أكد مراقبون أن عيسى قاسم ظل يقدم نماذج متنوعة من الإخفاق في قيادة مشروع ولاية الفقيه في منطقة الخليج العربي عبر بوابة البحرين، ما جعله - وسط الاستياء الشديد والضغوطات الكبيرة التي تمارس عليه من إيران - يتخبط كثيراً خلال السنة الأخيرة.
وأشاروا إلى أن قاسم يفلح كثيراً في صياغة ديباجات التحريض “اسحقوهم” والدعوة إلى الفوضى والشغب، كما يفلح في الوعيد والتهديد الظاهرين والباطنين من خلال خطبه الأسبوعية، غير أنه لا يفلح كثيراً في تبرير تورطه على التحريض أو التعاون مع دولة خارجية لزعزعة أمن واستقرار البحرين، مؤكدين فشله في تبرير اتصالاته مع القائم بالأعمال الإيراني لدى مملكة البحرين بحجج واهية لا تستند إلى منطق، ولا تنطلي على أي متابع للعلاقات الإيرانية المتواصلة مع قاسم. وأضافوا أن قاسم فشل أيضاً في تبرير استهداف رجال الأمن واستغلال المنبر لعدة مرات للتدخل في سير المحاكمات وإطلاق الأحكام جزافاً واحتكار العدالة والتحريض على زج الشباب نحو العنف والتخريب. وأوضحوا أن زيارة علي سلمان الأخيرة إلى القاهرة التي فشل في مساعيها من خلال الاستجواب الذي واجهته به وزارة الخارجية المصرية والرفض الشعبي الواسع للقائه
مسلسل الفشل وتواضع التبرير
ولوحظ خلال الفترة الأخيرة أن مسلسل الفشل لازم عيسى قاسم كثيراً، إذ لم يستطع تحقيق طموحات المرشد الديني الأعلى علي خامنئي في إدخال المشروع “ولاية الفقيه” إلى البحرين والخليج لتهديد دعائم الأمن القومي لدول المنطقة من خلال الفكر المتطرف الذي يتبناه حزب الله والتيار الشيرازي والتيار الصدري ومن ينتمي إليهم من جمعيات وشخصيات ورجال دين.
كما لم يستطع تبرير أنه واحد من رجال الدين والخطباء الذين تملي إليهم توجيهات المرجعيات الإقليمية وتضع أمامهم خطط التحرك على الساحة المحلية، وأنه من الذين ينفذون التعليمات دون أدنى احترام للدولة التي منحتهم جنسيتها وقدمت لهم خدماتها وأسكنتهم أرضها. حيث جاء رده مخيباً لآمال المنخدعين به ومؤكداً لذات النهج الاستكباري الذي اعتاد على السير عليه والذي كان قد حذرت منه “العدل” بخطابها في أغسطس 2011، واعتبرته من غير المقبول “تبرير احتكار كلمة الشعب للتحدث باسمه بصفة التقرير في أمره مع علمه بالطابع الفئوي الذي تحمله كلماته في ذهن المتلقي”.
وتبرز مفارقة قاسم في تبريره أنه “مع أية مبادرة في الداخل أو الخارج تساهم في إيجاد حل عادل للوضع السياسي”. بالرغم من دعواته في الخطب إلى إثارة الحساسيات وزيادة الشقة بين المسلمين، والتخريب والإرهاب وقطع الطرقات. فيما لم يصدر في أي من خطبه موقف يدعو لإيقاف العنف والتخريب التي يقوم بها الأطفال في الشوارع باعتباره الداعي الرئيس له. وتأتي زيارة علي سلمان إلى مصر استمراراً لنهج التخبط الذي يعيشون فيه للحفاظ على ماء الوجه رغم علمه المسبق حسب تجربته السابقة أن الأبواب موصدة أمامه في أرض الكنانة التي شهدت ثورة حقيقية وليست أجندة خارجية يحاول تطبيقها على أرض البحرين تحت ذريعة “الربيع العربي”.
تلقي تعليمات «الولي الفقيه»
وأكد المحلل السياسي محمود جناحي أن عيسى قاسم يلتقي بالدبلوماسيين الإيرانيين لتلقي تعليمات “الولي الفقيه” ليوزع المهمات بعدها على من أتباعه، مشيراً إلى أنه بعد أحداث فبراير 2011 زال الخجل الذي اعترى قاسم في الاعتراف بتمثيله لخامنئي في المملكة. وأوضح جناحي أن عدم سفر عيسى قاسم إلى إيران خلال الفترة الماضية لا يعني انقطاع تبعيته لها، وإنما يتلقى الأوامر من خلال التواصل مع الدبلوماسيين الإيرانيين في البحرين، مشيراً إلى أن الفشل الذي سقط به قاسم ومن يأتمرون بفتاواه من جمعيات سياسية دينية كالوفاق أو يسارية باعت نفسها له للوصول إلى طموحات مزعومة أدى فشلهم إلى تخبط اعترى تلك الأطراف لمحاولة لملمة أنفسهم من الهزيمة. وأكد أن الخناق أصبح ضيقاً جداً على تلك الجماعات الراديكالية بزعامة عيسى قاسم، حيث تسبب بتحايله على فتواه “اسحقوهم” بتبريرات ليست ذات معنى أو جدوى في إشارة واضحة إلى تهاويه ومحاولة تغطية فشله و«نكبة جنيف بالنسبة لهم” وذلك على الرغم من استعلائه الدائم ورفضه للاعتراف بالخطأ أو التراجع عن أي فتوى أو تصريح سابق!.
وفسّر جناحي سفر علي سلمان ووفد الوفاق إلى مصر بالتزامن مع تنصل عيسى قاسم المحرج على أسحقوهم بمحاولة يائسة لتعويض جزء مما خسروه في جنيف حيث وضحت الحقائق إلى المنظمات الدولية التي كانت تدعمهم. وأكد أن محاولة تغطية هذه النكسة جاء بتخبط حيث ذهب علي سلمان إلى مصر والتي خرج منها مهزوماً سابقاً رغم تخليه فيها عن عمامته وارتدائه للـ«بدلة” حيث رفضت جميع الشخصيات المصرية المؤيدة للثورة مقابلته حينذاك أو حتى الآن. وأشار جناحي إلى أن فشل علي سلمان يؤكد تخبط عيسى قاسم، حيث إن سلمان “لا يشك خيطاً في إبرة” إلا بتوجيهات قاسم، والذي بدوره يتخاطب مع السفارة الإيرانية للحصول على التعليمات تارة، ويرسل وفوداً للقاء الأمريكان والبريطانيين تارة أخرى للحصول على دعم. وأكد عدم جدية قاسم وسلمان في التوصل إلى أي حل سياسي داخلي، وذلك لولائهم الفكري والطائفي الواضح والذي لا ينكرونه، حيث وعلى الرغم من هزيمتهم إلا أنه مازال يريد إقحام الخارج في مسألة داخلية كما تحدث في رده على وزيري العدل والخارجية.
وأشار إلى أن باب الحوار مفتوح منذ البداية إلا أن عيسى قاسم وبدلاً من الدخول فيه استخدم الإرهاب والذي أدى إلى تضايق داخل الشارع الشيعي ليفيض بهم الكيل ويصدروا بيانات تستنكر الأحداث الإجرامية، مبيناً أنه يحاول تدارك ذلك الخطأ مع الاحتفاظ بماء وجهه قدر الإمكان. وزاد أنه لم يعلنها صراحة رفضه للإرهاب أو دعوته لإتباعه بالتوقف عن العنف، حيث اعترافه بالهزيمة يعتبر مساساً بشريعتهم، مبيناً أنهم يحاولون إظهار أن المعركة مع النظام مازالت مستمرة. وقال جناحي، إن:« عيسى قاسم وعلى الرغم من إعلانه سابقاً بأنه مرجعية دينية إلا أنه أقحم نفسه بالأمور السياسية حتى في فترة ما قبل الأزمة، ومنها تشكيله الكتلة الإيمانية، وأوامره لهم بالنزول إلى الانتخابات أو المقاطعة”.
رمتني بدائها وانسلت
وبالعودة إلى بيان مكتب عيسى قاسم حول اعترافه بلقاء الدبلوماسي الإيراني، وادعائه بأن ذلك جاء بناء على طلب وزير الخارجية البحريني لنظيره الإيراني على هامش القمة الإسلامية في مكة بتاريخ 14 و15 أغسطس، فإن وزير الخارجية البحريني نفى ذلك قطعاً، وهو ما تؤكده سياسة الدولة الرامية إلى إيجاد الحلول الوطنية دون أي تدخل خارجي سواء بالحوار الوطني أو بالمبادرات للصلح والاجتماع ونبذ العنف والإرهاب. وبتتبع بسيط لخطبة عيسى قاسم في الجمعة التي تلت لقاء وزيري الخارجية البحريني والإيراني المزعوم على هامش القمة الإسلامية نجد أنه استمر في التحريض على استمرار العنف والإرهاب تحت مسمى” عدم السكوت على الظلم والأسر والاستعباد” ودعمه لحراك ما يسمى بـ 14 فبراير الانقلابي!!
وينطبق مثل:«رمتني بدائها وانسلت”، على عيسى قاسم حيث يتهم السلطة في ذات الخطبة بأن “خيارها هو بقاء الأزمة وتوسعها، وأن تحصد أبناء الشعب، وتهدم الوطن وتنال كرامة الدين والإنسان” متغاضياً عن مبادرات الدولة للحوار وإيجاد الحل، حيث هو من يستمر بالتحريض على الإرهاب. وأطلق عيسى قاسم في ذات الخطبة العنف والإرهاب “التضحية”، داعياً مستمعيه إلى “مقاومة خيارات السلطة” في تحريض علني وصريح دون أي خجل أو وجل، حتى وإن حاول بعد ذلك نفيه. ويناقض عيسى قاسم نفسه بنفسه، حيث برر في الخطبة استغلاله للمنبر للتحدث بالسياسة أن “ما التقى من أوضاع السياسة” مع الأمور الحياتية يمكن أن يتحدث به، لينافي كلامه في موضع آخر من ذات الخطبة بأنه “لابد من حماية دور المسجد واستقلاليته عن أباطيل السياسات الدنيوية”.