العدلية – جمعية المنتدى:
قال الكاتب الصحافي والإعلامي السعودي تركي الدخيل في ندوة بجمعية المنتدى إن “الإعلام ليس مسؤولاً عما يـُطرح. إنه يعكس فقط. الناس هم المسؤولون. المجتمع بثقافته وطبيعة مجتمعه هو المسؤول. الإعلام ليس مسؤولاً لكن الإعلامي هو الذي يضع المنتج في مكينة الإعلام ليعرضها”.
وأضاف الدخيل في ندوة “البرامج الحوارية المتلفزة كمدخل لمحاربة التطرف في المجتمعات الخليجية”، نظمتها جمعية المنتدى بالتعاون مع نادي الخريجين بمقر الأخير مؤخراً: “الإعلام ليس مسؤولاً عن التطرف، ولا عن المخدرات، ولا عن الإجرام، ولا عن الإرهاب. من هنا أفرق بين الإعلام والإعلامي”.
وأشار الى أن “الإعلام ليس مسؤولاً عن أي شيء، لأنه فضاء وأداة، وهناك فرق بين الإعلام كأداة، وبين الإعلاميين كمستخدمين لهذه الأداة”، مضيفا أنه يفضل إستبدال كلمة “مسؤولية الإعلام” في النقاشات والخطابات لتكون “مسؤولية الإعلاميين”، ومستطرداً بالقول إن “الإعلام لا يفكّر، وإنما يعكس المدخلات السياسية والاجتماعية والثقافية”.
وفي رأي الدخيل أن “الإعلام في الدانمارك كما الإعلام في الرياض والمنامة والرباط ونواكشوط، كلها وسائل. لكن الفرق بين الإعلام الحي والمضيء وبين الإعلام المسيء والمظلم هو الفرق بين ثقافتين وبين مجتمعين، وبين أدبياتٍ متعددة تخضع لمستوى تطور الإعلامي نفسه أو مالك القناة أو المسوّق لها والمحرض على متابعتها. فقد تنقلب قناة غناء إلى قناة دين، والعكس. الإعلام ليس مسؤولاً عما يـُطرح. إنه يعكس فقط. الناس هم المسؤولون. المجتمع بثقافته وطبيعة مجتمعه هو المسؤول. الإعلام ليس مسؤولاً. لكن الإعلامي هو الذي يضع المنتج في مكينة الإعلام ليعرضها. الإعلام ليس مسؤولاً عن التطرف، ولا عن المخدرات، ولا عن الإجرام، ولا عن الإرهاب. من هنا أفرق بين الإعلام والإعلامي”.
المشكلة اللغوية
ثم تحول المحاضر إلى مسألة أخرى هي المشكلة اللغوية في الإعلام شارحاً أنه “منذ أن بدأت القنوات العربية الإخبارية بالبث والإشكالية اللغوية حاضرة. كانت القنوات الحكومية اعتادت على وصف أشقائنا الفلسطينيين الذين يسقطون بيد الإسرائيليين بأنهم “شهداء”. ثم حين جاءت العمليات الانتحارية وُصفت في بعض وسائل الإعلام بـ«الاستشهادية”. وحينما قرر بعض القنوات التزام الحياد اللغوي وتسمية أي ضحية بأنه “قتيل” أو أي منتحر على أنه “انتحاري” غضب الكثيرون، لأنهم لم يعتادوا على حل الإشكاليات اللغوية في الإعلام. مع أن القرآن وصف ضحايا الغزوات من الصحابة بأنهم “قتلى” ومنه قوله تعالى:«يقاتلون في سبيل الله فيــَقتلون ويــُقتلون”. هذه إحدى المشكلات اللغوية التي تطورت مع أحداث الإرهاب بعد 2001. فمثلاً بعض القنوات راحت تطلق على ابن لادن صفة “الشيخ”.
التمييز حصل حين وحدت اللغة تجاه الضحايا أو المجرمين، فصارت الأوصاف إنشائية بحتة ومطردة”.
الأشرطة التسجيلية
وفي موضوع آخر ذي صلة تطرق المحاضر إلى مسألة الأشرطة التسجيلية المهربة كتلك التي كان تنظيم القاعدة يدسها في مكان أو يرسلها لأحد كي تــُبث من خلالها خطب ابن لادن والظواهري وسليمان أبوغيث وغيرهم قائلاً “إن هذا الموضوع تسبب في إشكالية استغلال القاعدة للإعلام الفضائي، وفي الوقت نفسه حاجة الإعلام إلى أخبار القاعدة. وهكذا كان السؤال المثار هو: هل أحتاج للخبر لأبثه من شريطهم فأسوق لهم وأنشر فكرهم من حيث لا أشعر؟ وإذا لم أفعل فهل ستلتزم القنوات المنافسة بالشيء نفسه أم تسبقني للبث؟ ولماذا لا أعتبر القاعدة بهذا الشريط صوتاً يجب أن يـُسمع وأن ينتقده المتخصص الذي سيعلق عليه؟ فعلاً لقد كانت إشكالية الأشرطة المهربة من أبرز المعضلات التي واجهت الإعلام في تغطيته للإرهاب”.
الإرهاب والإعلام
وفي حديثه حول تغطية الإعلام المرئي لصور الدماء والأشلاء الناجمة عن الأعمال الإرهابية قال الدخيل “يقلق أي إعلامي من مستوى أو درجة العرض الذي يغطى فيها أي حادث دموي. فالتفجيرات المخيفة التي حدثت في الرياض أو الدار البيضاء أو الأردن أو مصر تضم كثيراً من الصور التي تثير القشعريرة لهول مضامينها، ومن هنا فهو يواجه إشكالية عرض الصور الدموية من عدمها، خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار احتمالات مشاهدتها من قبل الأطفال الذين لا يطيقون المشاهد المزعجة”.
وفي حديثه عن رسالية الإعلام، قال الدخيل “بعد أحداث الإرهاب برزت حالة من “الرسالية” في بعض وسائل الإعلام. وهي رسالية طارئة، ذلك أن الإعلام انعكاس موضوعي، وليس أكاديمية”. وأضاف: “القناة التلفزيونية ليست كلية للتعليم. هي جهاز متعة وترفيه. حتى الأخبار يجب أن تــُطعّم بالمنوعات والأخبار الفنية، لأن الترفيه هو من صميم وظيفة الإعلام. مشكلة دخول الرسالية أنها ضيّعت موضوعية الإعلام، فحينما برز الإرهاب كان لابد من مواجهته، فحضرت الرسالية مؤقتاً، وكانت رسالية إنسانية مهمة. غير أنني ضد رسالية الإعلام وأعتبره جهازاً موضوعياً ولا أقول محايداً”.
وفي جزئية أخرى من محاضرته وجه المحاضر بوصلته نحو موضوع “صناعة الإعلام والإرهاب” فشرح أن الإرهاب ساهم في تحفيز الإعلام على تخصيص برامج عنه وعن خلاياه وتنظيماته ورموزه وطرق تجنيد أتباعه وتدريبهم، ضارباً المثل ببرنامج “صناعة الموت” من قناة العربية الذي بحسب المحاضر “كان له صدى كبيراً وتأثيراً هائلاً”.
الحذر والخوف
وتساءل الدخيل “هل يموت الإرهاب إعلامياً؟”، وكانت إجابته بالنفي، موضحاً أن”الإرهاب سيبقى موضوعاً إعلامياً خلال السنوات المقبلة، لأنه مرض عضال وخطير، وهو يجدد انتشاره باستمرار من دون تعبٍ أو ملل. واستطرد قائلاً: “منذ عقد ونصف تقريباً والإرهاب الأصولي الإسلامي حاضر إعلامياً. وبعد ثورات الربيع قال الناس إن هذا هو زمن نهاية الإرهاب. غير أننا شاهدنا القاعدة ونشاطها في اليمن وفي مالي والصومال وليبيا. وبعض الإعلاميين المتخصصين بالإرهاب ظنوا أن مهمتهم انتهت بعد تلك الثورات غير أن العكس هو الذي حصل. إذ انتشرت عمليات القاعدة من جديد بسبب الفراغ الأمني كما في سيناء واليمن مثلاً.