قال مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة د.محمد عبدالغفار، إن مشكلات الصراع والتنافس الإقليمي والدولي الراهنة في منطقة الخليج العربي تشكل قلقاً دائماً لقادة دول المنطقة وشعوبها، بعد أن تجاوزت الحدود المعقولة للتنافس المنضبط باعتباره نمطاً معروفاً في السلوك الإقليمي والدولي لدول المنطقة والقوى الفاعلة من خارجها.
ولفت في كلمته أمام مؤتمر «الصراع والتنافس في منطقة الخليج العربي» أمس، إلى تزايد النداءات الداعية إلى شن حرب جديدة في هذا الإقليم بعد عانى من 3 حروب مدمرة، ما يمثل مصدر قلق وخوف لدى شعوب المنطقة، مشيراً إلى أن ملامح التنافس في الخليج العربي تتشكل من خلال مثلث استراتيجي تتداخل خيوط الصراع فيه وتتشابك على أضلاعه الرئيسة وتتكون من دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية وإيران.
وأضاف عبدالغفار أن التحولات في منطقة الشرق الأوسط لعبت دوراً في تغيير بعض قواعد المعادلة ضمن المثلث الاستراتيجي، موضحاً «فيما حافظت الولايات المتحدة على دورها المحوري العسكري على مستوى الخليج والعالم، تراجع دورها نسبياً في العراق».
ونبه إلى أنه على أضلاع الجغرافية السياسية المتحركة لهذا المثلث الاستراتيجي تمكن التنظيم الإقليمي لدول مجلس التعاون من الصعود على المحور الجيو- اقتصادي، ما أدى إلى تعزيز قدرات دوله على اتخاذ مبادرات تصب في مصالحها الوطنية، بتحصين جبهتها الداخلية حتى لا تكون عرضة للاستغلال والاختراق من جهات خارجية.
وقال إن دول مجلس التعاون اتخذت قراراً استراتيجياً في غضون العقود الثلاثة الماضية بتركيز جل جهودها على تعزيز اقتصادها الوطني، وتطوير مؤسسات الحكم ونظمها السياسية من خلال الإصلاح التدريجي وفق خصوصية خليجية تضع في حسبانها التوازنات السياسية والاجتماعية من ناحية، وتجعل من تحسين مستوى الخدمات التعليمية والصحية والتطوير الإداري هدفاً لها من ناحية أخرى.
وأكد أن دول مجلس التعاون الخليجي قطعت شوطاً في ترسيخ التعاون العسكري والأمني فيما بينها وفق الاستراتيجية الدفاعية الشاملة المعتمدة في قمة الكويت 2009، وعملت على تعزيز مفهوم الأمن الجماعي.
وحذر من أن إيران تسعى إلى تحقيق الاعتراف بها كقوة إقليمية قادرة على حفظ الأمن في الخليج العربي، وترى أن السبيل الوحيد لتحقيق أمنها هو تطوير برامج تصنيع عسكرية وتكنولوجيا نووية متقدمة فضلاً عن مد نفوذها في دول الشرق الأوسط بأدوات ووسائل مختلفة. وأضاف أن مشكلة إيران لا تقتصر على رغبتها في لعب دور إقليمي مهيمن فحسب، وإنما تكمن معضلتها الأساسية في أنها لا تريد أن تنسجم ولو بنسب متفاوتة مع حقائق السياسة وضروراتها في البيئة الإقليمية والدولية وفقاً لمنظور شكله النظام الإيراني للعالم.
وقال «تم سابقاً فتح قنوات اتصال من قبل واشنطن مع الإيرانيين ولكن سرعان ما كانت طهران توصد أبواب التواصل وتغلق تلك القنوات مع واشنطن بعد لقاءات معدودة»، لافتاً إلى أن هذا الإيراني يبين - وفقاً للمختصين في شؤون الخليج العربي - أن إدامة واستمرار التوتر والأزمات تصب في المصلحة الإيرانية في الوقت الراهن، وهناك في المقابل ثوابت في السياسة الخارجية الأمريكية تتمثل في حفظ أمن حلفائها، وحماية موارد الطاقة.
وأكد عبدالغفار أنه يصعب التغاضي عما تواجهه البحرين من محاولات للزج بها في معادلة التوازنات الأمنية والاستراتيجية بالمنطقة، وخاصة بالنسبة لإيران ومحاولاتها تقليل خسائرها في الساحة السورية من خلال توجيه سهام خطابها الإعلامي عبر عدد كبير من القنوات الفضائية والصحف التابعة لها ضد البحرين، حيث تقدر إحدى الدراسات عدد القنوات الفضائية الداخلة في عداد النفوذ الإيراني بأكثر من 71 قناة فضائية، إضافة إلى عدد من الإذاعات والصحف والمؤسسات الإعلامية التابعة لها، علماً أن هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية تملك نحو 35 قناة إذاعية وتلفزيونية حكومية، تبث العديد من البرامج باللغة العربية وغيرها من اللغات.
ولفت إلى أنه في ظل المشهد الإقليمي القلق ينبغي على دول مجلس التعاون تحديد خيارات استراتيجية تتيح لها التفاعل مع أي مستجدات تهدد أمنها وأمن المنطقة برمتها، واستثمار الديبلوماسية الخليجية المتوازنة لتأكيد أن هذه الدول شريك إقليمي يعتد به، والتوافق على استراتيجية مشتركة للتعامل مع المهددات النابعة من المنطقة.
ودعا إلى ضرورة إيجاد وسائل عملية للتعامل مع جماعات التطرف التي تمثل تهديداً لأمن واستقرار دول الخليج العربية، من خلال التأسيس لمشروع ثقافي يحد من خطر الإيديولوجيات الراديكالية، ويعالج مشاكل المجتمعات في إطار الهوية الوطنية والانتماء، ويتبنى سياسة خارجية تحسن التعامل مع المنظمات الاقتصادية والسياسية الدولية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية الشاملة.