^  الأحداث التي شهدتها البحرين لها أكثر من رواية وحكاية، شأنها في ذلك شأن جميع الحكايات السياسية في التاريخ؛ الحكاية الرسمية، حكاية المعارضة، حكاية اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق. وبين هذه الروايات -بالمفهوم الإعلامي- للرواية روايات بينية، تزيد أو تنقص، وباختصار يمكن القول إن الإعلام الرسمي يسوق لنا الحكاية الرسمية للأحداث، والإعلام المعارض يسوق روايته، والإعلام المهني يفترض به أن يكون محايداً، فيورد جميع الروايات دون أن يتبنى إحداها، ولكنه يرجح في النهاية رواية اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق. وإذا كنا نتفهم مبدئياً موقف الإعلام الرسمي والإعلام المعارض من حيث أحادية النظرة، وتسخير كافة الإمكانيات لخدمة المصالح السياسية لكل طرف، فإنه من غير المفهوم أن يقع تحت طائل هذا الاستقطاب الإعلام المصنف مهنياً ومحايداً، والذي يفترض أن تكون الحقيقة هي هدفه الرئيسي والأساسي وربما الوحيد. ولنضرب على ذلك أمثلة واقعية: - لم اتوقع من الإعلام الرسمي (في ظل الرؤية الضيقة السائدة) أن يروي لنا الحكاية التي لا تتفق مع الرؤية الرسمية، أو ما تراه الجهة الرسمية حقيقة، مع أن الإعلام الرسمي في مجتمع ديمقراطي يفترض أن يكون مستقلاً عن جميع الأحزاب والتيارات السياسية وناقلاً للوقائع كما هي دون تكييف إيديولوجي، ومن وجهات نظر مختلفة، تقرب الصورة قدر الإمكان من الحقيقة. - لم نكن نتوقع وما كان يجب أن نتوقع من قناة مثل “العالم الإيرانية” التي تم تسخيرها لخدمة رواية أخرى مناقضة -على أسس مختلفة ولأهداف معلنة- أن تروي لنا غير رواية المعارضة، بكل تفاصيلها، وبكل تحريضاتها السياسية وحتى الطائفية، بما في ذلك افتعال حكايات وروايات غير دقيقة أو حتى غير صحيحة بالمرة، وذلك لأنها الوجه الإيديولوجي التحريضي المكشوف والمعلن بفجاجة، تقابله فجاجة أخرى مماثلة في عدد من القنوات المناقضة لتوجهها تتجاوز بدورها مجرد الرواية إلى السباب والشتم والحط من طائفة بالكامل على أسس طائفية غير أخلاقية، بل من شأنها بث الكراهية وهدم جهود التعايش والتسامح التي بذلت خلال عقود من الزمان. - كنا نتوقع في المقابل أن تكون القنوات المعروفة بالمهنية مثل البي بي سي أن تكون محايدة، أي إنها وهي تروي الحكاية ترويها من عدة رواة دون ترجيح لواحدة على الثانية، وكان يفترض أن تكون رواية اللجنة المستقلة هي التي تأخذ المساحة الأكبر، لأنها الرواية الأكثر موضوعية من بين الروايات التي أجمع الفرقاء على القبول بها بشكل إجمالي، ولكن هذا الأمر لم يتحقق بالصفة المعتادة، وانساقت هذه القناة المحترمة في بعض الأحيان- خاصة في بداية الأحداث- وراء رواية المعارضة، على أساس أن الروايات الرسمية كانت أقل مصداقية إبان فورة الهبات العربية. - وهنالك حكاية أخرى تجسدها قناة “الحرة الأمريكية” التي تتماهى بنسبة مائة في المائة مع رواية المعارضة للأحداث، أي أنها تتماهى مع رواية قناة العالم الإيرانية، وهذا لا يمكن أن يفضي بنا إلا إلى القول إن الرواية الإيرانية والأمريكية لما حدث ويحدث في البحرين متطابقة، وليس الأمر هنا متعلقاً بالرواية فحسب، بل بالرؤية والتشخيص والحل، بما يؤكد وجود نوع ملموس ومكرس من الاتفاق والاتساق بين الأطراف الثلاثة. قد يقول قائل: إن قناة الحرة، وإن كانت أمريكية من حيث الملكية والتمويل، فهي في الأساس عراقية الإدارة ضمن منظور طائفي، لكن هذا لا يجب أن يخفى أن صاحب الدار والتمويل هو من يفرض توجهاته وهو بالتالي من يفرض روايته للأحداث