أمام الصعوبات التي تواجهها في الأسواق المالية وما تثيره منطقة كاتالونيا التي تطالب بحق تقرير المصير، إضافة إلى الغضب الشعبي المتنامي، تحافظ الحكومة الإسبانية على خطتها للتقشف لكنها تستسلم على ما يبدو لما لا يمكن تفاديه وهو خطة إنقاذ شاملة لاقتصادها.
والمرحلة المقبلة من علاج التقشف الرامي إلى إعادة ترتيب حسابات الدولة، تكمن في أن حكومة اليمين برئاسة ماريانو راخوي ستكشف الخميس عن مشروع موازنتها للعام 2013 مصحوباً بخطة إصلاحات جديدة في سلة ينظر إليها على أنها تمهيد لخطة إنقاذ مالي شاملة.
وفي حين يواجه الاقتصاد الإسباني صعوبات في النهوض منذ اندلاع أزمة القروض العقارية في 2008، جاء النبأ السيئ الأخير الأربعاء مع إعلان البنك المركزي الإسباني أن البلد لا يزال في حالة انكماش في الفصل الثالث من العام، ذلك أن الحكومة تتوقع تراجع إجمالي الناتج الداخلي بواقع 1.5% في 2012، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
وفي الوقت نفسه، يعاني رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من عودة التوتر إلى الأسواق لأن المستثمرين فقدوا على ما يبدو الصبر حيال تحفظاته بشأن طلب خطة إنقاذ مالي، وهكذا عادت معدلات إقراض إسبانيا لمدة 10 أعوام إلى الارتفاع الأربعاء إلى ما فوق عتبة 6%، وخسرت بورصة مدريد نتيجة لذلك أكثر من 3% الأربعاء.
وخطا ماريانو راخوي، الذي لا يزال يرفض الحديث عن "إنقاذ"، خطوة جديدة في مقابلة مع وول ستريت جورنال عندما قال إنه إذا بقيت معدلات إقراض إسبانيا عند مستوى "مرتفع جداً لفترة طويلة" تعرض اقتصاد البلد للخطر وتزيد من عبء ديونه، فإنه "يمكنني أن أؤكد لكم أننا سنطلب هذا الإنقاذ".
مواجهة التظاهرات
لكن الشروط الصارمة التي فرضتها بروكسل وإضافة توفير 150 مليار يورو بين 2012 و2013، لخفض العجز العام إلى أقل من 3% من إجمالي الناتج الداخلي، في حين يغرق البلد في بطالة يصل معدلها إلى 24.63%، تزيد كلها من حالة الاستياء الاجتماعي.
ومساء الثلاثاء، اندلعت مواجهات تخللها عنف نادر في إسبانيا على هامش تظاهرة ضمت آلاف "الغاضبين" في محيط مبنى البرلمان وسط هتافات تدعو الحكومة إلى "الاستقالة".
وبعد أشهر من التظاهرات الهادئة في غالب الأحيان، والتي كانت تجري تلبية لدعوة النقابات، فإن مشاهد الشغب التي تضع مجموعات من الشبان المقنعين في مواجهة رجال الشرطة، تترجم ولو أنها هامشية، حالة من السخط الشديد المتنامي في البلاد.
ولاحظ المحلل السياسي خوسيب رامونيدا أنه "من الواضح أن الاقتطاعات المالية تولد استياء كبيراً، ومن المثير للدهشة أنه لا يحصل الكثير من الأمور في الشارع بالنظر إلى خطورة الوضع".
وأضاف أن "الناس تعيش من دون أفق، فلا شيء أسوأ بالنسبة إلى التماسك الاجتماعي من أنه لم يعد هناك أي نوع من الأمل في أي اتجاه".
نزعة انفصالية
وقبل ساعات من ذلك، فجر رئيس منطقة كاتالونيا ارثور ماس القومي المعتدل، قنبلة سياسية بإعلانه تنظيم انتخابات مبكرة في منطقته في 25 نوفمبر.
وذهب الأربعاء إلى أبعد من ذلك بكثير عندما أكد أنه لن يتردد في تحدي المعارضة عبر تنظيم استفتاء حول تقرير المصير في كاتالونيا.
وقد أثارت الأزمة الاقتصادية نزعة انفصالية قوية في هذه المنطقة الغنية تقليدياً والتي تتمتع بثقل كبير في إسبانيا مع 7.5 مليون نسمة وتمتاز بهوية ثقافية قوية.
وبما أنها اليوم المنطقة الأكثر مديونية في البلاد مع حوالي 44 مليار يورو، أي 22% من إجمالي ناتجها الداخلي، فإن كاتالونيا تتهم الحكومة المركزية بأنها مسؤولة عن صعوباتها وطلبت في أغسطس من مدريد مساعدة مالية بقيمة خمسة مليارات يورو.
وهي ليست المنطقة الوحيدة من أصل مناطق الحكم الذاتي الـ17 التي طلبت المساعدة، فبعد فالنسيا ومورسي، ها هي الأندلس تعلن الثلاثاء أنها تستعد لطلب مساعدة بقيمة 4.9 مليار يورو.