حاوره - أحمد عبدالله:
قال رئيس مجلس أمناء المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني سهيل القصيبي، إن المعتدلين دعموا مبادرات المؤسسة لحل الأزمة البحرينية، فيما اتهمها المتشددون بالميل نحو الحكومة وآخرون بالميل تجاه المعارضة.
ونفى القصيبي وجود تطابق بين الأزمتين البحرينية والأيرلندية «فلكل بلدٍ ظروفه»، رغم التشابه القائم بين الحالتين بحسب رأيه، لافتاً إلى أن «جمع مبادرات المصالحة في سلةٍ واحدة غير مجدٍ وفعلها التراكمي أفضل».
وأضاف أن الجيل الحالي في البحرين لا يعاني خطر الأزمة والانشقاق الطائفي «بل الخطر على أجيال مستقبلية تتربى على الحقد والكراهية وبغض الآخر والنفور منه».
ولفت القصيبي إلى أن المؤسسة لا تُعلن عن جميع فعالياتها تجنباً لإحراج البعض، وقال «هناك من يرغب بلقاء الآخر والتحاور معه، بعيداً عن الأضواء والضجة الإعلامية».
فعاليات للتقارب القيمي
^ما الأنشطة التي تنوي المؤسسة تنظيمها خلال المرحلة المقبلة؟.
تعتزم المؤسسة تنظيم مؤتمرات وفعاليات اجتماعية عامة، من أجل تسهيل عملية التبادل الفكري والقيمي بين مكونات وطوائف الشعب المختلفة، وتشجيع البحوث والدراسات المتخصصة في المصالحة والإصلاح والحوار المدني، ودعوة الخبراء في حل المنازعات الاجتماعية لتنظيم ورش عمل وبرامج للشباب البحريني.
وللعلم لا ننوي الإعلان عن جميع فعالياتنا، والسبب أننا لا نريد إحراج بعض الحاضرين، فكثيرون مستعدون للحوار مع من يختلفون معهم، ولكن لا يريدون أن يراهم الآخرون جالسين مع خصومهم الأيديولوجيين، وعلى سبيل المثال ننظم حفل عشاء شهري دون أن نعلن عنه في الصحف. اللقاءات الشهرية ليست سياسية وأكثر من يحضرها أناس عاديون وشخصيات من المجتمع المدني.
التواصل مع الجمهور المستهدف
^ ما طبيعة الوسائل التي تسعى الجمعية لاستغلالها في مخاطبة الجمهور المستهدف؟.
الإعلام التقليدي والإعلام الجديد بكل أشكاله، والأهم الحوار المباشر، وللأسف تم استقطاب شريحة كبيرة من المجتمع، وفقد كثيرون القدرة على الاستماع إلى رأي يعارض رأيهم، ونحاول تشجيع التواصل المباشر بين المواطنين.
^ ما تفسير عدم وجود حضور كبير ومواكبة للإعلام لأنشطة الجمعية؟.
اختلف معك في هذه النقطة، وكانت التغطية الإعلامية ممتازة لحد الآن، وتغطية الإشهار عن المؤسسة في كل الصحف المحلية ومن ضمنها «الوطن»، إضافة إلى صحف إقليمية ودولية، وعدد كبير من المواقع الإلكترونية.
كانت التغطية الإعلامية لمحاضرة أيرلندا الشمالية ممتازة، وتغطية الإعلان عن مجلس أمناء المؤسسة، والسبب الرئيس لاهتمام الصحافة بأنشطة المؤسسة هو أننا نحظى بمباركة سمو ولي العهد.
وصراحة أعضاء مجلس أمناء المؤسسة عاجزون عن شكر سمو ولي العهد على مباركته الكريمة والثقة التي أبداها لنا، وفيما يخص الفعاليتين اللتين نظمتهما المؤسسة -المحاضرة والغبقة الرمضانية- كان الحضور ممتازاً، ووجدنا أن هناك حماساً كبيراً تجاه مؤسستنا.
مخاطر التربية الحاقدة
^ بعد 3 أشهر على إشهار الجمعية وولوج ساحة العمل، كيف تقيمون وضع البحرين؟ وما مدى الشرخ الاجتماعي القائم؟ وكيف يمكن معالجته؟.
بالنسبة للشرخ الاجتماعي فالجواب على من تسأل، يقول البعض إنه ليس هناك شرخ اجتماعي، ويقول آخرون إننا نمر بأسوأ أزمة اجتماعية في تاريخ البحرين.
لا أدعي أني أعرف الحقيقة، ولكن في رأيي المتواضع توجد لدينا أزمة اجتماعية خطيرة، والخوف ليس من جيلنا الحالي، وأثق تماماً بأنه يستطيع التغلب على الأزمة الحالية، ولكن الخوف من الجيل المقبل الذي يُربى على الكراهية ورفض من يختلف معه مذهبياً أو سياسياً أو أيديولوجياً، وعندما يكبر هذا الجيل سيكون هناك شرخ اجتماعي أعمق وأخطر بكثير من الشرخ الحالي ويحتاج إلى عشرات السنين لحله.
وصفات حل الأزمة
^ استعنتم بخبراء دوليين مثل بيتر شرايدن من أيرلندا الشمالية، كيف رأيتم التجاوب مع تجارب هؤلاء؟ وهل الحالة البحرينية مشابهة للحالة الأيرلندية؟ أم أن بين الحالتين فروقاً كبيرة؟ ما مدى الاستجابة لاستنساخ تجارب خارجية في الحالة البحرينية؟.
كانت محاضرة بيتر شرايدن ناجحة جداً، تحدث عن تجربة أيرلندا الشمالية في المصالحة، وكان تجاوب وتقبل الجمهور ممتازاً، والأسئلة كانت كثيرة.
ما يخص التشابه بين أزمة البحرين وأزمة أيرلندا الشمالية في رأيي توجد بعض أوجه الشبه ولكن لا يوجد تطابق، فلكل بلد وضعه وظروفه الخاصة.
التعايش والتآخي في البحرين أفضل بكثير مما هو الوضع في أيرلندا الشمالية، هناك مدارسهم مفصولة بين الطائفتين الكاثوليكية والبروتستانتية، وكذلك مراكزهم الرياضية وغيرها من المنشآت، هذا لا يوجد في البحرين.
لكن أخشى أن يصبح الوضع مثل أيرلندا الشمالية مع الأجيال المقبلة، بعد أن تتعود على رفض وكره الآخر، باختصار الخطر أن نصبح مثل أيرلندا الشمالية بعد 30 أو 40 سنة.
سلة مبادرات المصالحة
^ هناك عدد من المبادرات في مجال المصالحة الوطنية منها الشعبي والرسمي، كيف يمكنكم الاستفادة منها؟ وما الفارق بين ما تقدمونه وما يطرح من قبلهم؟ هل يمكن جمع هذه المبادرات تحت مظلة واحدة ليكون تأثيرها أجدى؟.
نحن لا نعتبر أنفسنا أفضل من غيرنا، وكلما زادت المبادرات لرأب الصدع ولم الشمل كلما استفاد الوطن أكثر، لا أعتقد أنه من المجدي جمع المبادرات تحت مظلة واحدة، فذلك يخلق مشاكل في التنسيق والترتيب، ويؤدي إلى تعارض في الآراء حول اتجاه المظلة، لندع كل جمعية ومبادرة تعمل لوحدها ليكون لها أثر تراكمي يفيد الوطن.
الاستعانة بخبرات لا شركات
^ البعض يقول إن الوضع في البحرين يختلف عن أوضاع شهدتها دول مرت بأزمات عنصرية أو خلافات إثنية، كيف يمكن الاستعانة بشركة أيرلندية رغم اختلاف الثقافات والعادات بين المجتمعين؟ وما سبيل التمازج بين تجربة أيرلندا والحالة البحرينية؟.
لم نستعن بأي شركات أيرلندية، بل دعونا خبيراً في أزمة أيرلندا الشمالية لإلقاء محاضرة عن تجربتهم في المصالحة وحل أزمة بلدهم بعد أن دامت أكثر من 30 عاماً.
وللعلم بيتر شرايدن هو مدير جمعية Cooperation Ireland المعنية بلم الشمال وتعزيز التعايش في مجتمعهم، ولكن الوضع في البحرين مختلف وتوجد دروس قيمة يجدر بنا تعلمها كي نتجنب تحول الوضع عندنا مثل ما كان عليه في أيرلندا الشمالية.
^ لماذا عينتم رئيساً تنفيذياً أيرلندياً ولم تعينوا بحرينياً رغم أنه الأكثر دراية بالشأن الوطني وتعقيداته؟.
لم نعين مديراً تنفيذياً للمؤسسة لا أيرلندياً ولا بحرينياً، وتتكون المؤسسة حالياً من 5 أعضاء مجلس أمناء متطوعين وسكرتير وهو شاب بحريني، فيما يخص الأعضاء تحرص المؤسسة على أن تمثل جميع طوائف وشرائح المجتمع البحريني.
الحل بأيدٍ بحرينية
^ هل تنوون الاستعانة بخبراء من دول أخرى شهدت حالات نزاع أو تفكك اجتماعي مشابهة؟.
نعم، قد يكون للبحرين وضعها الخاص حالها حال باقي البلدان، ولكن لا ضير من الاستفادة من خبراء من الدول الأخرى، وللتوضيح لا ننوي الاستعانة بأحد لحل أزمتنا بل نريدهم أن يشاركونا تجاربهم فقط.
^ ما مستوى تجاوب المجتمع المستهدف من قبل الجمعية مع أنشطتها؟.
كان رد فعل المعتدلين أو الوسطيين ممتازاً إثر الإعلان عن مؤسستنا، وعرض علينا كثيرون المساعدة، ولكن المتشددين هاجمونا بشدة واتهمنا البعض بالميل نحو الحكومة، فيما اتهمنا آخرون بالميل نحو المعارضة.
المشوار طويل ولكننا متفائلون، وإذا استطعنا التأثير على شخص واحد، نعتبر أنفسنا نجحنا، ونحن نتوكل على الله أولاً وأخيراً.
^ ما هي الشخصيات «رجال الدين، رجال أعمال» التي تنوي الجمعية الاستعانة بها للتغلغل إلى عمق الطائفتين الكريمتين والوصول لحل لمشكلة الانشقاق الطائفي في المجتمع؟.
لم نقرر بعد الاستعانة بشخصيات معينة وقلوبنا مفتوحة للجميع ونرحب بجميع الآراء.
^ هل يمكن للمحاضرات والندوات والحوارات أن يكون لها دور كبير في ظل أزمة لها أقطاب «سياسيون ودينيون ومجتمعيون» هم من يتحكم بالشارع ويمسك بزمام المبادرة؟.
يمكن للجمعيات والمؤسسات المدنية أن تلعب دوراً مهماً وإن كان بسيطاً، ولكن الحل السياسي عند السياسيين، وأود التأكيد أن مؤسستنا غير سياسية ولن نخوض في السياسة.
الأزمة سياسية أم طائفية؟
^ يرى البعض أن الأزمة في البحرين سياسية بحتة، وأنها يجب أن تعالج من الجانب السياسي قبل الحديث عن مصالحة بين أبناء الشعب، وأن القضية الاجتماعية جاءت تبعاً للأزمة السياسية ما رأيكم؟.
نحن نحترم جميع الآراء، وتعقيباً لسؤالك لاحظنا تبايناً في الآراء حول هذا الموضوع، ففي غبقتنا الرمضانية مثلاً أصر البعض أن أزمتنا سياسية بحتة، فيما رأى آخرون أن الأزمة طائفية بحتة.
نحن لا نصر على رأي ولا نحكم على أحد، وشغلنا الشاغل هو لم الشمل وخدمة المجتمع.
^ ما مدى تأثير اعتذار القوى السياسية المخطئة بحق الوطن في تهيئة أجواء المصالحة الوطنية؟.
هذا السؤال يخص الساسة ونحن غير معنيين بالسياسة، وليس لنا الحق أن نطلب الاعتذار من أحد، ويقتصر عملنا على المصالحة الاجتماعية ورأب الصدع.
^ يوجد في البحرين عدد كبير من الجمعيات الاجتماعية والسياسية، ما الإضافة التي قدمتها مؤسستكم لموضوع المصالحة؟.
ذكرت آنفاً إن كثرة المبادرات سيكون لها أثر تراكمي إيجابي على الوضع في البحرين، ولا نزعم أننا أفضل من غيرنا، وهدفنا هو إعادة اللحمة الوطنية قدر المستطاع.
نحن نؤمن أن الوطن للجميع بغض النظر عن المذهب أو الدين أو الأصل، ونقتدي بالحديث الشريف «لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى»، وسياستنا قائمة على عدم الحكم على أحد وعدم تبني أي قضية قد تؤدي إلى تسييس المؤسسة.