قال مستشار الملك للشؤون الدبلوماسية، رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة د. محمد عبد الغفار إنه رغم ما تبذله القيادة البحرينية لتوطيد العلاقات المجتمعية وإطلاق الحوار، إلا أن خطر الجماعات المتطرفة العابرة للحدود، والتي تخدم أجندات قوى إقليمية تسعى إلى بسط نفوذها عبر إثارة التناقضات المذهبية، تهدد أمن واستقرار الدول المجاورة، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة والمتسارعة في المنطقة العربية ضرورة تعميق التعاون الأمني. كما أشار عبدالغفار في ندوة عقدها في لندن أمس إلى أن التاريخ يعيد نفسه، إذ تداخلت عوامل داخلية وخارجية وقوى إقليمية ودولية لتفضي إلى وقوع أزمة سياسية في البحرين شهر فبراير 2011. ومن المؤسف أن بعض الجهات استغلت الفورة الشعبية غير المنضبطة في المملكة خلال ما أطلق عليه اسم “الربيع العربي”، لتتبنى أجندات سياسية تخدم جهات خارجية، وفي الوقت ذاته لم تكن التقارير الإعلامية الصادرة موضوعية أو متوازنة في تغطيتها لتلك الأحداث. وقال المستشار إن العلاقات البريطانية البحرينية تميزت بالتوافق على استراتيجية عامة تتمثل بالتعاون في مجالات الأمن الوطني والأمن الإقليمي، وإن تباينت الآراء بين الفينة والأخرى حول بعض القضايا، خاصة فيما يتعلق بتسرع بعض الجهات الإعلامية والسياسية لتبني أنشطة عناصر ترتبط بتنظيمات ثيوقراطية (دينية)، وبأجندات تسيرها أجهزة استخبارات معروفة. وأوضح أن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى دشن مشروعه الإصلاحي منطلقاً من وعيه بحركة التاريخ، وضرورة تعميق بنية الدولة المدنية، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية لتشكل دعائم دائمة لمملكة دستورية تواكب احتياجات البحرين وتطلعات الغالبية من أبنائها في بناء الدولة المدنية. ورأى عبد الغفار أن التعاون الاقتصادي بين البلدين مثل أحد أهم الأسس، حيث يبلغ عدد فروع الشركات البريطانية في البحرين نحو 520 وكالة، في حين تتخذ 88 شركة بريطانية من المنامة مقراً لأنشطتها في مجالات البنوك والنفط والتأمين والاستثمار. ونظم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة ندوة في لندن أمس بعنوان “العلاقات الأمنية البريطانية - البحرينية: التعاون الثنائي في عصر التغيير”، بالتعاون مع المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية The Royal United Services Institute for Defence and Security Studies (RUSI)، وذلك بمشاركة النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو، ورئيس تحرير صحيفة “أخبار الخليج” أنور عبدالرحمن، وكبير الباحثين بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة د. بشير زين العابدين، وعدد من الخبراء والأكاديميين البريطانيين والأوروبيين. في حفل افتتاح الندوة وتحدث في افتتاح الندوة مدير دراسات الأمن الدولية بالمعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية “RUSI” د. جوناثان ايال، مشيداً بالتعاون الذي يجمع المركزين، خاصة وأن الندوة تعد الثانية ضمن سلسلة فعاليات تهدف لمناقشة العلاقات البريطانية البحرينية. وعقب ذلك، تحدث عبد الغفار مشيراً إلى الأوجه المتعددة للاهتمام بالبعد التاريخي في العلاقة بين بريطانيا والبحرين ومن أهمها: أن التاريخ والسياسة متلازمان يصعب فصلهما عن بعضهما البعض، إذ إن العلوم السياسية من غير التاريخ لا جذور لها، وعلم التاريخ من غير العلوم السياسية لا نتيجة منه. أما السبب الثاني فيتعلق بما توفره المصادر التاريخية من عملية مستمرة في تطوير البحث العلمي، وظهور معلومات جديدة تسهم في مراجعة القناعات السائدة وتطوير المعارف كلما فتحت دور الأرشيف والمكتبات الوطنية سجلاتها. وقال المستشار: “لقد كان لظهور كتاب ديفيد فرومكين (David Fromkin): (سلام لإنهاء السلام) (A Peace to End All Peace: The Fall of the Ottoman Empire and the Creation of the Middle East) عام 1989 على سبيل المثال دور في مراجعة العديد من الحقائق التاريخية المتعلقة بالأثر السلبي لمعاهدات السلام التي أبرمت بعد الحرب العالمية الأولى بشأن تشكيل خارطة الشرق الأوسط، فعندما نراجع الوثائق التي تم الكشف عنها في الآونة الأخيرة، نستنتج أن الجانب النفسي لدى الشعوب والحكام يعتبر عاملاً مؤثراً في الدورة التاريخية (historical cycle)؛ فحكام الخليج العربي وشعوبه وجدوا معاملة مختلفة من قبل بريطانيا عن تلك التي عاملوا بها أهل البلاد التي خضعت لاستعمارهم في الهند والعراق وفلسطين ومصر، فقد تركز اهتمام بريطانيا في الخليج العربي على تنظيم حركة المواصلات وإبرام معاهدات تحقق السلم البحري وتضمن انسياب حركة الملاحة والتجارة”. وتابع: “لذلك فإن شعوب المنطقة وحكامها لم يتعرضوا للضغوط النفسية والتعقيدات السياسية التي تنتج عن أنظمة الاستعمار أو الوصاية أو الانتداب، بل قامت بريطانيا بفرض حمايتها على إمارات الخليج العربي من أطماع القوى الإقليمية”، وهذا ما أكده اللورد كرزون خلال زيارته للخليج العربي عندما لخص مبدأ تبادل المصالح بين بريطانيا ودول الخليج العربية في خطاب له بحضور حكام المنطقة في زيارة رسمية للمنطقة في شهر نوفمبر 1903، حينما أوضح بأن بريطانيا العظمى تقوم بممارسة سلطات في منطقة الخليج العربي لإيجاد النظام بدلاً من الفوضى قائلاً: “كانت تجارتنا مهددة كما كان أمنكم مهدداً. وقد تطلب ذلك حمايتنا.. لقد فتحنا هذه المياه أمام سفن الأمم جميعها ومكنا لأعلامها أن تخفق بسلام، لم نغتصب بلادكم أو نستولي عليها، ولم نقض على استقلالكم، بل حافظنا عليه.. يجب المحافظة على صيانة الأمن في هذه المياه، ويجب دعم استقلالكم”. وأضاف عبد الغفار: “أنه يجدر التأكيد هنا على اهتمام اللورد كرزون بالمحافظة على استقلال دول الخليج العربية، وكذلك على تقدير بريطانيا لمصالح دول الخليج العربية التي حرصت بدورها على احترام المصالح المشتركة بدءاً من القضايا الاستراتيجية التي تربط بين الدول الحليفة وانتهاء بالقضايا الاقتصادية والتجارية، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن بريطانيا استخدمت القوة العسكرية ضد محاولات الخروج على مفهوم السلم البحري والاستقرار بين مشيخات الخليج العربي آنذاك”. وحول العلاقات بين بريطانيا ودول الخليج العربية، أشار رئيس مركز البحرين للدراسات إلى أنها لم تسر بطريقة نمطية جامدة، وإنما شهدت تفاعلات بين النخب السياسية فيما يتعلق ببزوغ فترة التحديث وبناء الدولة المدنية، والتي بدأت في البحرين قبل غيرها من دول المنطقة، حيث ظهرت قناعة مشتركة بأن الإصلاح السياسي والاقتصادي مكملان لمسيرة التطوير في البحرين، ولذلك دعمت بريطانيا الإصلاحات التي تبناها الشيخ عيسى بن علي خلال فترة حكمه (1869-1932)، وإن اختلفت الرؤى بين الفينة والأخرى حول نوعية الإصلاح وسرعة وتيرته. وقال عبد الغفار: “إنه إذا أمعنا النظر في الظروف التاريخية التي طرأت في تلك الفترة؛ فإننا سنلحظ أن التطورات الإقليمية كانت تؤثر على مشاريع الإصلاح السياسي، فقد كان لهذه التفاعلات الإقليمية وما تزامن معها من تنافس دولي أثرا على وتيرة الإصلاح الداخلي في البحرين إبان خمسينات القرن العشرين. وألقت الأحداث الخارجية في السبعينات بظلالها على التجربة البرلمانية الأولى في البحرين، ومنها اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وصعود المد اليساري، وحركة التمرد في ظفار، وظهور بوادر الثورة في إيران؛ وأسهمت هذه العوامل مجتمعة في عرقلة مسيرة الإصلاح السياسي في البحرين، خاصة وأن أغلب القوى السياسية الفاعلة في البحرين كانت تمثل فروعاً لجماعات أيديولوجية خارج إطار الحدود الوطنية، ويمكن مقارنة هذه العوامل بالوضع السياسي اليوم حيث تنتمي غالبية التيارات الدينية لمنابت تتجاوز حدود الوطن”. وأكد المستشار أنه على الرغم من تلك الصعوبات؛ فقد دشن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى في مطلع الألفية الثالثة مشروعه الإصلاحي منطلقاً من وعيه بحركة التاريخ، وضرورة تعميق بنية الدولة المدنية، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية لتشكل بدورها دعائم دائمة لمملكة دستورية تواكب احتياجات البحرين وتطلعات الغالبية من أبنائها في بناء الدولة المدنية القائمة على التنمية الاقتصادية والسياسية المستدامة، والتي تسهم بدورها في تحقيق علاقات متوازنة بين أبناء المجتمع الواحد”. وأشار إلى أن التاريخ يعيد نفسه في تلك الأحداث، حيث: “تداخلت عوامل داخلية وخارجية لتفضي إلى وقوع أزمة سياسية في شهر فبراير من العام الماضي جاءت كنتيجة لمحاولات تدخل قوى إقليمية ودولية. ومن المؤسف أن بعض الجهات استغلت الفورة الشعبية غير المنضبطة في البحرين خلال ما أطلق عليه اسم “الربيع العربي”، لتتبنى أجندات سياسية تخدم جهات خارجية، وفي الوقت نفسه لم تكن التقارير الإعلامية الصادرة عن الجهات الإعلامية موضوعية أو متوازنة في تغطيتها للأحداث، وهذا ما دفع بجلالة الملك إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، حيث هدف من وراء ذلك إلى إظهار الحقيقة لشعبه وللعالم أجمع ولتوضيح طبيعة الأحداث التي وقعت، بعيداً عن أي مؤثرات سياسية أو إعلامية. وتابع أنه إثر صدور تقرير اللجنة، عمد عاهل البلاد المفدى إلى تشكيل لجنة وطنية لتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة رئيس مجلس الشورى على الصالح، الذي قدم تقريره حول جهود سائر الوزارات في تنفيذ توصيات اللجنة يوم 20 مارس الجاري. كما بدأ عدد من المسؤولين في الآونة الأخيرة التواصل مع مختلف الجهات ومؤسسات المجتمع المدني لطرح الرؤى وتبادل وجهات النظر حول مستقبل البلاد. وأكد عبد الغفار أنه على الرغم مما تبذله القيادة في البحرين من أجل توطيد العلاقات المجتمعية وإطلاق الحوار، إلا أنه لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى خطر الجماعات المتطرفة العابرة للحدود، والتي تخدم أجندات قوى إقليمية تسعى إلى بسط نفوذها عبر إثارة التناقضات العرقية والمذهبية، وتهدد أمن واستقرار الدول المجاورة، وأثبتت الأحداث الأخيرة والمتسارعة في المنطقة العربية ضرورة تعميق هذا التعاون الأمني في هذا المجال. أما على صعيد العلاقات بين بريطانيا والبحرين؛ فرأى رئيس مركز الدراسات أن التعاون الاقتصادي مثل أحد أهم الأسس، حيث يبلغ عدد فروع الشركات البريطانية في البحرين نحو 520 وكالة، في حين تتخذ 88 شركة بريطانية من البحرين مقراً لأنشطتها في مجالات البنوك والنفط والتأمين والاستثمار، ونظراً لتعزيز مفاهيم التعاون الخليجي فقد أصبحت العلاقات الثنائية بين البحرين وبريطانيا ذات أبعاد مشتركة مع دول المجلس الأخرى، والتي تشكل نظاماً إقليمياً متكاملاً، وبنية اقتصادية موحدة؛ حيث تنتج دول المنطقة أكثر من 30 بالمائة من احتياجات النفط العالمية و14 بالمائة من إنتاج الغاز العالمي، وتتوقع الدراسات الأخيرة في مجال الطاقة أن يتضاعف الطلب العالمي على النفط بنحو 50 بالمائة بحلول عام 2030. وبالنسبة لبريطانيا، فإن دول الخليج العربي تعتبر سابع أكبر مستورد للبضائع البريطانية؛ حيث بلغت قيمة البضائع البريطانية المصدرة للمنطقة في العام الماضي نحو 15 مليار جنيه إسترليني، وهو رقم يفوق ما تصدره المملكة المتحدة للهند والصين معاً، وبلغ نصيب البحرين من مجموع قيمة التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون والمملكة لمتحدة عام 2010 نحو 337 مليون دولار. وتتحدث المصادر عن وجود نحو 160 ألف مواطن بريطاني يقيمون ويعملون في دول مجلس التعاون الخليجي، في حين تقدر قيمة الاستثمارات الخليجية في المملكة المتحدة بنحو 2.25 مليار دولار في أسواق العقارات، والخدمات المصرفية ومشاريع البنية التحتية، ويعزى ذلك إلى ما تقدمه هذه الدول من مناخ استثماري آمن. ورأى عبد الغفار أن العلاقات بين بريطانيا والبحرين تميزت بالتوافق على استراتيجية عامة تتمثل في التعاون في مجالات الأمن الوطني والأمن الإقليمي، وإن تباينت الآراء بين الفينة والأخرى حول بعض القضايا، خاصة فيما يتعلق بتسرع بعض الجهات الإعلامية والسياسية لتبني أنشطة عناصر ترتبط بتنظيمات ثيوقراطية (دينية)، وبأجندات تسيرها أجهزة استخبارات معروفة. وأكد أن العلاقة بين مملكة البحرين والمملكة المتحدة مبنية على أسس من الصداقة والفعالية المتطورة والمتنوعة، ولها جذور راسخة في عمق تاريخ العلاقات بين البلدين، ولا شك في أن استمرار هذه العلاقات وتطورها ونموها أمر إيجابي لمصلحة البلدين، حيث تشترك الدولتان في هموم مشتركة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية في منطقة الخليج العربي للمحافظة على الأمن والاستقرار، ولا شك في أن بعض القضايا التي تختلف الرؤى فيها وتتعدد الآراء في سبل حلها تتطلب تفعيل الحوار الاستراتيجي بين النخب المثقفة وصناع القرار في البلدين. الجدير بالذكر أن هذه هي الندوة الثانية التي يقيمها المركز البحريني للدراسات بالتعاون مع المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية، وسبق أن نظم المركز ندوة بعنوان “العوامل الخارجية المؤثرة على العلاقات البريطانية البحرينية: آفاق التعاون الإقليمي” خلال شهر فبراير الماضي في البحرين.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90