كتب - محرر الشؤون المحلية:
يواجه قانون الأحوال الشخصية “الشق الجعفري” بمعارضة صارخة وكبيرة من قبل بعض علماء الدين الشيعة، باعتباره يمثل واحداً من المشروعات الكبرى المفروضة عليهم من مرجعياتهم العليا في النجف وقم. وتطالب أذرع ولاية الفقية في البحرين “المجلس العلمائي غير المرخص” وجمعية “الوفاق” بشروط تعجيزية لتمريره، وضمانات مستحيلة لإخراجه إلى الوجود، تلبية لنداء أسيادهم في طهران.
في المقابل لا يكترث هؤلاء العلماء الذين يقفون في وجه إصدار قانون الأحوال الشخصية “الشق الجعفري” بمعاناة الكثيرات التي وصلت إلى حد المأساة، جراء عدم الاحتكام لقانون محدد يقيهن من الظلم الواقع عليهن. ففيهن من تفقد حياتها في انتظار عدالة لن تتحقق على أيدي هؤلاء الشيوخ، وأخريات يدفن حياتهن ويقبرن شبابهن جراء التعسف في إصدار نافذة عدلية تمنحهن الحياة.
وما بين هؤلاء وأولئك تحركت ازدواجية المعايير لدى السياسيين القابعين تحت مظلة الشيوخ والمرجعيات والمؤتمرين بأوامرهم في كل الأمور السياسية، حيث إنهم تارة يطالبون بـ«دولة مدنية” بداع الإصلاح السياسي، غير أنهم لا يريدون الخضوع للدولة المدنية بما فيها من قوانين تتقاطع مع مواقف المرجعيات الدينية وتتنافى مع أبجديات الدولة المدنية القائمة على الديمقراطية ونظام المؤسسات والقوانين. وتارة يحتجون ويتحدون في تمرير القانون داخل البرلمان. وفي الأثناء رسبت جماعة المعارضة التي رفعت شعار “البرلمان هو الحل” للخروج من أزمة التسعينيات، في أول اختبار حقيقي لمفرزات هذا البرلمان، إذ رفعت عريضة عام 2003 للقيادة لرفض إحالة القانون للسلطة التشريعية، ونظموا مسيرة عام 2005 لذات الغرض حشدوا فيها كل الطاقات لإخفاء القانون. فيما غاب شعار “البرلمان هو الحل” الذي ظلوا ينادون به ويتبجحون بأهميته في الحياة السياسية دون أي احترام لديمقراطية البرلمان. وبعد فشل المعارضة في استخدام ورقة تحشيد الشارع نسبة لكثرة ضحايا عدم سن القانون، اضطر عيسى قاسم وعبدالله الغريفي والشيخ حسين النجاتي في 2006 لتحريض نواب “الوفاق” علناً -في اجتماع- على رفض قانون أحكام الأسرة، إذا لم يكون خاضعاً للضمانات التي حددها العلماء أو قبول مدوّنة تعتمد رأي المرجع الأعلى للشيعة.
وفي عام 2008 ترجم النائب الوفاقي خليل المرزوق تنفيذ وصية الشيوخ الثلاثة حرفياً ورفض بحكم منصبه “آنذاك” كرئيس للجنة التشريعية وتوعد بـ«قبر القانون في اللجنة التشريعية”.
قاسم يتبنى معارضة القانون
صدر قانون الأحوال الشخصية “الشق السني” في عام 2009، ليرسم ملامحاً واضحة للتقاضي وفقاً لنصوص مستمدة من الشريعة الإسلامية والسنة النبوية الكريمة فيما ظل “الشق الجعفري” من القانون قابعاً في الأدراج يراوح مكانه، واعتبره بعض شيوخ الدين الذين يتلقون أوامرهم من إيران خطاً أحمراً، دونه الدماء، وكل ذلك إرضاء لملالي طهران وساداتهم من المراجع الدينية.
بدأت فكرة القانون في العام 1984، ولعدم وجود مجلس تشريعي وقتئذاك، اكتفت الأجهزة الحكومية بالتنوير الإعلامي لضرورة إصدار القانون، وركزت وسائل الإعلام على معاناة النساء في المحاكم الشرعية، للتأكيد على أن القانون هو المخرج الوحيد لإنهاء تلك المعاناة والماسي التي طال أمدها.
ومع عودة الحياة النيابية، نظم المطالبون بإصدار القانون اعتصاماً داخل مبنى وزارة العدل والشؤون الإسلامية في النصف الثاني من عام 2002، وسرعان ما علم بعض طلبة العلم بخبر الاعتصام، فتجمعوا على وجه السرعة ونظموا اعتصاماً مضاداً لاعتصام النساء.
ومع مطلع عام 2003، برزت على السطح رغبة إحالة مشروع قانون أحكام الأسرة لمجلس النواب، وعاد عدد من رجال الدين الشيعة من جديد للتصدي للفكرة، إذ وجهوا عريضة باسمهم إلى جلالة الملك المفدى لاحتواء الطرح المتعلق بسن قانون للأحوال الشخصية، توضح ما أسموه “الموقف الشرعي” لهذا الطرح وتتضمن رفض تقنين الحكم الشرعي وتُحذّر من مناقشة مجلس النواب لمشروع هذا القانون واصفة ذلك بأنه سابقة خطيرة. دون أن يعطوا في المقابل آلية لرفع الضيم والظلم عن هؤلاء النساء اللائي ظُلِمن بعدم وجود القانون. وتبنى العريضة التي وقع عليها سبعة من كبار رجال الدين الشيعة من بينهم، عيسي قاسم، وجواد الوداعي، وعبدالله الغريفي، وحسين نجاتي، وحميد المبارك. وحسبما جاء في عريضتهم “في هذه المرحلة التي تحمل شعار الشفافية والانفتاح نجد الفرصة مناسبة جداً أن نعبر بصراحة كبيرة عن موقفنا من إقحام المجلس النيابي أو غيره في التشريع للأحوال الشخصية، الأمر الذي يعني سابقة خطيرة لها تداعياتها وانعكاساتها الصعبة على المستوى الديني والأخلاقي والاجتماعي بما يصل إلى حد التلاعب بالأعراض والأنساب”.
وبناء على ذلك أكد العلماء رفضهم مسألة تقنين الأحكام الشرعية، وجاء في عريضتهم التي رفعوها ما هو مخالف لمطالبهم بـ«البرلمان هو الحل” و«الدولة المدنية”، حيث جاء في العريضة “وبناء على ذلك فإنه لا يسعنا من ناحية الحكم الشرعي الملزم القبول بأي حال من الأحوال بالتقنين في مجال الحكم الشرعي في دائرة الأحوال الشخصية بإخضاعها وطرحها للتصويت في المجلس الوطني أو غيره، ولا تحميل مذهب على مذهب”. وكأنما أرادوا أن يقولوا “نريد برلماناً بمواصفاتنا الخاصة، ننتخب ونصوت لأشياء ونترك أشياء أخرى”.
النواب على الرفض
ولما كان قانون الأحوال الشخصية يمثل حجر عثرة كبيرة على رجال الدين التابعين لأوامر طهران، حشد المجلس العلمائي غير المرخص في منتصف عام 2005 لمسيرة طالبت بتوفير “ضمانات دستورية مجزية” لإصدار أول قانون بحريني لأحكام الأسرة. وكان الحضور النسائي الذي تم تحشيده لافتاً غير أن بعض المتضررات من عدم وجود قانون للأحوال الشخصية وبعض الناشطات اللائي يطالبن بسن القانون غطين على اللائي تم حشدهن.
وأظهر البيان الذي خرج عن المسيرة تقية واضحة عندما طالب علماء الدين السنة والشيعة بأن “يوحدوا مواقفهم وخطابهم في وقت أصبح الإسلام مستهدفاً وفي وقت تتحرك المشروعات التي تحاول أن تسرق هوية الأمة وانتماءها وأصالتها”.
وفي الوقت الذي طالب فيه البيان الحكومة بألا تتسرع في الإقدام على تمرير القانون من دون الضمانات المطلوبة، حذر أعضاء البرلمان بـ«ألا يتورطوا في إقرار قانون لا تحكمه ضمانات شرعية ودستورية”. وقد استمعت كتلة الوفاق آنذاك للنداء ولبته على الوجه الأكمل.
وطالب البيان النخب الثقافية والسياسية والاجتماعية بـ«أن تستنفر” كل الإمكانات والقدرات والطاقات للوقوف ضد القانون. وتمنى المجلس العلمائي أن “تتفهم النساء موقفه النابع من منطلقاته الدينية الصادقة، وأن تتفهم الهوية الإيمانية والروحية والأخلاقية لهذا الشعب، حتى لا تنزلق هذه المؤسسات والجمعيات في منزلقات”.
وبعد فشل المعارضة في استخدام ورقة تحشيد الشارع نسبة لكثرة ضحايا عدم سن القانون، اضطر 3 من كبار العلماء في 2006 استدعاء النواب الشيعة للاتفاق معهم وقتئذ، إذ اتفقوا على القيام بخطوات عملية مؤثرة لمواجهة قانون أحكام الأسرة في حال لم يتضمن ضمانات دستورية.
وصدر عن بيان إثر اجتماع مطول لثلاث ساعات شارك فيه الشيخ عيسى قاسم والسيد عبدالله الغريفي والشيخ حسين النجاتي أكد التوافق المشترك على رفض قانون أحكام الأسرة، إذا لم يكن خاضعاً للضمانات التي حددها العلماء أو قبول مدوّنة تعتمد رأي المرجع الأعلى للشيعة.
المرزوق يتوعد بقبر القانون
بعد عامين من الفصل التشريعي الثاني الذي شاركت فيه كتلة الوفاق، أحالت الحكومة إلى البرلمان مشروع قانون الأسرة بشقيه السني والجعفري، وكان مقرراً إحالته إلى اللجنة التشريعية التي يترأسها آنذاك النائب الوفاقي خليل المرزوق، وتعالت الأصوات الرافضة لهذه الإحالة، إذا توعد المرزوق بقبر القانون في اللجنة التشريعية، ما لم تتوج الإحالة بضمانة دستورية (ألا يتعدل القانون إلا بموافقة المرجعية الدينية).
وأمام الأصوات الرافضة، لم يدرج الطلب على جدول الأعمال كما كان مقرراً، واتفق أعضاء هيئة مكتب النواب على مخاطبة الحكومة لسحب القانون، وسط مطالبات من كتلة المنبر الإسلامي بإدراج القانون السني، وبعدها بفترة أحالت الحكومة الشق السني لمجلس النواب ووافق عليه ومن ثم أحيل لمجلس الشورى ووافق عليه وصدر بمرسوم من قبل جلالة الملك في عام 2009.
وبعد الأحداث الدرامية للقانون والتقليد الأعمى للمراجع في قم والتمسك بالأوامر العليا من إيران، لازالت الضحايا تتساقط يوماً بعد آخر والأصوات المطالبة بصدور الشق الجعفري من القانون ترتفع من الطائفة الشيعية والمنظمات الحقوقية المحلية والعالمية.