدة الاتحاد” الظبيانية “أن مسؤولين صينيين فاسدين اختلسوا أكثر من 87 مليار يورو خلال أقل من عشرين عاماً، وأن ما بين 16 و18 ألفاً من كوادر الحكومة أو شركات الدولة فروا إلى الخارج أو اختفوا بعدما تلقوا رشاوى”. وأدى الفساد في روسيا لخسائر فادحة قدرتها بعض المصادر بما تتراوح قيمتها بين 240 و300 مليار دولار خلال فترة قصيرة لا تتجاوز سنوات عدة. ولم تسلم دول شرق آسيا الصغيرة لمن هذا الوباء، ففي تايلند ذكرت تقارير إعلامية أن “الفساد في المناقصات الحكومية في تايلاند يكلف خزانة الدولة حوالي 3.3 مليار دولار سنوياً”. وحسبما ينقل عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تايلند “تدفع الشركات الخاصة رشاوى للسياسيين وموظفي الحكومة تصل إلى حوالي 20% من حجم التعاقدات الحكومية سنوياً والتي تتراوح قيمتها الإجمالية بين 162 و192 مليار دولار”. وفي كابول قال مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات “إن الفساد يكلف الأفغان 2.5 مليار دولار سنوياً، وإن الرشوة منتشرة على نطاق يجاري تجارة الأفيون بأفغانستان. وطالب في بيان باتخاذ إجراءات للتصدي لمظاهر الفساد المالي والإداري المستشري بهذا البلد”. بقي أن نعرف، وكما تقول أبحاث معهد البنك الدول فإن “البلدان التي تكافح الفساد وتُحسّن سيادة القانون فيها يمكنها أن تزيد دخولها الوطنية بما قد يبلغ أربعة أضعاف على المدى الطويل ويمكنها أن تخفض وفيات اَلرُّضَّع فيها بنحو 75%”.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}