^ حينما تقول الدولة إن خطوط الاتصال مع “المتدثرين” برداء المعارضة انقطعت لأن الأخيرة مازالت تصر على فرض شروطها وإملاءاتها إضافة إلى رفضها الاعتراف ببقية مكونات المجتمع، فإن على الدولة أن تصارح شعبها بشكل أوضح وأن تبين له السيناريو الذي مضت فيه في حوارها المسبق معهم حتى تصل إلى هذه النتيجة. منذ عام وأكثر كانت كل مطالبات المخلصين تتركز على ضرورة استعادة هيبة الدولة وتطبيق القانون وحفظ النظام في البلد وحماية أهلها، يضاف إلى ذلك الاهتمام بشكل أكبر بمصير المكونات المخلصة والتفكير في تداعيات وتأثير أي قرار أو توجه يقر ويتخذ على هذه الشريحة كونها هي خط الدفاع الأول عن البلد وعن النظام. ما كنا نسمعه عن فتح خطوط اتصال بأسلوب سري وخفي كان يبعث على الضيق، خاصة بالنسبة للمخلصين باعتبار أن هناك شيئاً يحصل من وراء ظهورهم، وهو شعور طبيعي، إذ في وضع مثل الذي نمر فيه إما أن تكون الأمور واضحة ومكشوفة على الطاولات أو لا تكون موجودة من الأساس، فما يدار في الخفاء لابد وأن يكون طرفاً ما متضرراً منه، خاصة من لا يعرف بشأن ما يدور. كنا نسمع عن اجتماعات تعقد بصورة سرية بين الدولة وبعض قادة التأزيم، وكان لسان حال الناس يتساءل عن الجدوى المرجوة من الجلوس مع من سيواصلون الهتاف بإسقاط النظام حتى لو تحصلوا بدل المكسب عشرات المكاسب؟! اليوم رأينا كيف يريدون أن يتعاطوا مع أي صورة من صور التواصل مع النظام، هم لا يريدون إلا أجندتهم، مبدأ التنازل بالنسبة لديهم ضرب من المستحيل، المكونات الأخرى في المجتمع غير معترف بها، ما يجب تطبيقه والموافقة عليه هو ما يقولونه ويفرضونه فقط، ليس من حق الدولة إلا التنفيذ، وليس من حق المكونات الأخرى حتى الاقتراب من طاولة الحوار لا الجلوس عليها. هذا أسلوب الحوار لدى من يكذب ويحاول خداع الناس بأنه يريد “دولة مدنية”، وهو أبعد ما يكون عن المدنية التي تقتضي احترام التعددية! التجربة يفترض أن تكون علمتنا كيف تدار الأمور مع هؤلاء المؤزمين، هؤلاء لا يريدون أبداً الجلوس على طاولة حوار وأن يتساووا مع الناس، لا يريدون الاستماع لأحد، ولا يريدون أن يخالفهم أحد، هم يظنون بأنهم وحدهم يملكون البحرين، وأنهم وحدهم من يفترض أن يرسم ملامحها المستقبلية. ليست مرة ولا اثنتين بل ثلاث مرات التي تمنح لهم الفرصة فتأخذهم العزة بالإثم ليعودوا لممارسة نفس الأسلوب بوضع الشروط المسبقة. أتساءل ويتساءل معي كثيرون، ما الذي يجبر الدولة على التعاطي معهم بهذه الطريقة؟! ما الذي يجبر الدولة على القبول بالإرهاب الليلي المستمر، وأن تستمع للتحريض الصريح والدعوات لكراهية النظام والتخطيط للانقلاب عليهم، ثم لا تأخذ إجراء يحفظ أمن البلد، وتحسس الأطراف الأخرى بأنهم في دولة ستحميهم وستؤمن مصيرهم ومستقبلهم أمام نوايا من فئات طالما كان حلماً سرقة البحرين لنفسها فقط؟! بعد المراحل العديدة التي مررنا بها، وصولاً إلى تسليم لجنة تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق لتقريرها، يفترض بأن ندخل طوراً جديداً في إصلاح الدولة وتطوير منظوماتها ووضع الأشخاص المناسبين في مواقع المسؤولين، دون نسيان من وقفوا بإخلاص من مكونات هذا المجتمع لحماية الدولة، في المقابل يفترض أن يكون تطبيق القانون بصورة أكبر حزماً، وأن توضع الخطوط الحمراء أمام الاستهتار بأمن البلد وأمام استمرار تشويه صورتها والتطاول على رموزها. هذا ما يفترض فعله، دون أن ننسى أهمية عدم فتح أي خطوط جديدة لاتصالات سرية ومساومات على صفقات وتوافقات بمنأى عن الرقم الأكبر والمؤثر في المجتمع. انتهت حقبة، ويفترض أن تبدأ أخرى فيها من الجدية والحزم للحفاظ على الدولة بما يسد الطريق أمام هؤلاء لمزيد من العبث بمقدرات وطن وشعب بأكمله. إن كان من شيء يجبر الدولة في السابق على فتح قنوات وإقامة تحركات وغيرها، فبالنظر لما قامت به الدولة حتى اليوم وهي نقاط تحسب لها وتبين جديتها في اتجاه الإصلاح، يحق لنا التساؤل: ما الذي “مازال” يجبر الدولة؟!
970x90
{{ article.article_title }}
970x90