حذر علماء وشيوخ دين من «خطر إصدار الفتاوى واتباعها دون علم»، مشيرين إلى أن «تلك الفتاوى تؤدي إلى أحداث بلبلة في الرأي العام». وأضافوا أن «ظاهرة الفوضى في الفتاوى الدينية عبر وسائل الإعلام أو غيرها، لها آثار خطيرة على المجتمع ومصلحة الأمة، وتتجلى هذه المخاطر في جوانب متعددة من أهمها صعوبة تداركها بعد انتشارها، واتساع رقعة الجدل وإلهاء الأمة عن مصالحها، والإسهام في إضعاف مكانة العلماء أمام شرائح المجتمع وعدم الوثوق بهم».
وذكروا أنه «لأجل هذه المخاطر يجب مقاومتها عن طريق التذكير بكلام العلماء الأوائل وورعهم عن الفتوى وعدم التصدي لها إلا للضرورة، وإحالة الفتاوى المشكلة للمجامع الفقهية وهيئات الإفتاء، ووضع ضوابط لوسائل الإعلام ينظّم ما يُعرض وما ينشر فيما يخص الإفتاء».
ودعوا إلى «الرحمة بأبناء الأمة، وعدم تضييق الأمور عليهم، وقبول الحد الأدنى من المسلمين بإسلامهم، وبالحد الذي به ينجون وتتم لهم السعادة في الدارين».
فتوى السلف الصالح
من جانبه، قال الشيخ صهيب عبد الرزاق شريف إنه «لما كان المفتي يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم، فهو خليفته ووارثه، وهو نائب عنه في تبليغ الأحكام، وتعليم الأنام، ومن هنا، عظم أمر الفتوى وخطرها، وقل أهلها ومن يخاف إثمها وخطرها، وأقدم عليها الحمقى والجهال، ورضوا فيها بالقيل والقال، وغرهم في الدنيا كثرة الأمن والسلامة، وقلة الإنكار والملامة».
وأشار إلى أن «الله تبارك وتعالى حذر من القول عليه بغير علم، فقال في كتابه العزيز: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».
وأضاف: «لقد أرعبت تلك الآية وهذا الحديث قلوب سلف هذه الأمة وقضَّتْ مضاجعهم، فحملتهم على التورع عن الفتوى، وكانوا يتدافعون الإفتاء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. فقد روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: «أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول الله (ص) يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول». وسئل عمر بن عبد العزيز عن مسألة فقال: «ما أنا على الفتيا بجريء». وقال سفيان الثوري: «أدركنا الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفتيا حتى لا يجدوا بداً من أن يفتوا وإذا أعفوا منها كان أحب إليهم».
وتابع الشيخ عبدالرزاق شريف «كان السلف يعظمون أمر صدور الفتوى من غير أهلها. فقد دخل رجل على ربيعة بن عبد الرحمن فوجده يبكي فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه. فقال له: أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا، ولكن استفتى من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم، قال ربيعة: ولبعض من يُفتى ههنا أحق بالسجن من السراق. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية شديد الإنكار على أدعياء العلم الذين يتصدرون للفتيا فقال له بعضهم يوماً: أجعلت محتسباً على الفتوى؟ فقال له: يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب».
خطر الفتوى بغير علم
وأوضح أن «ظاهرة الفوضى في الفتاوى الدينية عبر وسائل الإعلام أو وغيرها، لها آثار خطيرة على المجتمع ومصلحة الأمة، وتتجلى هذه المخاطر في جوانب متعددة من أهمها: صعوبة تداركها بعد انتشارها، واتساع رقعة الجدل وإلهاء الأمة عن مصالحها، والإسهام في إضعاف مكانة العلماء أمام شرائح المجتمع وعدم الوثوق بهم».
وذكر أنه «لأجل هذه المخاطر يجب مقاومتها عن طريق التذكير بكلام العلماء الأوائل وورعهم عن الفتوى وعدم التصدي لها إلا للضرورة، وإحالة الفتاوى المشكلة للمجامع الفقهية وهيئات الإفتاء، ووضع ضوابط لوسائل الإعلام ينظّم ما يُعرض وما ينشر فيما يخص الإفتاء».
شروط الإفتاء
وأشار الشيخ عبدالرزاق شريف إلى أن «العلماء وضعوا شروطاً للمفتي، فقالوا: لا يجيز أن يلي أمر الإفتاء إلا من تتحقق فيه الشروط المقررة في مواطنها، وأهمها، العلم بكتاب الله تعالى وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يتعلق بهما من علوم، والعلم بمواطن الإجماع والخلاف والمذاهب والآراء الفقهية، والمعرفة التامة بأصول الفقه ومبادئه وقواعده ومقاصد الشريعة، والعلوم المساعدة مثل: النحو والصرف والبلاغة واللغة وغيره، إضافة إلى المعرفة بأحوال الناس وأعرافهم، وأوضاع العصر ومستجداته، ومراعاة تغيرها فيما بني على العرف المعتبر، الذي لا يصادم النص، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية من النصوص، فضلا عن الرجوع إلى أهل الخبرة في التخصصات المختلفة، لتصور المسألة المسؤول عنها، كالمسائل الطبية والاقتصادية ونحوها».
الرحمة بالمسلمين
من جهته، قال الشيخ الدكتور فريد التوني إنه «انطلاقاً من قوله تعالى (لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، نجد أن الفقهاء هم أقل من العلماء، والمحدثون أقل من الفقهاء، والمستنبطون للأحكام الشرعية وهم أقل من هؤلاء وهؤلاء ويندر وجودهم».
وتابع «وإن كانت كتب الأصول قد تحدثت عن أوصاف العالم المجتهد إلا أننا نجد أن أهم تلك الأوصاف خاصة فيما تمر به الأمة الإسلامية، الآتي:
أولاً: الرحمة بالمسلمين، وقد كان هذا وصف أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فهو أرحم الأمة بالأمة، وهذا الأمر يترجم إلى قبول الحد الأدنى من المسلمين بإسلامهم، بمعنى أدق، الحد الذي به ينجون وتتم لهم السعادة في الدارين، مصداقا لقول الله تعالى: «فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «أفلح الأعرابي إن صدق»، ثم بعد ذلك الأمر موكول إلى بقية الناس فيما زاد عن هذا الحد، ويوافق هذا قوله صلى الله عليه آله وسلم «ما أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم».
ثانياً: معرفة الواقع: فإيقاع الأدلة الشرعية على الواقع المتغير أمر يندر وجوده بين المستنبطين، فان من ثوابت هذا الدين وميزاته العظمة المرونة، وصلاحيته لكل زمان ومكان.
ثالثا: تغيير الفتيا حسب الواقع: ربما تتغير الفتيا بحسب الزمان والمكان مع وجود النص الشرعي، فعلى سبيل المثال، نهى الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج عن طواف الحائض أو النفساء أو الجنب، بالكعبة المشرفة، وهذا نص صريح وصحيح في النهي، إلا أن هيئة كبار العلماء ارتأت أنه يجوز للمرأة الحائض أن تضع على نفسها «خرقة» أو قطعة من القماش السميك وتطوف طواف الركن المعروف باسم «طواف الإفاضة»، وهي على تلك الحالة، نظراً لصعوبة الأمر مع الواقع الآن، مع الازدحام والارتباط بمواعيد السفر والمغادرة والطيران وغير ذلك».
ميثاق شرف للإفتاء
كان مفتي الديار المصرية الشيخ الدكتور علي جمعة قد طالب جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بضرورة وضع ميثاق شرف لمواجهة فوضى الفتاوى والتي تصدر عن غير المتخصصين في مجال الإفتاء.
وأكد أن «هناك فتاوى صدرت في الآونة الأخيرة وأحدثت بلبلة في الرأي العام وأنه عندما تتبعتها دار الإفتاء المصرية تبين أنها لم تصدر عن شخص أو هيئة بل روجها أعداء الدين الإسلامي ليسيئوا لهذا الدين بهدف تشويه صورة الإسلام والمسلمين».