خلصت دراسة تحليلية مقارنة بين التشريعين البحريني والمصري، حول النظام القانوني لجرائم التجمهر والشغب، أن سلوك المتجمهرين والظرف المكاني هما العنصران الماديان لجريمة التجمهر في التشريعين، فيما تعد الخطب الحماسية أو العبارات التحريضية أبرز أعمدة التجمهر، والإخلال بالأمن العام من أركان الجريمة، مشيرة إلى أن القانونين يشترطان خمسة أشخاص على الأقل والمكان العام لوقوع الفعل الرمي الذي يعاقب عليه بالسجن مدداً تصل إلى سنتين.
وأوضحت الدراسة التي أجراها أستاذ القانون الجنائي المساعد د.حمدي محمد حسين أنه باستقراء النصوص المتعلقة بجرائم التجمهر والشغب في قانون العقوبات البحريني، يتضح أن المشرع قد عد أنواعاً من هذه الجرائم تندرج تحت طائفة الجنح، وذلك من خلال العقوبة التي قررها لهذا النوع من جرائم التجمهر والشغب، مشيرة إلى أن المدلول اللفظي لكلمتي التجمهر والشغب يعني اتفاقهما في الأسلوب والهدف الذي ترمي إليه كل منهما من حيث تجمع العدد بقصد إثارة الفتنة وتهييج المشاعر لدى عامة الناس ما يمهد ويسهل لارتكاب الجرائم الماسة بأمن البلاد.
وبيّنت أن جريمة التجمهر تتضمن استخدام الوسائل القولية والكتابية لإثارة الفتنة وتهييج المشاعر وارتكاب الجرائم أو تسهيلها والإخلال بالأمن العام وعرض وتوزيع الكتابات بغير تمييز أو البيع في أي مكان جريمة.
وأضافت أن الطرق العمومية والميادين والمساجد أبرز الأماكن الدالة على خطورة الجريمة، فيما تعد الكتابات والرسوم والصور والشارات طرق التعبير العلانية عن جرم التجمهر في القانون، مشيرة إلى أن قصد تجريم التجمهر يأتي لتضمنه إثارة الفتنة وخلق حالة من الفوضى.
?التجمهر في صورته البسيطة
يقصد التجمهر في صورته البسيطة، أي باعتباره جنحة معاقباً عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي هذه الصورة لا يقترن بأعمال العنف لتحقيق الأغراض التي من أجلها اجتمع المتجمهرون، ومن هنا كان وصفه بأنه في صورته البسيطة.
وقد نص المشرع البحريني في المادة 178 من قانون العقوبات على التجمهر، والتي جاء نصها:
«كل من اشترك في تجمهر في مكان عام مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل، الغرض منه ارتكاب الجرائم أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لها أو الإخلال بالأمن العام، ولو كان ذلك لتحقيق غرض مشروع، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
ومن خلال ما ذكره المشرع في النص السابق يتضح أن جريمة التجمهر في مكان عام يفترض لقيامها توافر ركنين هامين:
الركن المادي والركن المعنوي مما يجعلنا نلقي الضوء على كل منهما على النحو التالي:
الفرع الأول: الركن المادي لجريمة التجمهر في مكان عام
والركن المادي لهذه الجريمة يستلزم توافر عدة عناصر لقيامها: أولها السلوك الصادر من المتجمهرين.
- تجدر الإشارة بداية إلى أن المشرع البحريني في المادة 178 عقوبات، وكذلك المشرع المصري، قد حدد عدداً للمتجمهرين، الفاعلين للجريمة، وهو خمسة أشخاص على الأقل، ما يدل دلالة واضحة على أهمية العدد المذكور في قيام الجريمة أو عدمها، حيث يقل العدد عن خمسة أشخاص مما لا تتوافر معه جريمة التجمهر.
- و قد جرى قضاء محكمة النقض المصرية على أن التجريم منصب على التجمع العددي المكون من خمسة أشخاص على الأقل، حيث قضت بأن:
«كل تجمهر مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل، ولو حصل بغير قصد سيء محظور بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 10 لسنة 1914 متى كان من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر”.
ووصفت نص المادة الأولى من قانون التجمهر -في موضع آخر- بأنه جاء عاماً ومطلقاً”
- ولذا يمكن القول بأن المشرع قد راعى في هذا التحديد تعدد الجناة وجعله عنصراً أساساً وليس ظرفاً مشدداً كما هو الحال في بعض الجرائم التي جعل فيها هذا العدد، خمسة أشخاص على الأقل، عنصراً إضافياً تقوم الجريمة بدونه تحت وصف آخر.
- ويستوي في ذلك أن يكون هؤلاء الجناة على اتفاق مسبق أم أن تجمعهم كان مجرد توافق، فتقوم الجريمة في الحالتين.
- ويجب أن يتوافر هذا العدد وقت ارتكاب الجريمة، فإذا لم يتوافر النصاب العددي، وهو خمسة أشخاص على الأقل، وقت التجمهر فلا محل للتجريم أو العقاب.
أما العنصر الثاني للركن المادي فقد ركز فيه المشرع البحريني بالنسبة لجريمة التجمهر على الظرف المكاني، وهو أن يكون هذا التجمهر في مكان عام، وعمومية المكان تدل دلالة واضحة على خطورة الجريمة في تهيج المشاعر وإثارة الفتنة مما يكون سبباً لوقوع الجرائم الأخرى المترتبة على ذلك.
ويمكن القول بأن توافر هذا العنصر، المكان العام، يؤدي بالضرورة لتوافر عنصر آخر وهو العلانية مما يعطي لسلوك الجناة بعداً آخر يتمثل في أن سلوكهم قد اتخذ حيزاً خارجياً يستدعي تدخل المشرع التجريم والعقاب، فالجريمة هي سلوك يتحقق في العالم الخارجي له مظاهره المادية الملموسة، ولذلك ففي جميع الجرائم نلمس دائماً هذا العنصر المادي أو الطبيعي، ومن غيره لا تقوم الجريمة، ذلك أن المشرع حينما يتدخل بالتجريم والعقاب فإنما يضع في حسبانه الظواهر المادية التي تضر أو تهدد بالضرر المصالح المراد حمايتها.
وعنصري العدد وهو خمسة أشخاص على الأقل، والمكان العام الوارد ذكرهما بالنسبة لجريمة التجمهر يتفقا في ذلك مع جريمة الشغب الوارد ذكرها في المادة 179.
- ويترتب على التلازم بين المكان العام والعلانية وأن كلاً منهما يعد مكملاً للآخر مما يستلزم بيان المراد بالمكان العام.
- المكان العام قد يكون عاماً بطبيعته: كالطرق العمومية والسكك الزراعية والميادين والمنتزهات، حيث يسمح للجمهور بالمرور فيه دون قيد ولا شرط، وفي أي وقت. ولا يخل بذلك أن يكون المرور نظير رسم معين.
- وقد يكون المكان عاماً بالتخصيص وهو ما يسمح للجمهور بدخوله في أوقات معينة أو بشروط معينة، مجاناً أو بأجر، كالمساجد والكنائس ومحال اللهو ودواوين الحكومة، وهذه الأماكن تأخذ حكم الأماكن العمومية بطبيعتها في الأوقات التي تكون مفتوحة فيها للجمهور، وتأخذ حكم الأماكن الخصوصية في غير تلك الأوقات، بمعنى أن الفعل الذي يرتكب فيه عندئذ لا يكون علنياً إلا إذا أمكن مشاهدته بسبب عدم احتياط الفاعل.
- أما المكان العام بالمصادفة فهو مكان خصوصي في الأصل ولكن قد يجتمع فيه عدد من الناس بطريق المصادفة كالسجون والمدارس والمستشفيات والنوادي، وتأخذ هذه الأماكن حكم الأماكن العمومية بطبيعتها وقت اجتماع الجمهور بها، وحكم الأماكن الخصوصية في غير هذه الأوقات التي لا يجتمع
فيها.
- أما بالنسبة للعلانية المقترنة لحدوث الفعل المحظور فقد تطرق إليها المشرع البحريني بالبيان وذلك في المادة 92 من قانون العقوبات والتي تنص على أنه:
«تعد طرقاً للعلانية في حكم هذا القانون:-
1- الأعمال أو الإشارات أو الحركات إذا وقعت في طريق عام أو في محفل عام أو في مكان مباح أو مطروق أو معرض لأنظار الجمهور أو إذا وقعت بحيث يستطيع رؤيتها من كان في مثل هذا المكان أو إذا نقلت إليه بطريقة من الطرق الآلية.
2- القول أو الصياح إذا حصل الجهر به أو ترديده في مكان مما ذكر أو حصل الجهر به أو ترديده بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل هذا المكان أو إذا أذيع بطريق من الطرق الآلية بحيث يسمعه من لا دخل له في استخدامها.
3- الكتابات والرسوم والصور والشارات والأفلام وغيرها من طرق التعبير إذا عرضت في مكان مما ذكر أو إذا وزعت بغير تمييز أو بيعت إلى عدد من الناس أو عرضت عليهم للبيع وذلك في أي مكان.
ومن خلال النص، السابق ذكره، يتضح لنا أن المشرع قد نص على حالات ثلاث للعلانية: علانية القول، وعلانية الفعل، وعلانية الكتابة.
- فعلانية الفعل عبر عنها المشرع بالفقرة الأولى من المادة 92، بأنها الأعمال أو الإشارات أو الحركات إذا وقعت في طريق عام.
- وجريمة التجمهر يتصور حدوثها من خلال هذه الحالات التي تعد عناصر مكونة لعلانية الفعل محل التجريم.
- وعلانية القول، كما ذكرها المشرع، تتضح من خلال الفقرة الثانية، والتي تشمل القول أو الصياح إذا تم الجهر به أو ترديده في المكان العام أو المحفل العام أو في مكان مباح أو مطروق أو معروض لأنظار الجمهور بطريق من الطرق الآلية، أو الوسائل الميكانيكية، التي يكون من شأنها إيصال الصوت لأكبر عدد من الناس المتواجدين في هذه الأماكن والتي لا يستطيع صوت المتكلم وحده من الوصول إليهم بالوضوح والدقة اللازمين لفهم المراد وسماعه.
- وثالث حالات العلانية، علانية الكتابة، والتي أشار إليها النص المذكور على سبيل المثال وليس الحصر، بأنها من مثل الكتابة والرسوم والصور والشارات والأفلام وغيرها من طرق التعبير.
- ولا مراء في أن عماد جريمة التجمهر يقوم على استخدام الوسائل المختلفة، سواء القولية أو الكتابية، لإثارة الفتنة وتهييج المشاعر لدى جماهير الناس مما يسهل تحقيق الغرض المقصود.
ويشمل ذلك استخدام الخطب الحماسية أو العبارات التحريضية أو الرسوم الكاريكاتورية أو الصور على اختلاف أنواعها أو الشارات بألوانها الدالة على معنى معين ومفهوم لدى عامة الناس أو الأفلام المصورة والتي تتضمن دعوة الجمهور للانضمام للمتجمهرين أو إذا كانت هذه الوسائل المذكورة ترمي لغرض معين يريد الجناة تحقيقه.
- والعنصر الثالث المكون للركن المادي لجريمة التجمهر يتمثل في ارتكاب الجرائم أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لها أو الإخلال بالأمن العام ولو كان ذلك لتحقيق غرض مشروع على النحو الوارد ذكره بالمادة 178 من قانون العقوبات البحريني.
- والصياغة غير الدقيقة، من وجهة نظرنا، لهذا النص تجعلنا في حيرة عند فهم مراد المشرع وقصده بأن يكون الغرض من التجمهر ارتكاب الجرائم بدون تحديد لنوعيتها، جنايات أم جنحاً، ثم يردف ذلك بقوله ولو كان ارتكاب هذه الجرائم أو الإخلال بالأمن العام لتحقيق غرض مشروع.
- فالجريمة دائماً ترتكب لتحقيق غرض غير مشروع يتمثل في النتيجة أو الفائدة التي تعود على الجاني وقصد ارتكاب جريمته من أجلها.
وهذه النتيجة الإجرامية، والتي تعد من عناصر الركن المادي للجريمة، تتنوع إلى نتيجة مادية تتمثل في إحداث تغيير في العالم الخارجي يعتد به القانون.
ونتيجة قانونية تتمثل في العدوان على الحق أو المصلحة التي يحميها القانون، وهذه النتيجة لازمة في جميع الجرائم.
- ونص المشرع البحريني على أن يكون غرض المتجمهرين ارتكاب الجرائم أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لها أو الإخلال بالأمن العام يجعلنا أمام عدة فروض:-
الفرض الأول: أن يكون قصد المشرع من وراء هذا النص تجريم التجمهر في ذاته، لأنه يتضمن إثارة الفتنة بين الناس وخلق حالة من الفوضى المخلة بالأمن العام.
الفرض الثاني: أن يكون التجريم منصباً على التجمهر المؤدي لارتكاب جرائم مختلفة أياً كان نوعها، جناية أم جنحة، وبالتالي نكون أمام حالة تعدد للجرائم وارتباط بينها لا يقبل التجزئة مما يستدعي تطبيق نص المادة 65، والمادة 66 من قانون العقوبات، ويجب اعتبارها كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدها.
الفرض الثالث: أن المشرع قد قصد تجريم التجمهر المؤدي لارتكاب جرائم لا تزيد عقوبتها على ثلاثة أشهر أو ستة أشهر كما هو وارد في المادة 163 من قانون العقوبات، باعتبار أن الأفعال التي يقوم بها المتجمهرون لا تزيد عقوبتها عن الحد السابق ذكره، وباقترانها بالتجمهر في الأماكن العامة تستأهل العقوبة المقررة بالمادة 178 وهي الحبس مدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تتجاوز مائتي دينار أو أحدهما.
وقد كان الأجدر بالمشرع البحريني أن يزيل هذا اللبس ويحدد مدلول ما يرمي إليه من وراء هذا النص.
- وعلى أية حال فإن النص المذكور يحدد العنصر الثالث المكون لجريمة التجمهر في الأماكن العامة بأن يكون الغرض من ذلك ارتكاب جرائم أو أعمال مجهزة أو مسهلة لها أو أن يكون الغرض الإخلال بالأمن العام للبلاد مما يعطي للقاضي سلطة تقديرية واسعة في تحديد المقصود ومدى انطباق النص عليه.
الفرع الثاني
الركن المعنوي لجريمة التجمهر
من المقرر أن للركن المعنوي صورتين رئيستين: الأولى القصد الجنائي، وهو أعلى درجات الخطأ، وهو لازم في الجريمة العمدية، أما الصورة الثانية فهي الخطأ غير العمدي، وهو مرتبة دون القصد الجنائي، وهو لازم في نوع من الجرائم وهو الجرائم غير العمدية.
والقصد الجنائي يتطلب من الجاني علم بعناصر الجريمة، وإرادة متجهة إلى السلوك والنتيجة المترتبة عليه. ولذا فإنه يقوم على عنصرين هما العلم والإرادة.
ولقد نص قانون العقوبات البحريني في المادة 25 منه على عنصر العلم حيث قال:
«تكون الجريمة عمدية إذا اقترفها الفاعل عالماً بحقيقتها الواقعية وعناصرها القانونية، وتعتبر الجريمة عمدية كذلك إذا توقع الفاعل نتيجة إجرامية لفعله فأقدم عليه قابلاً المخاطرة بحدوثها” ويقابل ذلك نص المادة 49 عقوبات مصر.
وهذا النص يشمل صورتين للقصد الجنائي، القصد المباشر المتمثل في العلم بكل وقائع الجريمة المادية منها والقانونية، والثاني القصد الاحتمالي ويعني أن الجاني لا يكون على علم يقيني بكل الوقائع وإنما يشك في حدوث نتيجة إجرامية على سلوكه الذي يريد الإقبال عليه، وبدلاً من أن يعزف عنه فإنه يقبل المخاطرة ويقدم على فعله فيؤدي ذلك إلى حدوث ما كان يتوقعه ويخشاه.
وفي الحالتين تقوم المسؤولية الجنائية ولا يمكن التذرع بعدم العلم اليقيني في الصورة الثانية.
- أما بخصوص جريمة التجمهر في الأماكن العامة، والواردة بالمادة 178 من قانون العقوبات البحريني، فهي جريمة عمدية يستلزم قيامها توافر عنصري العلم والإرادة.
العلم بجميع عناصر الجريمة من كل المشتركين في التجمهر وأنهم اجتمعوا في هذا المكان لتنفيذ ما اتفقوا عليه من أعمال مجرمة وفقاً لقانون العقوبات، سواء أكانت جرائم أم أعمالاً مسهلة لإحداث هذه الجرائم أو التي تخل بالأمن العام للبلاد.
- وعمومية النص المذكور توحي بأن الجرائم التي يرتكبها هؤلاء المتجمهرون ضد آحاد الناس أو المصالح الخاصة للأفراد يندرج تحت هذه العمومية. مع مراعاة إذا كانت عقوبة هذه الجرائم تزيد على العقوبة التي وضعها المشرع لجريمة التجمهر بقصد ارتكاب الجرائم أو الإخلال بالأمن العام فإنها تكون واجبة التطبيق وفقاً لقاعدة العقوبة الأشد الواردة بالمادتين 65، 66 من قانون العقوبات.
- ومن البديهي القول بضرورة أن يكون تجمع هؤلاء الأشخاص وهم خمسة على الأقل قد تم بالإرادة الحرة الواعية، دون ضغط أو إكراه من أحد حتى تقوم المسؤولية الجنائية، ويتحقق الركن المعنوي بعنصريه.
- فإذا كان تجمع هؤلاء الأشخاص بضغط أو إكراه من أحد، كما لو كان صاحب العمل قد أرغم بعضاً من موظفيه على القيام بالتجمهر لمصلحة معينة وهددهم بالطرد من أعمالهم إن لم يقوموا بذلك فإن المسؤولية الجنائية تلحق صاحب العمل في هذه الحالة.
ثأثير الباعث في ارتكاب الجريمة:-
من المقرر أن القصد الجنائي هو العلم والإرادة المتجهة إلى نتيجة إجرامية، أما الباعث فهو الدافع أو المصلحة التي تحث على تكوين العلم والإرادة اللذين يهدفان إلى تحقيق نتيجة معينة. فالباعث نشاط نفسي وعامل داخلي سابق على الجريمة وهو دافع إلى ارتكابها فهو العلة في الانحراف.
- لذا فإن الباعث لا يدخل في تكوين الركن المعنوي للجريمة، فهو لا يدخل في مكونات القصد الجنائي ولا يختلط به إذ إنه سابق عليه.
ويترتب على ذلك -كأصل عام- أنه لا عبرة بالبواعث على ارتكاب الجرائم، سواء كانت شريفة أم دنيئة، كما إن خلو الحكم من بيان البواعث التي دفعت المجرم إلى ارتكاب الجريمة لا يبطله، والخطأ في البواعث لا يقدح في سلامة الحكم.
غاية ما هنالك أنه من الممكن الاعتداد بالباعث لتخفيف العقوبة، أي أن الباعث على الجريمة يؤثر على العقوبة لا على أركان الجريمة.
- أما المشرع البحريني فقد جعل من الباعث الشريف عذراً مخففاً ونص على ذلك في المادة 70 من قانون العقوبات، وجعل الباعث الدنيء ظرفاً مشدداً على النحو الوارد بالمادة 75 من قانون العقوبات.
- لكن المشرع البحريني في جريمة التجمهر، محل البحث، لم يعتد بالباعث حتى ولو كان شريفاً، فنص صراحة في المادة 178 من قانون العقوبات على عقوبة من اشترك في جريمة التجمهر في الأماكن العامة حتى ولو كان ذلك لتحقيق غرض مشروع. فالجريمة تعتبر قائمة ومتوافرة في حق المتجمهرين حتى ولو كان غرضهم مشروعاً.
- توافر القصد الخاص:
ويلزم فضلاً عن ذلك أن تتوافر لدى المتجمهرين نية خاصة تتمثل في أن قيامهم بالتجمهر في مكان عام بنية ارتكاب الجرائم أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لها، أو أن يكون تجمعهم بنية الإخلال بالأمن العام للبلاد، حتى ولو كان غرضهم مشروعاً كأن يكون بهدف لفت الانتباه لقضية معينة أو مشكلة يتعرضون لها، من وجهة نظرهم، فالتجريم قائم بحقهم في جميع هذه الحالات.