كتبت - شيخة العسم:
نظمت محافظات المملكة فعاليات بمناسبة «الحية بية» بأجواء عائلية وتراثية، وتعتبر «الحية بية» عادة وتقليد يمارسه البحرينيون منذ الصغر رغم تعدد المصادر واختلاط المعتقد الشعبي مع العادة، حيث يومون بزرع الحية بيه ويشرفون عليها ويعتنون بها يومياً لكنهم لا يعلمون الهدف منها أو أصلها، وهناك الكثير من التفسيرات لأصل الحية بية، إذ يعتبرها البعض أضحية الطفل بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك فكما للكبار أضحية فللصغار أيضاً، وفي تفسير آخر يقال إن «الحية بية» أحد الطقوس القديمة التي لها علاقة في مرحلة تعدد الآلهة حيث كان لكل ظاهرة إله كالرياح والمياه والبرق وغيرها.
فكان مجتمع البحرين قبل الإسلام يقوم بالتضحية للبحر لأن يعود البحارة سالمين إلى ديارهم كما كان في مصر من تقديم أضحية لنهر النيل حتى لا يهيج عليهم بفتاة جميلة ترمى في النهر فسميت بـ»عروس النيل» وهكذا حتى جاء الإسلام إلا أنه مازال المجتمع يحتفظ بالفكرة إلا أن الأضحية اختلفت وقد أصبحت بمناسبة رجوع الحجاج بالسلامة إلى ديارهم» وفى هذا اليوم الشعبي يتزين الأطفال باللباس الشعبي فتلبس الفتاة ثوب «البخنق» المطرز بخيط الزري الذهبى أما الولد أو الصبي يلبس الثوب والصديري مع «القحفية «وهو غطاء الرأس ويكون الأطفال في أجمل حلة فيتوجهوا مع آبائهم وأمهاتهم قبل حلول غروب الشمس مع أصدقائهم وأهاليهم إلى أقرب ساحل بحر ثم يبدؤوا احتفالهم الشعبي بالافتخار بملابسهم وبجمال / الحية / المعلقة على رقابهم ويبدأ الأطفال بهز الحية بية والتي تحتوي على سماد مع زرع وهم يرددون حية بيه.. راحت بية.. ويات حية..على درب الحنينية حتى آخر الأنشودة.
لـ«الحية البية» أبعاد ثقافية واجتماعية
يقول محمد حسن الجار 51 سنة عن «الحية بية» إن للحيه بية مكاناً في نفوسنا منذ الصغر حيث كنا أنا وأصحابي نتنافس أي الزرع أكبر وإلى الآن أنا أشجع أحفادي على هذه العادة حتى لا تنقطع وتندثر وفي رأي أن للحية أبعاد ثقافية واجتماعية منها تعليم الطفل المسؤولية ومهنة الأجداد في كيفية الزراعة والاعتناء بها أيضاً يعلم الطفل معنى العطاء فبعد أن قام بعمل أمر بنفسه وهو أكيد عزيز على نفس الطفل يقوم بالتضحية بها لرجوع الحجاج سالمين».
أم راشد 29 سنه تقول «كل سنة يقوم زوجي بأخذ ابني إلى الحية بية وهذه السنة ذهب إلى الحج ولهذا أمتنع ابني من الذهاب على الرغم من أن الروضة خصصت رحلة لإحياء هذا التقليد إلا أن ابني رفض الذهاب بدون أبيه كنا نتمنى أن يذهب حتى يحي هذا التقليد ويحمله للأجيال القادمة».
ومن جانبه تقول مديرة روضة «الأنجال» ضياء السادة إن «الروضة تقوم سنوياً بتخصيص يوم ما قبل يوم عرفة لرحلة لأطفال الروضة لإحياء هذه العادة الجميلة والمتوارثة من أجدادنا حيث قامت الروضة بتخصيص أربعة باصات لتنقل الأطفال لبلاج الجزائر للقيام برمي «الحيه بية» هناك وقد قمنا بتوزيع الحية بية على الأطفال وقد وفرنا وجبات لهم للرحلة وقد وجهنا دعوة للأمهات ممن يرغب منهن بالمجيء لحضور الفعالية» وبالنسبة لتقبل الأطفال وأولياء الأمور تقول السادة «بالعكس أرى تقبلاً كبيراً جداً وإقبالاً من قبل أولياء الأمور وهناك حالات نادرة جداً لا يسمح بها البعض من قدوم أولادهم وذلك بسبب خوفهم عليهم ليس إلا».
تعدد المصادر واختلاط المعتقد الشعبي مع العادة
وقال رئيس قسم الدراسات والبحوث لإدارة الآثار والتراث إبراهيم سند حول أصل عادة «الحية بية» «هناك تعدد في المصادر والمعلومات والتي تتعلق بأصل ونشأة العادات والتقاليد بشكل عام والتي تكون من الصعوبة تحديد العمر الزمني لها وذلك بسبب اختلاط موضوع المعتقد الشعبي مع العادة ونحن كباحثين نستطيع القول إن هذه العادة هي من العادات القديمة المتوارثة من أزمنة ساحقة وقد جاءت للبحرين على شكل معتقد وبعد ذلك تم إضافة هذا المعتقد وبحكم التكرار والممارسة أصبحت نوعاً من العادة المستحبة في المجتمع البحريني».
وأضاف سند «البعض يقول عن الحية بية إنها كانت ممارسة لشعوب وحضارات قديمة تعود لآلاف السنين منها الحضارة الفرعونية والحضارة الهندية, ومثال على ذلك أن يتم اختيار فتاة جميلة وإلباسها ثوباً جميلاً يتم التضحية بها للمياه خوفاً من الفيضانات».
ويواصل سند «ولكن السؤال في أن البحرين تأثرت» أقول نعم تأثرت بشكل كبير وذلك بسبب الهجرة البشرية فالرما أقوام سابقة قد تركت في البحرين مثل هذا الاعتقاد وأصبح عادة».
وبيّن سند الارتباط بين هذه العادة والعيد الأضحى فيقول تم إسباق الجانب الإسلامي على هذه العادة وأصبحت مرتبطة بشكل جذري بالعيد الأضحى وهذا الأمر جعل الحية بية محببة».
أما بالنسبة لما يقال بأن الحية هي تضحية الطفل فيقول سند إن «هذا هو المعادل الموضوعي للمسألة وكون الطفل لا يتجزأ من مكونات المجتمع فقد أخذت هذه الاحتفالية طابعاً طفولياً، وأصبح للطفل أضحية يضحي بها وذلك عن طريق زرع الحية بنفسه عن طريق بذور تشترى كالماش الحب الشعير والتي تكون سريعة النمو ولا تحتاج لأكثر من أسبوع إلى عشرة أيام ويتم ذلك عبر احتفالية بليلة الوقوف بعرفات وترمى في البحر».
ولمعرفة الفرق بين كيفية الاحتفال بها بين السابق واليوم فيقول سند «كان في السابق يرمون الحية بية بعد غداء العيد مباشرة وهم يرددون «عشيتج وغديتج ونهار العيد قطيتج» أما الآن فيتم رميها ليلة الوقوف بعرفه في السابق كانت البحرين بكل مناطقها وسواحلها تحتفل بشكل عفوي أما الآن فتكون تحت تنظيم من قبل مؤسسات وتقوم بالإشراف عليها في السابق ويكون التفاعل بشكل كبير من قبل الأطفال بحب وشوق بانتظار رميها الآن ونجد التفاعل قليلاً في السابق تكون الحية من سلال خوص أو علب كالأناناس ويكون السماد حيوانياً أما اليوم فهو صناعي في السابق كانت دول الخليج تحي هذه العادة ومؤخراً تنفرد البحرين بإحياء هذه العادة مع بعض المناطق الساحلية كالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية».
ولسؤالنا عما إذا كانت هذه العادة ستندثر في المستقبل فيقول سند إن «كل عادة تمر بثلاث مراحل مرحلة الميلاد وهي البداية مرحلة العنفوان وهي مرحلة ازدهارها ومن ثم مرحلة الزوال والانقراض وهي النهاية وبما تحظى به الحية بية من مكانة لدى الشعب البحريني فإنه يصعب أن تنتهي لأنها أصبحت من تاريخ ثقافة المجتمع ومغروسة في ذاكرة الوطن».
أهازيج «الحية بية»

حية بية.. راحت حية..
ويات بية.. على درب الحنينية..
يا حيتي حيي بي.. بيت مكة دقي بي..
اشربي من ماي زمزم.. وادعي لديارنا تسلم..
حية بية.. راحت حية.. ويات بية.. على درب الحنينية..
يا رب أعيادنا دوم.. فرحة عدونا في البحر طابعة..
عشيتج وغديتج نهار العيد لا أتدعين علي..
حية بية.. راحت حية.. ويات بية.. على درب الحنينية..
يا حيتي غديتج وعشيتج ونهار العيد قطيتج..
مع السلامة يا حيتي.. أمنتج الله وبري ذمتي..
وعند رميها يردد الأطفال:
اشربي من ماي زمزم، واشربي من قطرة الدم
ومنهم من يقول: ضحيتي ضحيتي، حجي بي حجي بي،
إلى مكة إلى مكة، زوري بي زوري بي،
واشربي من حوض زمزم زمزم،
واشربي من نقعه الدم الدم، وزوري القبة المعمورة المعمورة،
فيها السلاسل والذهب والمنورة.. والبعض يقول: اشربي يالحاجية.