كتب- حسين التتان
أحدث “المارشال الخليجي” المقدم كدعم من مجلس التعاون الخليجي إلى البحرين، والذي يقدر بـ10 مليارات دولار لمدة 10 أعوام مقبلة، ضجة نيابية ولغطاً شعبياً، حول إمكانية صرف هذه المبالغ الكبيرة. إذ دعا معظم من التقينا معهم إلى صرف مبلغ الـ10 مليارات في مجالات التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية، على أن توزع جميع المشاريع التي ستنفذها الحكومة بشكل عادل في مختلف مناطق البحرين، بشكل يكفل حق كل مواطن من المنحة الخليجية.
أسئلة كثيرة يطرحها الشارع ويتابعها النواب بقلق شديد. من له حق التصرف في صرف المارشال الخليجي؟ ما هو دور النواب في ذلك، على اعتبار أنه الجهة الرقابية؟ هل سيدرج المبلغ السنوي المخصص من المارشال ضمن الميزانية السنوية للدولة؟ أم سيكون مبلغاً مستقلاً؟ هل سيُسلم المارشال بطريقة مبالغ نقدية تضخ إلى البحرين؟ أم أنه سيكون على شكل تقديم مشاريع حيوية للبحرين؟ ما هي أوجه الصرف المفترضة والحقيقية لهذا المارشال؟.
ويحاول هذا التحقيق الإجابة عن الأسئلة من خلال معرفة رأي الشارع، ورأي الجهات الرقابية، كمجلس النواب، الذي يطالب عدد من النواب الحكومة مؤخراً بوضع خطة تنفيذ واضحة المعالم لمشروع المارشال الخليجي، مؤكدين ضرورة إطلاع مجلس النواب على تفاصيل الخطة، خصوصاً مع اقتراب استلام دفعتين من المارشال الخليجي، والتي تقدر بـ 2 مليار دولار.
النهوض بالتعليم والمنتجات الوطنية
من المهم الإصغاء لصوت الشارع قبل رأي المسؤول، فالمشاريع المزمع تنفيذها بأموال المارشال الخليجي، هي التي ستكون لها انعكاسات مباشرة على المواطنين، أما المسؤولون فليس لهم سوى تنفيذها.
الناشط السياسي جمال داوود يتحدث عن نبض الشارع وما يأمله من تحقيق المزيد من الرفاهية للشعب البحريني، لكنه يضع النقاط على الحروف منذ البداية قائلاً: نحن في البحرين نعاني من مشكلة مزمنة، تتمثل في عدم التخطيط السليم والطويل للمشاريع التنموية المستقبلية، وبما أنه ستكون لدينا ميزانية ضخمة لمدة طويلة قادمة، فإنه يجب التخطيط لها بصورة واضحة وسليمة.
ويقول داوود: يجب أن تشكل هيئة وطنية تحتوي على أشخاص من المتخصصين والمعروفين بنزاهتم وتفانيهم وصدقهم ووطنيتهم، سواء كانوا من الحكومة أو النواب أو من مؤسسات مجتمعنا المدني كافة، وذلك لوضع برامج وخطط زمنية لصرف الميزانية، والابتعاد عن المشاريع التي تعمل الحكومة على تنفيذها حالياً، كذلك لابد لنا من تنمية البرامج والخطط التي لها علاقة بالنهوض بالتعليم والبرامج الفكرية والنهضوية، كما يجب النهوض ببرامج توفير الأراضي التي من الممكن أن ننشأ عليها شركات الإنتاج الوطني، مثل المصانع والمعامل.
ويرى داوود أنه يجب التركيز على الإنتاج الوطني، كون لدينا في البحرين الكثير من المنتجات الوطنية الرائدة التي تحتاج إلى دعم حقيقي حتى تتحول هذه المنتجات الوطنية الصغيرة “كمشاريع الأُسر المنتجة” إلى مصانع وطنية كبيرة.
رتِّبوا أولوياتنا
المواطنة الشابة مريم محمد سالم الكندي، تؤكد أهمية الرقابة والتوزيع العادل للمشاريع التي ستكون عبر المارشال الخليجي وتقول: مهما كانت الجهات التي سيكون تحت تصرفها مبلغ المارشال، فإنه من الضروري أن تكون مراقبة من جهات وطنية وقانونية وتشريعية، أما الأمر الآخر المهم، فإننا نطالب أن يكون توزيع المشاريع في البحرين عادلاً، ويكفل حق كل مواطن.
وتطالب الكندي، بتحسين مستوى المعيشة، وهذا المارشال فرصة لكي نعيش كما يعيش باقي مواطني دول المجلس، ولهذا فإننا أيضاً نطالب بتحسين الأجور خصوصاً للمتقاعدين الذين لا يحصلون إلا على الفُتات من الزيادات. أما الإسكان فإنه يجب أن ينال القسم الأكبر من مخصصات مشاريع المارشال، وأن يتركوا مهاتراتهم ومشاريعهم الوهمية التي تتعلق بالبناء العمودي والبيوت الذكية، أما الصحة والتعليم والبنية التحتية فهي من الأولويات، وتؤكد الكندي أنه من المهم ترتيب الأولويات لكل تلك المشاريع.
لن نتسلمها نقداً
من جهة أخرى، يؤكد عضو كتلة المستقلين الوطنية النائب حسن الدوسري أن أموال المارشال الخليجي ستعتمد كموازنة منفردة يشرف عليها جهاز حكومي خاص، ولن تضاف إلى الميزانية العامة للدولة، مضيفاً أن المنحة الخليجية لن تضاف إلى الجزء المخصص من الميزانية العامة للمشاريع الإسكانية.
ويوضح الدوسري أن المشروع مخصص لخدمة المواطن وسيكون لمشاريع الخدمات والبنى التحتية النسبة الأكبر، وأن حكومة البحرين قدمت إلى مجلس التعاون المشاريع التي ستقوم بها، مؤكداً أن على المسؤولين ضرورة التركيز على الملف الإسكاني للتقليل من تراكم الطلبات التي ستصل مع نهاية العام إلى 60 ألف طلب.
ويطالب الدوسري بأن يكون لمجلس النواب إطلاع، ومشاركة على مشاريع المارشال وتفاصيلها، لأنه المجلس الممثل للمواطنين. كما يعرب عن اطمئنانه وثقته بالطريقة التي سيتم بها صرف أموال المارشال الخليجي، ويشير إلى وجود متابعة ورقابة من الأمانة العامة لمجلس التعاون لسير المنحة، إضافة إلى رقابة مجلس النواب الاعتيادية.
وبدوره يؤكد نائب رئيس اللجنة المالية بمجلس الشورى سيد حبيب مكي أن المنحة المالية المقدمة من دول مجلس التعاون الخليجي إلى البحرين “المارشال” سيتم إيصالها إلى البحرين عن طريق مشاريع تنفذها الدول الخليجية المساهمة في مشروع الدعم، موضحاً أن البحرين لن تتسلم أية مبالغ نقدية من أموال المارشال بحسب المعلومات التي توصل إليها من الحكومة.
ويضيف: إن جزءاً كبيراً من الدعم سيوجه للمشاريع الإسكانية، إضافة إلى المشاريع التنموية وتحسين البنى التحتية، وأن الجهات المساهمة في المشروع ستقدم المساعدة عن طريق تنفيذ المشاريع الخدمية والتنموية بالتعاقد مع شركات، سواء كانت بحرينية أو خليجية، على تنفيذ مشاريع المارشال، وأن توزيع أموال المارشال ومجالات صرفها لاتزال تحت الدراسة.
العين الرقيبة
رئيسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب سوسن تقوي، تطالب الحكومة بضرورة الاجتماع مع أعضاء مجلس النواب فيما يتعلق بخطة صرف مبالغ “المارشال الخليجي” على المشاريع التنموية في البلاد، وتؤكد أنه يتعين على وزارة المالية التواصل المستمر مع مجلس النواب فيما يتعلق بالخطة التنفيذية لصرف المبالغ الخليجية الكبيرة المخصصة، انطلاقاً مما يمثله مجلس النواب المنتخب من إرادة شعبية جاءت بممثلين عن الأمة عبر صناديق الاقتراع.
وتستدل تقوي بما قدّمه وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة خلال رده على سؤال برلماني لأحد أعضاء مجلس النواب بأنه ستتم إفادة المجلس بما سيتم تسلمه من دفعات الدعم الخليجي حال تسلمه.
وتقول تقوي، إن: “قرب استلام دفعتين من المارشال الخليجي “2 مليار دولار”، هو أمر مفرح لكل بحريني يترقب تنفيذ مشاريع إسكانية وخدماتية ومرفقية تأخر توفيرها خلال المرحلة المقبلة، وهي مناسبة لتقديم الشكر الجزيل لقادة دول مجلس التعاون الخليجي على موقفهم الداعم والجليل مع ما يسهم في تعزيز مسيرة التنمية في مملكة البحرين، وهو ما يؤكد أن رابط الدم والمصير المشترك أكبر وأسمى في العلاقات البحرينية الخليجية والتي تضرب جذورها سنوات طويلة.
وتؤكد تقوي أن الأنباء الواردة تفيد عن رفع الحكومة إلى الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، جدولاً بأبواب محددة لأوجه صرف المارشال الخليجي في مشاريع الخدمات والبنية التحتية، ولكن النواب لم يطلعوا بعد على هذه الخطة.
من جهة أخرى، تنبه تقوي على ضرورة أن تركز خطة صرف المارشال بشكل رئيس على تنفيذ وتطوير المشاريع الصحية والإسكانية والبنية التحتية والكهرباء والماء، على اعتبار أن هذه المشاريع هي عصب الحياة الخدماتية الرئيسة التي ينشد المواطن تحقيقها على أرض الواقع.
وتشير تقوي إلى ضرورة إشراك المارشال، ضمن الميزانية العامة للدولة، وتقول، إن: “من المتوقع أن تتسلم السلطة التشريعية مشروع قانون الميزانية العامة للدولة لعامي 2013- 2014 خلال الربع الأخير من العام الحالي وهو ما يتطلب على الحكومة أن يتضمن مشروع قانون الميزانية أوجه صرف مبالغ المارشال الخليجي للعامين ضمن الميزانية وذلك لتعزيز مشاركة المؤسسة التشريعية في وضع الخطة الهادفة لتعزيز مسيرة التنمية ودعم الاقتصاد الوطني”.
وتؤكد تقوي أن أعضاء مجلس النواب سيكونون عيناً رقيبة على أوجه صرف المارشال الخليجي على المشاريع الخدماتية المهمة، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من المال العام، وسيفعِّل المجلس أدواته الدستورية والرقابية والتشريعية لمواجهة أيّ هدر في المال العام وبما يكفل تحقيق الأهداف الموضوعة لضخ أموال خليجية لتنفيذ مشاريع تنموية في مملكة البحرين.
وحثت تقوي على ضرورة تضافر جهود مختلف الجهات الرسمية مع السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في سبيل تحقيق المطالب والتطلعات المشروعة للمواطنين، خصوصاً في المجال الخدماتي، داعية الوزارات المختصة لإعداد خطط علمية وتقارير موضوعية حول مدى تأثير مبالغ المارشال الخليجي على سرعة إنجاز الخدمات للمواطنين، تحديداً في مجال خفض عدد الطلبات الإسكانية، وما تمثله الأزمة الإسكانية من مشكلة وطنية كبرى تستدعي اعتبارها بأنها “أم المشاكل” في البحرين والتي تتطلب حلولاً جدية وجذرية لمواجهة التراكم المتسارع في عدد الطلبات دون وجود الحلول التي تطفئ من انفجار مشكلة اجتماعية بسبب عدم توافر السكن المناسب للمواطن الذي يعاني من نار غلاء المعيشة.
هذه المرة غِير
المواطن الشاب سالم المسيفر، يؤكد على عدة أمور فيما يخص المارشال الخليجي، كلها أمور مهمة جداً اليوم. ويقول المسيفر: أرى أن تدرج ميزانية المارشال في استكمال البنية التحتية للبحرين، فنحن في هذا الوطن الصغير نحتاج إلى تطوير عجلة التنمية بزيادة موازنات البنية التحتية كالإسكان والكهرباء والتعليم والصحة، وزيادة دخل الفرد البحريني.
أما عن المارشال وعلاقته بالميزانية المقبلة فإن المسيفر، يعتقد أن الميزانية رصدت وانتهى أمرها، فهي أمر و«المارشال” أمر آخر. ويقول هنا: من المفترض أن يخصص المارشال في المشاريع العامة التي تخدم الشعب ولا شيء سوى ذلك، كما من المهم أن لا يُستخدم مبلغ الدعم الخليجي لدعم المشاريع الوطنية المتعثرة والفاشلة أو في مشاريع احتفالية وكماليات غير مهمة تكلف الكثير، بل يجب أن تخصص مبالغ المارشال لأجل المواطنين فقط، وللبنية التحتية وزيادة دخل الفرد والأمور الخدماتية الأخرى، كالإسكان والصحة والتعليم، والأهم من كل ذلك أن نضع خطة زمنية واضحة لكل هذه المشاريع، وأن تكون هنالك الكثير من الشفافية، حتى لا يستشري الفساد، خصوصاً أن مبلغ المارشال كبير للغاية ويسيل له لعاب البعض.
أما عن دور النواب يقول المسيفر: إنني أتفق مع من يذهب إلى أن يكون لمجلس النواب دور مهم في مراقبة المشاريع المارشالية، وذلك لدورهم الرقابي، لكن باعتقادي أن ليس كل النواب مع الأسف على قدر من المسؤولية، فتجاربنا السابقة أثبتت أن أداء الكثير منهم لم يكن مريحاً، إذ أنهم مرروا من قبل ميزانيات للدولة كانت يجب ألا تمرر، فخضعوا للحكومة حينها.
ويؤكد المسيفر، أن المواطنين، عقدوا الأمل على هذا المارشال الخليجي، وأنهم سينتظرون هذه المرة ما ستسفر عنه نتائج صرف هذه المبالغ التي يتمنى أن تكون كلها لخير البحرين.
المواطن البحريني في انتظار، ما ستفسر عنه النتائج، وكيف ستتعامل الجهات الإدارية والرقابية في الدولة، وماهي الأولويات مع المارشال الخليجي، ويتأمل أن المواطنين تضعهم الجهات الرسمية، في الصورة الصحيحة وبطريقة شفافة، وأن تتعامل معهم كمواطنين يجب احترام أولوياتهم وقراراتهم، وذلك بالنظر إلى احتياجاتهم.
المارشال ليس محط تجارب
عضو مجلس النواب عباس الماضي، يطالب الحكومة بوضع خطة تنفيذ واضحة المعالم لمشروع “مارشال الخليجي”، مشيراً إلى ضرورة إطلاع مجلس النواب على تفاصيل الخطة، خصوصاً أن الموازنة العامة للدولة للعامين 2013-2014 ستحال قريباً إلى مجلس النواب. ويرى الماضي ضرورة توضيح أوجه صرف المبالغ في هذا المشروع الضخم الذي تقدر ميزانيته بـ 10 مليارات دولار.
ويقول الماضي: إن الأمانة العامة لمجلس التعاون اشترطت على البحرين أن يتم صرف المارشال في القطاعات الخدمية والبنية التحتية، مشيراً إلى أن الحكومة رفعت مؤخراً للأمانة العامة جدولاً يبين أوجه صرف المارشال في هذه القطاعات، ونحن من منطلق مسؤوليتنا في مجلس النواب نطالب الحكومة بالإفصاح عن هذا الجدول والكشف عن الخطة المزمع تنفيذها، ونأمل أن تركز هذه الخطة على قطاع الإسكان لما لهذا الملف من أولوية.
ويضيف، أن الحكومة لاتزال غير واضحة في طرحها التفاصيل المتعلقة بخطط صرف المارشال الخليجي، مؤكدا أن المجلس لن يتساهل مع أية أخطاء قد تتسبب في تضييع ميزانية المارشال الخليجي، فالبرنامج ليس محطة للتجارب وندعو الحكومة إلى تسخير كامل خبراتها في تحديد المسار الصحيح للبرنامج الذي سيتضمن 10 مليارات دولار لعشرة أعوام مقبلة.
وينهي الماضي حديثه قائلاً: كلنا ثقة بسمو رئيس الوزراء وما يملكه من خبرات ورؤية دولية ثاقبة واستراتيجية متميزة في مجال التنمية الخدمية في البحرين ونحن متفائلون بأن المارشال الخليجي سيسهم في النهوض بالمشاريع الحيوية كالإسكان، وسندعم في المجلس المارشال لينهض بدوره الحقيقي.
وزير المالية: المارشال قدم
دعماً للمسيرة الاقتصادية والاجتماعية في المملكة
ذكر وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، في رده على سؤال عن حجم المبالغ التي تم تسلمها في العام 2011 كدفعة أولى من مشروع المارشال الخليجي، أن “المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أقر، أن تكون مساهمات الدول الأعضاء على شكل منح، من خلال التنسيق الثنائي وبالتالي فإنه ستتم إفادة مجلسكم بما سيتم تسلمه من دفعات الدعم الخليجي حال تسلمها”.
وأشار إلى أن الحكومة تدين بالتقدير لقادة دول مجلس التعاون الخليجي لاهتمامهم بدعم المسيرة التنموية التي تشهدها مملكة البحرين من خلال برنامج تنمية دول مجلس التعاون حيث تم تتويج هذا الاهتمام باعتماد هذا البرنامج في اجتماع المجلس الأعلى في دورته الثانية والثلاثين، الذي عقد مؤخراً في مدينة الرياض – المملكة العربية السعودية.
وأضاف الوزير، أن “فيما يتعلق بمملكة البحرين فإن هذا البرنامج، يتضمن رصد 10 مليارات دولار لعشر سنوات قادمة بواقع مليار دولار لكل سنة سيتم تخصيصها لمختلف المشاريع الحكومية وعلى رأسها المشاريع الإسكانية والصحية ومشاريع البنية التحتية المتمثلة أساساً في مشاريع الكهرباء والماء والطرق والصرف الصحي. كما سيتم تخصيص جزء من هذا البرنامج لبناء عدد من المدارس والمرافق التعليمية حيث سيمثل هذا البرنامج دعماً ملموساً لتنمية المسيرة الاقتصادية والاجتماعية بمملكة البحرين”.