^   ليس هنالك أكثر تأثيراً على المجتمع المحافظ من أثر منابر الجمعة، فالناس كل الناس تقصد الجوامع لأجل الاستماع للخطبة، ومن ثم تلاقي ربها في أجواء روحانية للصلاة. هي فرصة للإمام والمأموم؛ فالأول يستطيع أن يقول كل شيء، كما يستطيع أن يوصل رأيه في الشأن السياسي والاجتماعي بكل حرية إلى الناس، لأن ليس هنالك من يراقب قوله ويمنعه من الحديث، أما الثاني فإنه مجرد مستمع غير جيد، لأنه لا يستطيع أن يحلل أو يفكك أو يستنتج أو حتى يعترض على ما يقوله الخطيب، لهذا فالنتيجة المحصلّة من غالبية خطب الجمعة أننا نتحصل على تابع ومتبوع... قائد ومَقُوْد!!. ليس هذا فحسب، بل أصبح الناس لا يجرؤون أن ينتقدوا الخطيب أو الخطبة حتى وهم في منازلهم وبين أحبابهم، لأن المجتمع آمن أن الخطيب لا يمكن أن يخطئ، ومادام يسير في فلك المَشْيَخَةِ فإنه أقرب للعصمة، بل كأنه سليل الأنبياء. في ظرف سياسي واجتماعي جدُّ حرج كما تشهده البحرين، يتحتم على بعض من خطباء المنابر الدينية أن يطرحوا ما يوحَّد أبناء هذا الوطن، وأن يدفعوا باتجاه الحب والعلم والمعرفة والتلاقي والإخاء والتسامح، لا أن يستثمروا المنبر في الفوضى والشتائم وخراب المجتمع وضياعه، كما من القبح أن يستغل هؤلاء القلة من الخطباء صمت الدولة وصمت المصلين والمجتمع على تخرصاتهم وهرطقاتهم، ليتحدثوا بحديث يثير من الفتن والكراهية ما لا يمكن لمجتمع صغير، كالمجتمع البحريني في أن يتحمل تبعاته وتداعياته المدمِّرة. في هذا الصدد وعلى ضوء نتائج هذا الاتجاه الخطير، انتبه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لهذه القضية المؤرقة لكل العقلاء، فطالب (علماء الدين والأئمة والخطباء بالابتعاد عن خطابات التمزيق المجتمعي ونشر الكراهية في البلاد، مما يتعارض مع جوهر الدين الإسلامي والمثل العليا والفطرة السليمة). ليس هذا فقط بل أكد رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة على هذا الأمر قائلاً (نحن اليوم بحاجة إلى العقل والعقلاء ونبذ التطرُّف والعناد، لنمضي جميعًا في بناء مملكة البحرين) مؤكداً أنَّ (الخطابات التشطيريَّة والإقصائية تشعل البلاد وترهق العباد، فهي مرفوضة رفضًا قاطعًا). ولفت إلى أن (البحرين عاشت في تاريخها المديد أروع صور التلاحم والترابط والتآخي بين طوائفها وأبنائها، وهي قادرة بهذا الموروث الضخم الوضَّاء أن تواصل هذه المسيرة الطيبة)، مضيفاً أنه (يجب على أبناء البحرين أن يرفضوا أي لغة إقصائية أو تخوينية أو تشطيرية، فالبحرين كانت وستبقى للبحرينيين جميعهم). في الوقت الذي كنَّا نتأمَّل ونأمل من بعض خطباء المنابر الدينية أن يتحدثوا عن الأخوة وعن تاريخ ممتدٍ من الاندماج بين أبناء هذا المجتمع الراقي، نُصدم ببعض من خطبائنا (حفظهم الله) في تهييج الناس واستغلال بساطتهم في طرح ما يحلوا لهم من قيم سلبية تضر بالواقع الاجتماعي، بدل أن يستفيدوا من حب الناس لهم فيطرحوا ما يوحدهم ويلم شملهم. إذا خرج الخطيب المُؤّمَل منه كل الخير عن جادة الصواب، فما هو المُرتجى من الناس العاديين البسطاء الذين ينفعلون بغرائزهم الإنسانية لأدنى سبب تافه أو من جهلة المجتمع؟. أيها البعض من الخطباء الموتورين.. رحمة بنا وبمجتمعنا، فإما أن تقولوا خيراً في هذه المرحلة من تاريخ الوطن، أو تتركوا المنابر الدينية يصعد فوق أخشابها العلماء من العقلاء والأفاضل، وما أكثرهم في البحرين.