^ «يجب أن نعمل وبسرعة فائقة قبل أن يستفيق العـرب من سباتهم فيطّلعوا على وسائلنا الدعائية، فإذا استفاقوا ووقعت بأيديهم تلك الوسائل وعرفوا دعامتها وأسسها، فعندئذ سوف لا تفيدنا مساعدات أمريكا، وتأييد بريطانيا، وصداقة ألمانيا، عندها سنقف أمام العرب وجهاً لوجه مجردين من أفضل أسلحتنا”. جاءت هذه العبارات على لسان رئيس الكيان الصهيوني سابقاً (مناحيم بجين) مخاطباً القيادات الصهيونية، بجين كان ينبه الصهاينة ويحثهم على استخدام الإعلام والحرب النفسية ضد المحيط العربي والإسلامي بغية إقامة دولة إسرائيل وديمومتها على الأراضي الفلسطينية قبل أن يستفيق العرب ويتسلحوا بنفس السلاح. حرب الكلمة أو الحرب النفسية حقيقة قديمة، وهي موجودة منذ أن وجد الصراع البشري، لكنها كمصطلح لم تظهر إلاّ بعد الحرب العالمية الثانية. في الحالة الأحوازية؛ استخدمت إيران الشاه وتلتها الجمهورية الإسلامية شتى أنواع الحرب ضد الأحوازيين، نذكر منها؛ تهجير الأحوازيين من أرضهم إلى شمال إيران قسراً، القصف الجوي على منطقة سدة الونج والسبعة (هفت تبه) والشعيبية وجميع المناطق المطلة على نهر (الدز) وكذلك سائر القرى العربية المطلة على نهر (الكرخة)، وصولاً إلى الإعدامات بالجملة وتهجير عدد كبير آخر من الأحوازيين إلى دول الخليج العربي والعراق، تلتها هجرات قسرية أخرى إلى المدن الفارسية. أضف إلى كل ذلك مجزرة المحمرة التي راح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء، ومازالت إيران تفتك بحق الأحوازيين، رافقت هذه الهجمات العسكرية ضد المواطنين العزل حرب نفسية مستمرة تدفقت إلى عظم المواطن العربي في الأحواز، حيث وصل الأمر إلى حد أن كلٌ يوصي الآخر (لا تحكي شيئاً ضد الشاه، الريح يأخذ صوتنا). كما تم استخدام قسم كبير من شيوخ العشائر للعمل في جهاز الاستخبارات الإيراني (السافاك) وذلك للتعرف على نفسية المواطن العربي وكيفية التعامل معه، الأمر الذي دام حتى بعد ثورة 1979، حيث عملوا ومازال كثير من أبناء العشائر موظفين في الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية المختلفة، يعملون ضد المواطن الأحوازي بجانب الفرس ومرتزقة آخرين من شعوب غير الفارسية، ويشنون حرباً نفسية واسعة الأبعاد على الأحوازيين. يعتقد الخبراء اليوم وبتطور الأدوات الإعلامية أن الحرب النفسية المدبرة لفعاليات معينة معدة للتأثير على آراء وسلوك مجموعة من البشر بهدف تغيير نهج تفكيرهم، وقد بذل بول لينباجر، وهو من الرواد الذين كتبوا في مجال الحرب النفسية، جهوداً واضحة للوصول إلى تعريف جامع شامل للحرب النفسية، فقال: “إنها استخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية واقتصادية أو سياسية بما تتطلبه الدعاية”، ويضيف “إنها تطبيق لبعض أجزاء علم النفس لمعاونة المجهودات التي تبذل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية”. الآن بعد أن تناولنا موجزاً قصيراً عما جرى للشعب العربي الأحوازي، وتعريف الحرب النفسية من وجهة نظر أحد أكبر الباحثين في هذا المجال، لابد أن نأتي إلى مفهوم (الرأي العام)؛ الذي يشكل طرف المعادلة الآخر في هذه الحرب، وهنا تحديداً نتحدث عن الشعب الأحوازي. فالرأي العام هو التعبير حول نقطة متنازع عليها، بمعنى أنه لا يوجد إلاّ إذا وجد رأي عام آخر مقابله، أي حيثما يكون هناك نزاع، لأن الرأي العام هو الآراء الفردية الناجمة عن التفاعل حول قضية معينة داخل جماعة معينة. من هذا الباب ما تريد تحميله إيران على الأحوازيين عبر تعبئة عقولهم من خلال الحرب النفسية يمكن إجماله بأنها تريد للأحوازيين أن يتبعوا سياستها وأيديولوجيتها وسلوكياتها، والعمل على توسيع وقيادة عملية التأثير على هذه الجماعة من خلال استخدام وسائل التأثير على معنويات وأخلاق الأحوازيين. تطبق اليوم إيران وتحديداً في الأحواز نظرية البروفسور رجيارداكروس، الذي كان يشغل رئاسة الحرب النفسية في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث إن من أهم أهداف الحرب النفسية الفارسية ضد الشعب الأحوازي؛ تحطيم قيّم وأخلاقيات الأحوازيين، إرباك نظرتهم السياسية وقتل كافة معتقداتهم ومثلهم التي يؤمنون بها، إعطاؤهم الدروس الجديدة ليؤمنوا بعد ذلك بكل ما تؤمن به الدولة الفارسية، زيادة شقة الخلاف بين فصائل المعارضة الأحوازية من جهة وبين المعارضة والشعب من جهة أخرى، غرس بذور الفرقة بين أبناء الشعب العربي الأحوازي وتوسع دائرة العمالة لصالح الدولة الفارسية. كما تقود الدولة الفارسية حرباً نفسية واسعة النطاق معززة بأكبر وأشد أدوات القمع ضد الشعب الأحوازي بغية ضمان الحصول على تعاون شعبي وثيق مع السلطات الفارسية، الأمر الذي اتضح فشله وبات الفرس في هذه الدائرة لوحدهم. لكن مع كل ما حدث من فشل في إدارة الأحواز على يد سلطة الاحتلال، مازالت تتابع هذه السلطة وبذيولها في المجتمع العربي الأحوازي مركزة على قسم الحرب المعززة للمعنويات كونه يختص ويتوجه نحو المدنيين. ركزت السلطات الإيرانية على بلوغ أهدافها في المجتمع الأحوازي بما يلي: أولاً: الاندحارات النفسية التي تجعل المواطن الأحوازي المندحر مستعد نفسياً لقبول أية أمر من قبل السلطات الإيرانية مهما كان نوعه. ثانياً: إقناع المواطن الأحوازي أن الحرب مع إيران انتهت وكذلك المطالبة بالحقوق القومية باتت من الماضي، وما على المواطن الأحوازي إلا أن يندمج في المجتمع الفارسي. إن الحرب النفسية تقوم على أساس إثارة الدوافع التي تختلج في أعماق فكر المواطنين أثناء الحرب والصراع أو عند تعرضهم للمصاعب والتهديد المستمر، وهي تسعى إلى تحطيم معنوياتهم، وبالتالي تهيئتهم نفسياً لقبول أية فكرة ثم تشجيعهم على تنفيذها، وأخيراً مساعدتهم على تحقيقها (كمثال يمكن ذكره؛ اغتصاب الأراضي العربية لصالح مشاريع عدة كمشروع قصب السكر الذي تم بمساعدة عدد من العملاء وأيضا كثير من المواطنين عبر إغرائهم وتخديرهم وغسل أدمغتهم قبل ذلك، وبالتالي تعاونهم في تسليم الأراضي الزراعية إلى سلطات الاحتلال). ومن الأساليب الفارسية الأخرى؛ الدعاية، الشائعة، الضغوط الاقتصادية، الأعمال العسكرية والأمنية الرادعة، منع تعلم اللغة الأم واستبدالها بتعلم الفارسية، تحقير المواطن الأحوازي من خلال وصفه بالمتخلف عبر النكت وغيرها، منع الأحوازي من الحصول على شهادات عليا أو فرص عمل تليق به كإنسان. تليها طمس المعالم والهوية القومية والوطنية الأحوازية وتبديلها بأخرى فارسية بهدف لجوء الإنسان الأحوازي إلى المعالم والرموز الفارسية بغية الإعجاب بما هو فارسي، وفي هذا الصدد استخدمت إيران كثيراً من الخبراء العرب من دول عربية أخرى بعد أن فشل كثير من ذيول المخابرات الإيرانية في المجتمع الأحوازي في إنجاز مهمتهم وعمالتهم لصالح طهران (والمثال الذي شاهدته شخصياً حيث جاء سنة 2002 شخص يدعى الدكتور يوسف الموسوي، وهو أكاديمي عراقي وناشط سياسي كان آنذاك مقيماً لندن وينتمي إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، كي يقوم بدارسة اجتماعية حول الشعب العربي الأحوازي ومدى اهتمام هذا الشعب برموزه الوطنية والتقاليد العربية، حسب ما أعتقد أن اسم هذا الشخص، اسم متنكر لكني واثق من أن هويته عراقية وتحديداً من جنوب العراق، وركز الموسوي في دراسته، حسب طلب جامعة طهران، على اهتمامات المواطن الأحوازي ومفاصل الضعف والقوة في شخصية الإنسان والمجتمع فيما يتعلق بالرموز الوطنية والتقاليد العربية، وكيفية تقوية هذا الانتماء وإضعافه أيضاً، وكيفية التسريع بعميلة اندماج الأحوازيين في المجتمع الفارسي تحت شعار الابتعاد عن التخلف القبلي وماله من تبعات). الهدف الرئيس من هذا النوع من الدراسات هو كشف الطرق الحديثة والأقل كلفة بغية طمس كل الوجود العربي في الأحواز، ويأتي ذلك استكمالاً لأقسام الحرب النفسية الأخرى والتي تأخذ أشكالاً متعددة. لكن كيف ينبغي أن يواجه الأحوازيون الحرب النفسية الفارسية الموجهة نحوهم؟ إن المواجهة العملية والناجحة لمجابهة أية حرب نفسية يتعرض لها بلد ما تتطلب استخدام وسائل فاعلة يمكن إجمال أبرزها بما يلي؛ مكافحة نشاط الجماعات المعادية في الداخل أو ما اصطلح على تسميته بالطابور الخامس، وفي الحالة الأحوازية مكافحة العملاء. الطابور الخامس سلاح فعال مهمته تحطيم كيان الأمم من الداخل بإضعافها وتفتيت شملها بالإشاعات والأراجيف ولإثارة الفزع بين صفوف المواطنين، وإثارة النعرات القبلية والطائفية والفئوية بغية كسر الإرادة الشعبية ومنع العمل الجماهيري ضد المحتل. إن مثل هذا النوع ينبغي مواجهته بشدة وصرامة واتخاذ التدابير اللازمة لوقف نشاطه بالتنسيق مع فعاليات وطنية أخرى وفي مقدمتها الإعلام الذي تقع عليه مسوؤلية كبيرة بالكشف عن أهداف العدو أمام الرأي العام المحلي والعالمي كوسيلة من وسائل الدعاية المضادة، إضافة إلى اعتماد قضايا أخرى منها؛ وجود منهاج توعية شامل يستهدف تنمية الشعور بالمسؤولية لدى المواطنين مع توضيح دقيق للدور الخطير للمجموعات المعادية وإيضاح وسائلهم وأساليبهم التخريبية. تحقيق الوحدة الوطنية المتماسكة وقطع الطريق على محاولات زرع بذور الفرقة، وقد أثبتت الأحداث في العالم وفي الأحواز أن الشعب المفكك الأواصر يكون خير مرتع للأعداء ومهما كانت تسمياتهم. اتخاذ تدابير أكثر كفاءة لمواجهة الإشاعة من أهمها إطلاع الشعب بشكل صادق على ما يجري بعيداً عن نشر المعلومات غير الدقيقة والمراوغة، التي سرعان ما يكتشفها الشعب، وضع سياسة إعلامية وطنية موحدة، التحذير من محاولات إشاعة عوامل الفرقة والتناحر بين أبناء الوطن الواحد والتصدي لمثل تلك المخططات التي تسهل للعدو تحقيق مآربه. إقامة جسور الثقة بين الشعب والمعارضة الأحوازية في الداخل والخارج وتعميقها والتواصل الحقيقي مع المواطنين، واتخاذ تدابير عملية للاعتماد على علم النفس والاجتماع والسياسة والسوق والقانون لمجابهة ما يخطط له العدو حالياً ومستقبلاً وهذا يتطلب دراية ومعلومات واسعة عن الجانب الآخر (العدو) يمكن استحصالها من خلال مواطني البلد في الخارج والداخل. أرى أن الدولة الفارسية تطبق مقولة الصهيوني مناحيم بجين، إذ إنها تنهب العقول قبل نهب الأرض وما فيها وما تحتها ولحد كبير حققت أهدافها الخبيثة وتحديداً في هذه النقطة وذلك عبر ذيولها في المجتمع الأحوازي قبل أن نستفيق. لكن كل ما حدث لا يعني أن الشعب في غيبوبة ولا يعني أن الشعب مسيّر ولا يعني أن الشعب يرغب بما يحدث على أرضه على يد رجالات السلطة الفارسية في الأحواز، وفي الجانب الفارسي نرى أن الدولة الفارسية تهاب صرير القلم وتردد على لسان متحدثيها بقول نابليون بونابرت “إنني أرهب صرير القلم أكثر من دوي المدافع”. الدولة الفارسية اليوم تخشى القلم والمعلومة وما علينا نحن الأحوازيين إلا فضح ممارساتها القمعية واللا إنسانية في الداخل وتوجهاتها التوسعية على حساب الدول العربية في الخارج