^   مشكلة البعض أنه ينادي بشيء ويدعو إليه لكنه يتبين له أنه غير قادر على تحقيق ما نادى به، ليس لأنه لا يريد، لكن لأنه يكتشف أن العوامل التي اعتمد عليها وتصور أنها متوفرة لا تعينه على تحقيق ما أراد، فهو مثلاً ينادي بالديمقراطية ويبشر بها ويعد بها الناس إن آلت إليه الأمور، لكنه عندما يصير على المحك يلاحظ أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون بالشكل الذي وعد به وسعى له. ويكتشف أن ما رسمه في مخيلته بعيد عن أرض الواقع. مثل هذا البعض ينتقد أي سلطة وينتقد أي عمل، حتى الإيجابي واضح الملامح والفوائد، لكنه إن صار في الموقع الذي يتيح له اتخاذ القرار ضاع. هذا الكلام ينبغي توجيهه إلى من يعتقدون أن الحياة تحت سيطرة من يتشدق بالوعود البراقة وبالمبادئ الجميلة ستكون أحلى لو أنه تمكن من التحكم في القرار بطريقة أو بأخرى، حيث عليهم أن يعلموا تمام العلم أن كل الأحلام الوردية التي تفصل لهم اليوم لن يجدوا لها تطبيقاً على أرض الواقع، ولن يجدوا سوى تبريرات لممارسات سيئة، ولكن تحت مسميات مختلفة من مثل أنه أمر تنظيمي أو أنه يتناقض مع الشريعة الغراء أو.. أننا نرى ما لا ترونه! هذا يعني أنه على الناس ألا يمنحوا أحلامهم مساحة أكبر من اللازم، حيث الواقع مختلف، ولو أن من حقهم أن يحلموا ويتعلقوا بالأمل. فالمتوقع ليس بالضرورة ممكن التطبيق، والتجربة تثبت دائماً أن من يكون في موقع القرار لا تعينه الظروف دائماً على اتخاذه وبالشكل الصحيح، ولعل أكثر من لمس هذه الحقيقة لمساً هم نواب “الوفاق” الذين عندما دخلوا المجلس أول مرة اكتشفوا أنهم إنما عشموا الناس ما لا ينبغي أن يعشموهم به، وأنهم بالغوا في مساحة الأحلام التي دعوا الناس إلى التحليق فيها، فليس كل ما أرادوه تحقق، بل إن أكثر ما وعدوا به لم يتحقق، ذلك أن الواقع يختلف كثيراً عن الخيال والأحلام. هذا الحال يشبه حال المتفرج على مباراة بين فريقين، فهو يشعر في لحظة ويعتقد أنه لو كان مكان اللاعب الذي صار أمام المرمى لسجل هدفاً ببساطة، لكنه لا يعرف أنه لو كان مكان اللاعب لربما لم يحصل حتى على فرصة للمس الكرة وليس تسجيل هدف! وبالتأكيد فإن مثل هذا الشخص لو أتيحت له الفرصة للمشاركة في المباراة كلاعب وتبين له بشكل عملي أنه دون أن يحقق شيئاً فإنه لن يبخل على أحد بالتبريرات التي لا يستبعد أن يكون بينها التشكيك في عدم دقة زوايا المرمي! إن ما ينبغي على المعارضة أن تدركه هو أن تحقيق الوعود ليس بالأمر الهين وأن ما يجري في الواقع ليس كالذي يدور في الخيال، وأن الأمنيات شيء وإمكانية تحقيقها شيء آخر. وبالتالي فإن عليها ألاَّ تكبر الحجر كي تتمكن من حمله من دون مشقة ولكي تحقق على الأقل الممكن من الأهداف ليقال إنها حققت شيئاً. إنه ظلم كبير للناس نثر الوعود يمنة ويسرة لأنه ببساطة ليس من السهل تحقيقها. ففي الساحة عناصر كثيرة لا يمكن شطبها أو تغييرها أو التقليل منها ومن دورها بمجرد تسلم الزمام! من باب النصيحة أن يدعم الجميع خطوة الجمعيات التي رأت في الحوار المرتقب مخرجاً فليس من طريق غيره يمكن معه تجاوز ما مر به هذا الوطن الجميل ووقف النزيف، ومن باب النصيحة أيضاً أن تكون تلك الجمعيات مرنة في تقديم مرئياتها وفي الحوار وألاَّ تفكر في ما قد تخسره ولكن في ما سيربحه الوطن.