كتب ـ محرّر الشؤون السياسية:
يحار المتابع لوضع الجمعيات المعارضة المتطرفة في البحرين حين يرى الشيوعيَ ينصاع لأوامر رجال الدين المعمّمين، ويلاحظ القومي العروبي يخرس أمام فتك آلة البطش الحربية بأكثر من 30 ألفاً من الشعب العربي السوري، ويمتنع في المقابل عن رفض التدخل الإيراني في بلده العربي مملكة البحرين.
والأغرب أن يعارض اليساري الماركسي بكل بسالة قانوناً ينظم الحالة المدنية لشريحة هامة من المجتمع البحريني ويرفع الظلم والاضطهاد عن المرأة. وأن تتحدد مواقف الجميع من العنف ويرفض الجميع تجريمه والتبرؤ منه.
الحيرة والاستغراب اللذان يصاب بهما المراقب حين يحاول كشف الجامع بين جمعيات متناقضة الأيديولوجيا تماماً، وتبعية جمعيات، بعضها يرفع شعار اليسار والبعض الآخر يعلن انتماءه القومي العروبي، لجمعية الوفاق التابعة لولاية الفقيه، جعلت من المشروع التطرق لنقاط الالتقاء بين هذه الجمعيات المتناقضة في الظاهر.
ويعتبر رئيس المكتب السياسي لجمعية ميثاق العمل الوطني أحمد جمعة أن المزاج السياسي الموجود لدى الجمعيات السياسية المعارضة، والتي هي «الوفاق» والتجمع القومي الديمقراطي، والعمل الوطني «وعد»، والتجمع الوطني الديمقراطي «الوحدوي»، وجمعية الإخاء الوطني، إضافة إلى جمعية المنبر التقدمي، غريب تماماً ولا يقوم على المصالح السياسية العريضة وإنما على المصالح السياسية الضيقة.
مبادئ التنظيمات السياسية الليبرالية واليسارية الموجود على اختلاف توجهاتها لا توجد لدى هذه الجمعيات، وقوالب المعارضة لدينا غريبة جداً.
وقال جمعة «إنه لا يمكن أن نتفهم وجود جمعية سياسية تدعي أنها يسارية ومع ذلك تؤمن بولاية (..) هذا من متناقضات المعارضة البحرينية التي لا يمكن أن توجد في مكان آخر من العالم. كما هو الحال بالنسبة للجمعيات الدينية القائمة على الطائفية البحتة كجمعية الوفاق حين تتحالف مع جمعية شيوعية كجمعية وعد».
وأضاف «أن المعارضة البحرينية هي وحدها القادرة على تشكيل توليفة غريبة تمثل مزيجاً يتداخل في الديني المنتمي إلى ولاية الفقيه مع اليساري والقومي». موضحاً أن هذا المستوى من التشابك المبني على المصالح الشخصية وعدم الاهتمام بمصالح الوطن والشعب، لا مكان له في التجارب الديمقراطية الناجحة كتجربة البحرين».
وتساءل: كيف لا يخجل هؤلاء أمام الرأي العام الداخلي والخارجي حين تذوب مبادئهم اليسارية والقومية في مبادئ الجمعية الكبرى «الوفاق» وتختفي شخصياتهم الأيديولوجية لصالح ولاية الفقيه، معتبراً أن التناقضات بين الفكر والممارسة لدى الجمعيات السياسية التابعة للوفاق هي مظهر من مظاهر الفوضى لدى هذه الجمعيات التي تعاني من فوضى شديدة طالت أداءها السياسي وآلياتها في العمل.
واستغرب رئيس المكتب السياسي لجمعية ميثاق العمل الوطني من رفض الجمعيات العلمانية التابعة للوفاق لقانون الأسرة في شقه الجعفري، الذي ينظم العلاقات الأسرية في المجتمع على أساس مدني»!!! وفسر الرفض على أنه محاباة للوفاق فقط، لكون الجمعيات ذات التوجه الليبرالي تعمل عادة على إقامة مجتمع مدني.
وبين جمعة أن المعارضة مهما بلغت من الحدّة يجب ألا تكون على حساب المبادئ، أو تعمل ضد مصلحة الوطن، مشيراً إلى أن امتناع الجمعيات المعارضة من إدانة التدخل الإيراني في البحرين يؤكد أنها مرتبطة بأجندة خارجية، وأنها هدفها الوحيد هو إسقاط النظام وليس الدعوة إلى الإصلاح، وهو ما تؤكده مواقفها السابقة حين اغترت بـ»الربيع العربي» وحاولت ركوب موجته لتجاوز المؤسسات الدستورية البحرينية والدوس على أسس ومبادئ القوانين والثوابت البحرينية.
من جهته، يرى عضو المنبر التقدمي علي البنعلي أن «موضوع العلاقة بين الجمعيات السياسية المعارضة التي ترفع شعارات أيديلوجية مختلفة والوفاق لا علاقة له بتعاطي الأفكار، بل إنه أصبح يختص بالتقاطع الطائفي بين هذه الجمعيات الذي سيطر على الفكر (..) قد غاب لدى هذه الجمعيات الفكر وبرز مكانه الشعور الطائفي».
وقال «إن التنظيمات القومية واليسارية في البحرين المتمثلة في الجمعيات التابعة للوفاق لم تبن بشكل صحيح يعتمد على أسس فكرية متينة». مضيفاً أن هذه الجمعيات تضم الكثير من الأفراد الذين لايحملون فكراً ولا وعياً رغم ادعاء بعضها القومية والبعض الآخر اليسارية (من أهم مبادئ اليسار الدعوة إلى تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع)، ما جعل المعطى الطائفي يتحكم في أداء هذه الجمعيات».
وانتقد البنعلي الانسجام التام بين تلك الجمعيات في المواقف والرؤى مع «الوفاق»، رغم أن منعطفات كثيرة مرت بها البحرين كانت تتطلب من القوميين واليساريين أن تكون لهم مواقف ووجهات نظر خاصة تعبر عن أيديولوجيتهم وتختلف عن رؤية ولاية الفقيه التي تمثلها الوفاق».
وأوضح عضو المنبر التقدمي أن وضعية الجمعيات العلمانية على نحو خاص أدت إلى حدوث انشقاقات في صفوفها نتيجة لإلغاء الرأي الآخر المتشبث بمبادئه (البنعلي نفسه محول الآن إلى لجنة تحقيق من قبل قيادة جمعية المنبر الديمقراطي من قبل المسؤولين عن تطويع المنبر حتى يصبح تابعاً للوفاق تبعية عمياء) على حد تعبيره.
وأشار البنعلي إلى أن هذه الجمعيات تحارب الديمقراطية داخلها وتجبر من لا ينسجم مع مواقفها، ويسلم بالتبعية للوفاق، على الاستقالة وإلا أحيل إلى التحقيق قبل أن يطرد. واعتبر أن أهم أسباب التناقض بين المبادئ المعلنة والتصرفات والمواقف لدى الجمعيات التابعة للوفاق يتمثل في غياب التحليل السياسي الموضوعي لدى هذه الجمعيات، الذي يؤدي إلى تقييم الواقع بشكل صحيح والخروج بخطط عمل نابعة من الخصوصية الأيديولوجية والعمق البحريني.
وقال «إن التنظيمات القومية واليسارية بالبحرين لاتزال رهينة للفكر الانقلابي وإسقاط النظام التي تجاوزها الزمن في البحرين بعدما أصبح التغيير والإصلاح ممكناً بالطرق الدستورية». ووصف البنعلي رضى الجمعيات التابعة للوفاق بالاحتكام إلى الشارع بأنه يعبر عن طفولية في التفكير.
وبين أن اليساري المتمسك بمبادئه يجب أن يحارب الطائفية ويدفع باتجاه سن قانون أحوال شخصية عصري بالمملكة ويسعى لإشراك المرأة في الحياة العامة وإعطائها المكانة اللائقة بها، بدلاً من الارتهان للآليات الدينية في التعامل مع المرأة، أما أن تتبع جمعيات اليسار لجمعيات ظلامية تتبع ولاية الفقيه وتأتمر بأوامر خارجية، فهذا بعيد كل البعد عن مبادئ اليسار.
وحذر البنعلي من سياسة جرّ البلد برمته إلى التبعية لمؤسسة دينية متطرفة، مشيراً إلى منطق الطائفية الذي تتعامل به هذه الجمعيات، كالدعوة إلى المحاصصة الطائفية في الوظائف الحكومية بغض النظر عن الكفاءة والمواطنة اللتين يجب أن تكونان المعيار، يعتبر أمراً في غاية الخطورة ويؤدي في النهاية إلى الوصول بالبحرين إلى الوضع اللبناني.