^  لم أتعرف شخصياً على جماعة إثنية مميزة لها امتداد وجذور قديمة في منطقة الشرق الأوسط إلى قرون قديمة مثل الأكراد إلا قبل 16 عاماً من الآن عندما التقيت بأول صديق كردي كان مقيماً وأسرته في دولة الإمارات، ولم يكن يختلف تماماً في طبائعه وأخلاقه عن عادات وتقاليد أهل الخليج، وإن كانت عاداته وتقاليده أقرب إلى أهل العراق منها إلى أهل الخليج تحديداً. ازددت تعرفاً أكثر بالأكراد عندما طلب منا إعداد ورقة بحثية حول الفرص والتحديات التي يمكن أن تواجه البلدان العربية في حالة توجه الأكراد مستقبلاً لإقامة دولة كردية مستقلة تضم أكراد تركيا وسوريا والعراق وإيران. بالصدفة أهداني الصديق العزيز فواز الشروقي قبل سنوات طويلة رواية كردية بعنوان (ممو زين) أهملت قراءة هذه الرواية لأسباب لا أتذكرها الآن، ولكن بعد الإهداء بشهور قررت قراءتها وسط إلحاح الصديق الشروقي لمعرفة رأيي في هذه التحفة الأدبية. عندما قرأتها ذهلت من الإهداء المكتوب فيها ونصه: «كل قلب كتب عليه أن يتجرع الحب علقماً ولا يذوقه رحيقاً، وأن يحترق في ناره ولا يقطف مرة من ثماره ـ أقدم هذه القصة عسى أن يجد فيها برداً من العزاء والسلوى». الرواية باختصار ملحمة مشابهة لما هو موجود في العديد من الثقافات كقصة مجنون ليلى في الثقافة العربية، أو قصة شيرين وخسرو في الثقافة الفارسية، أو قصة روميو وجولييت في الثقافة الأوروبية. لم تتح الفرصة للتعرف على أكراد في البحرين، وليس معروفاً لدي شخصياً ما إذا كانت هناك العديد من العوائل الكردية في البلاد أم لا. قبل شهور عدة التقيت في العاصمة النمساوية فيينا مجموعة من الشباب الأكراد الذين اختلطوا بالعرب في الغربة وجميعهم من أصول سورية، فلم يتوقف الحديث طوال لقاءاتنا عن الأحداث في العالم العربي، والتطورات في دمشق. كانوا يسألون كثيراً عن البحرين والأوضاع فيها، فتكون إجاباتي تقليدية، لأنني لا أرغب في تسويق مواقفي الشخصية حول الأوضاع في بلادي، ولكنني أرغب في معرفة آرائهم وقناعاتهم التي يفترض أن تكون موضوعية بشأن البحرين. الإجابات لا تختلف عن القناعات التي يحملها السواد الأعظم من البحرينيين أن هناك محاولة لإسقاط النظام، وهناك تدخلات إيرانية وغربية، ولكنهم يستغربون كثيراً عندما يتعلق الأمر بالثورة، ويكون السؤال الذي يرددونه دائماً: لماذا يثور أهل البحرين وهم في نعمة عليهم تقديرها؟! زهير شاب كردي سوري يملك سلسلة مقاهٍ عربية في العاصمة النمساوية، وصار صديقاً عزيزاً بعد عدة زيارات متكررة لفيينا. كنت أتذكر البحث الذي قمت به خلال فترة دراستي الجامعية عن الأكراد ودولتهم المستقلة، فطرحت عليه سؤالاً: هل يرغب الأكراد فعلاً بإقامة دولة مستقلة؟ إجابته كانت صاعقة علي، إذ أكد أن إقامة الدولة الكردية المستقلة تعني نهاية الأكراد لأنهم كقومية يتميزون بالانقسام وصعوبة السيطرة عليهم من جهة مركزية واحدة، ولذلك هناك الكثير من الأحزاب السياسية الكردية، كما توجد فروقات بين الأكراد بحسب الدول (سوريا، العراق، إيران، تركيا). حسين شاب سوري من أصول عربية قبلية يعمل في مقهى زهير نفسه، عندما أتحدث معه عن الأوضاع في سوريا، فإن نبرة صوته تمتزج بالحرقة على أهله في دمشق، ولكن موقفه تجاه البحرين لا يختلف تماماً عن موقف صديقه الكردي. خلال زيارتي الأخيرة لهم الأسبوع الماضي، تمت دعوتي لحضور حفل النيروز أو رأس السنة الشمسية، وقبل أن ألبي دعوتهم استفسرت منهم حول معنى هذا العيد، وما إذا كان عيداً لعبادة النار أو الشمس كما هو سائد لدى فرس إيران. أكدوا لي أن النيروز لدى الأكراد في كل مكان هو عيد الفرح والانتصار على الظالم الذي كان حاكماً مهيمناً على الأكراد وظلمهم كثيراً في عصور قديمة. حضرت الحفل تقديراً لدعوتهم، وهي حفلة عائلية بها الأطفال والشباب وكبار السن ولون الفرح يمتزج على وجوههم بالألوان الزاهية التي يرتدونها. معظمهم من أصول سورية، ولكن لفت انتباهي كثيراً وجود عدد من العرب السوريين رغم أن الحفلة كردية، فأكدوا أنهم لاجئون في فيينا هرباً من النظام السوري الذي يلاحقهم، وهم شباب لا تتعدى أعمارهم 25 عاماً. طوال أحاديثي معهم لم يطلبوا دعماً من أهل الخليج وشعب البحرين، ولكنهم كانوا يعربون عن تقديرهم لوقفة أهل الخليج معهم، ويؤكدون تضامنهم مع أهل البحرين في الأزمة التي يمرون بها، ويتطلعون لوقف التدخلات الإيرانية. أتطلع من وراء هذا السرد الطويل إلى فهم القلوب الكردية عندما تهوى البحرين.