كتب ـ عادل محسن:
دخل على عائلته وهي تتناول طعامها تحدث ببهجة عن ترشحه لنيل وسام فضي لإصابته مرتين بأعمال شغب وإرهاب، وسأله خاله مازحاً «لماذ لا تنال الوسام الذهبي؟»، فرد بتمني «ينالها من يفوز بالشهادة».
لم يمضِ يومان حتى شيع آلاف البحرينيون شهيد الواجب الشرطي عمران أحمد الذي لم يكمل سنتين في عمله شرطياً بوزارة الداخلية. «الوطن» زارت عائلة الشهيد وتحدثت والدته وشقيقاته الأربع عن شخصية عمران وكيف قضى يومه الأخير قبل أن يستشهد في تفجير إرهابي بمنطقة العكر مع زميله في موقع الحادث وتوفي لاحقاً بالمستشفى العسكري متأثراً بإصاباته البالغة.
ساعة قبل الوفاة
تقول والدة الشهيد «كان طموحاً ويحب مساعدة الآخرين ويحاول أن يكون شخصاً اجتماعياً وحاول باستمرار أن يستوعب خبر وفاة شقيقه الذي توفي بحادث مروري مؤخراً خلال توجهه للعمل بوزارة الداخلية». وتضيف «عمل ابناي في سلك الشرطة في نفس الوقت، ولم أكن أتخيل أني سأفقدهما يوماً من الأيام، وبعد وفاة ابني الأكبر كنت أخاف دوماً لحظة خروج ابني من المنزل للعمل، وما يواجهه وزملاؤه الشرطة من إرهاب وتخريب وشغب وتعرضهم للموت كل يوم، إلا أنه يحاول التخفيف عني وطمأنتي أن الوضع بخير».
وتواصل حديثها «اتصل بي قبل التفجير بساعة وكنت أسأله ما إذا تناول طعامه أم لا، وقال إنه سيأكل بعد قليل، فعمله كان في الفترة الأخيرة من الليل، وقبل ذهابه للعمل رفض أن أجهز ملابسه وأنظف حذاءه فهو يحب دوماً الاعتماد على نفسه حتى إن كان مستعجلاً ولم يتناول عشاءه حينها، وسأل عن حال شقيقاته والجميع».
أكبر شقيقات شهيد الواجب قالت إنها تهتم بالاتصال به يومياً في فترة عمله للاطمئنان عليه فهو أصيب مرتين برجله بسبب رمي الحجارة والأسياخ على الشرطة في بعض مناطق شهدت أعمال تخريب.
وزادت «أخبرني أنه بخير وأن الوضع طبيعي بالنسبة له، وكان رحمه الله شجاعاً، وبعد ساعة حصل الانفجار وانتشرت الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي وفي منتصف الليل تلقيت اتصالاً من أصدقائه قالوا إنه لم يصب بإصابات بالغة وأن إصابته عادية جداً وهو موجود بالمستشفى العسكري ولم نرغب أنا وشقيقتي أن نخبر أحداً كي لا يُصدم والديّ وهو في حالة جيدة والجرح بسيط وتمت معالجته بحسب أصدقائه إلا أن القدر كان الأسبق».
الاتصال الأخير
خال الشهيد أحمد مبارك لفت إلى أنه تلقى اتصالاً آخر من أصدقاء الشهيد في الساعة الثالثة فجراً «يخبرنا بوفاته وكانت صدمة كبيرة بالنسبة لي، وطلبوا مني القدوم بسرعة وكان والد الشهيد نائماً في الغرفة ولم أعرف كيف أخبره أن ابنه استشهد خلال أدائه عمله» وقال إنه أخفى أمر وفاة عمران وطلب منه الذهاب معه إلى المستشفى العسكري حيث يوجد هناك وذكر له أنه مريض.
وقال أحمد مبارك إنه جلس مع والد الشهيد في غرفة الانتظار مدة ساعة وجاء بعدها شرطي وأخبر الأب باستشهاد الابن وكانت صدمة كبيرة له، وسقط في المستشفى مغشياً عليه وتم علاجه في الطوارئ ووضعه تحت الملاحظة لأكثر من ساعة.
ويضيف خال الشهيد «بعد وفاة شقيق عمران كنت بمثابة الأخ الأكبر له، ولكن لا يستطيع أي شخص أن يحل مكان شقيقه المتوفى ولم أكن أشعر بالخوف من عمله بسلك الشرطة بل كانت معنوياته عالية جداً ويحاول أن يؤدي دوراً أكبر في حياة العائلة».
وأشار عم الشهيد محمد سجاد إلى أن عمران كان يفكر دوماً في مستقبل شقيقاته رغم أن سنه لم يتعد 19 عاماً، إلا أنه يسعى لتزويج شقيقاته وبناء منزل أكبر من الشقة الصغيرة التي يعيشون فيها، مضيفاً «كان يخطط لتزويج شقيقاته والاهتمام بهن إلى أقصى درجة ونوى الزواج في إجازة السنة المقبلة وكان حلمه بناء منزل أكبر لعائلته».
وقال العم إن العائلة تقدر كثيراً مشاعر البحرينيين والمقيمين الذين أتوا من كل مناطق البحرين لتشييع الشهيد ووقفتهم الصلبة وبصف واحد مع الأب الذي ساءت حالته من بعد وفاة ابنه، مشيراً إلى أن مشاركة وزير الداخلية في التشييع مهمة جداً للعائلة وكانت دفعة معنوية كبيرة ووعد خيراً مع رئيس الأمن العام طارق الحسن.
وأردف «مشاعر الجميع كانت لا تقل حزناً عنا ومنزلنا لم يخل من النساء البحرينيات الأصيلات اللاتي آزرن والدة الشهيد وطلبوا منها الثبات وأن شهادة عمران من شهادة أبنائهن، وطلبوا منها الصبر والاحتساب والدعاء له». وتابع «أن زيارة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، كان لها الأثر البالغ في نفوسنا وكانت زيارة مفاجئة ولها دلالات كبيرة على اهتمامه بالجميع صغيراً كان أم كبيراً» مستدركاً «ما نأمله حقاً أن تسلك العدالة مجراها ويتم تطبيق القانون على الإرهابيين المدانين بتفجير العكر وكل من يزعزع الأمن والاستقرار». وقال «دم ابننا غالٍ ولا يمكن أن نرتاح قبل تطبيق عقوبة الإعدام على القتلة، ونأمل أن تكون السلطات الأمنية فاعلة في هذا الدور وألا تتساهل أبداً معهم، وكلنا ثقة بالعدالة البحرينية، ولكن بوفاة الشقيق الأكبر لعمران خلال توجهه لعمله بوزارة الداخلية والمتسبب بالحادث المروري هرب ولم تطبق العدالة على من قتله، ولا نريد أن نبقى على نفس الحال ونرى أن الابن الآخر تذهب تضحيته للوطن سدى دون تطبيق القانون وشرع الله على القاتلين».
وتمنى أن تتيسر أمور العائلة وقال «كان عمران يسهم بشكل كبير في توفير مستلزمات المنزل فإخواته يدرسن ولديهن احتياجاتهن إضافة لإيجار المنزل والأعباء المعيشية على كاهل الأب المريض».