كتب - محمد الخالدي:
أوصت دراسة إعلامية جديدة بضرورة تعامل الإذاعيين مع ثورة الاتصالات الحديثة باعتبارها عنصراً إيجابياً يسهل عليهم الوصول إلى المستمعين بدلاً من النظرة الخاطئة التي تردد أن “الجمهور انصرف عن متابعة البرامج الإذاعية”.
وانطلقت الدراسة التي أعدها الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب في جامعة البحرين د.عوض هاشم من دراسة أجراها عام 2008 على مجموعة من الطلاب الجامعيين أكد فيها أن 70 في المائة منهم يستمعون إلى الإذاعات الخليجية، أما عن أنماط الاستماع فقد لوحظ أن نسبة كبيرة بلغت 50 في المائة تستمع حالياً إلى الراديو عبر الإنترنت أو القنوات الإذاعية المحملة على أجهزة الاستقبال الفضائي أو السيارات، وأن نسبة 20 في المائة من الإناث تستمع إلى الراديو في المنزل أثناء أداء الأعمال المنزلية ونسبة 95 في المائة من عينة الشباب والمراهقين يتابعون الراديو مرّة واحدة يومياً على الأقل، بينما كانت نسبة من يستمع إلى الراديو بالطريقة التقليدية حوالي 5 في المائة فقط.
وتابع هاشم في دراسته التي حملت عنوان “أساليب الارتقاء بالبرامج الإذاعية في ظل المتغيرات التكنولوجية الكونية.. الإذاعات الخليجية مثالاً” أن الطفرة التكنولوجية في مجال البث الإذاعي تركت آثاراً حادة على الطريقة التي يتابع بها الجمهور برامج الإذاعة ومن ثم وجب على الإذاعيين أن يتعاملوا مع هذا الواقع باستثمار هذه الحقيقة واعتبار ذلك تحوّلاً إيجابياً للارتقاء بالبرامج الإذاعية.
وقال الباحث إن “ما ينبغي ذكره في هذا السياق أن التداخل بين وسائل الإعلام والمعلوماتية والاتصالات البعيدة حوّل النظام الإعلامي والإقليمي واقعاً، وصارت السياسة الإعلامية لبلد ما تعني جميع البلدان لأن الوصول إلى العولمة وتحقيق الشمولية اقتضى تفكيك البنى القديمة وإعادة تركيب بنى جديدة تتناسب مع المرحلة الراهنة، فالشمولية بمفهومها الجديد وكما توقعها “تولفر” لا تعني التجانس ولا تعني حرفياً قرية “ماك لوهان” الكونية، إنما تعني تكاثراً وتنوعاً من القرى التي سوف تسعى إلى الحفاظ على هويتها الثقافية والعرقية”.
وأضاف “باختصار تغيّرت الآلية التي كانت تحكم اقتصاديات إعلام المرحلة الثانية، فبعد أن كانت وسائل الإعلام مرتبطة إما بالسلطات السياسية وإما بالمعلنين تم الانتقال مع إعلام الموجة الثالثة إلى تجارة المفرق أو الأحرى تجارة القطاعي مباشرة، وحصل ذلك حين بدأ الكابل بتجزئة الجمهور وتبعه الفيديو ثم الأقمار الفضائية وانعكس ذلك على المحتوى فزالت الحدود القديمة التي كانت قائمة بين صناعة المشهد والسياسة وبين الفراغ والعمل (...) وأصبحت التقنيات تحدث فراغاً أخلاقياً، ومن أجل ذلك فاقت الإثارة المبتذلة الإعلام الجدي والجزئي ونتج عن ذلك فقدان الحس العاطفي وتحول الإعلام إلى فيديو كليب عالمي”. وإلى جانب ذلك، تطرق هاشم إلى إشكالية البرامج الإذاعية في ظل الطفرة التكنولوجية من حيث المضمون والشكل، ومن خلال انتباه الإذاعيين إلى هذا السياق الاجتماعي الذي تنتج فيه برامجهم أو السياق الذي استمدوا معايير برمجتهم منه، إذ ليس هناك اتصال دون تاريخ، ففي آخر كل شبكة اتصالية هناك أفراد ومجتمعات وثقافات سريعاً ما تصدر عنهم أشكال عديدة من النظرة إلى الذات وإلى الآخر، فخوض الإذاعيين في الرهانات الاقتصادية والسياسية والثقافية للأنظمة الإعلامية يعني التقليل من مخاطر الانفجار اللاحق وتلافي المزيد من الانكفاء والتعصب ونبذ الآخرين. وأضاف “أن المهم في الاتصال ليس الجانب التقني والاقتصادي، إنما الأنماط الثقافية التي تحمله وأن المطلوب من العاملين في هذه البرامج التخلص من أسر النموذج الغربي الأوحد والانحياز للمقارنة المعيارية وليس الوظيفية للاتصال، بمعنى الانحياز للبعد الثقافي ويعني أيضاً افتراض نسبة النموذج الثقافي الغربي في الاتصال والالتفات إلى النماذج الآخرى وهي وسيلة لإعطاء أهمية أكبر للتعايش بين الثقافات”.
ومن هذا المنطلق أكد الباحث أن هناك أخطاراً تمخضت عن هذه التجربة وسلبيات ينبغي الإشارة إليها من أجل الوصول إلى بث مباشر مبدع وهي: ضعف الإعداد، ضعف الإخراج، ضعف التنّوع في الشكل والمضمون، ضعف الإمكانيات.
كم تحدث عن ضرورة التدريب الإذاعي كحجر زاوية في نظرية الارتقاء بالبرامج الإذاعية حيث إن هذه النقلة لن تتحقق في نهضة الإذاعات الخليجية من خلال تقليد برامج التلفزيون، ولن تأتي هذه النقلة من خلال بيع الجمهور للشركات والمعلنين من أجل رشوة المستمعين كي يستمعوا إلى برامج استهلاكية ضررها أكبر من نفعها، وإنما تتحقق جراء الإيمان بالإذاعة كوسيلة إعلامية يقتدي بها كما كان في السابق برغم طغيان المشاهدة التلفزيونية.
وفي نهاية الدراسة خلص هاشم إلى ضرورة أن يستعيد الإعلاميون نجومهم الذين هاجروا إلى كواكب أخرى من خلال التدريب والتأهيل والمطالبة بتعديل الأجور واستثمار خصائص الإذاعة كوسيط ساخن للدخول إلى قلوب وعقول المستمعين من خلال البرامج التفاعلية بالإضافة إلى معايشة الآمال والطموحات التي يعيشها الجمهور من خلال سلسلة من البرامج الإذاعية، وأن يتم تبني استراتيجية شاملة للتدريب الإذاعي الخليجي تتضمن خططاً طويلة وقصيرة المدى لمواكبة التطورات التكنولوجية المتطورة.