بمناسبة احتفال العالم في العاشر من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي لحقوق الانسان، تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى بتوجيه كلمة سامية بهذه المناسبة، وذلك تزامنا مع الذكرى السنوية لصدور أول إعلان دولي لحقوق الانسان تشهده البشرية.
وفيما يلي نص الكلمة السامية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
انه لمن بالغ السرور أن نتحدث لكم اليوم في مناسبة عالمية جليلة هي ذكرى صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان، و الذي جاء بعد مخاضات عسيرة في سبيل تحقيق الحرية و العدالة و الرقي والتقدم، وليكون هذا اليوم مصبا جامعا لخلاصة تجارب الأمم في ارساء القيم الانسانية النبيلة و على رأسها صون كرامته.
إننا نقف بكل إكبار وإجلال في هذا اليوم الأممي الخالد أمام التضحيات الجسام التي بذلها الأجداد الأولون في مسيرة بناء الدولة منذ عهد الجد المؤسس أحمد الفاتح ، الذي أرسى دعائم الدولة والبنيان الاداري، حيث كانت مسئولية ولي الأمر في تلك الحقبة من الزمن تنحصر في العدل و الأمن و الدفاع و كان الناس أحرارا في ممتلكاتهم و أعمالهم و تجارتهم و تنقلهم و اليوم نواصل حمل تركته بأمانة وصدق وعزيمة، وبتعاون مع شعبنا الوفي، الذي سطر الأمجاد في سبيل نيل حقوقه الوطنية، وناضل في سبيل عروبته والحفاظ على قيادته الشرعية وتثبيت سيادته ودحض الأطماع الأجنبية ضد مقدرات الوطن.
في هذا اليوم العظيم بتاريخ البشرية نجد أن البحرين، مملكة الانسانية والطمأنينة، تشارك العالم المتقدم في هذا اليوم الجميل، ووقفة عز وفخر بما ناله ويستحقه شعب البحرين الوفي من مكتسبات حقوقية وانجازات حضارية، فهذا اليوم هو يوم للأوطان السعيدة التي أشعلت النور في عتمة ظلام الجهل، حيث خرج البحرينيون أفواجا الى المدارس، وانتظموا في مقاعد الدراسة، ونهلوا المعرفة وساهموا في مسيرة النهضة الشاملة جنبا الى جنب مع أقرانهم نساء البحرين، اللائي احتفلن قبل أيام بيومهن الوطني، وهو يوم لكل امرأة بحرينية، فالمرأة في البحرين هي الجزيرة الأم في أرخبيل خريطة جزر مملكتنا الجميلة الطيبة بشعبها والرائعة في حضارتها.
يأتي احتفال اليوم العالمي لحقوق الانسان هذا العام تحت شعار "اجعل لصوتك قيمة"، وقد أصغينا لصوت الشعب في ملحمته التاريخية بإطلاق ميثاق العمل الوطني، والذي حاز على ما يشبه الاجماع الشعبي الكبير في استفتاء تاريخي، كما أصغينا لصوته الوطني فيما قرره بحوار التوافق الوطني، الذي مثل مظلة جامعة لمختلف مكونات وأطياف المجتمع ، وأن جميع ما توافق عليه الشعب في الحوار أبصر النور، وبذلك فقد تآزرنا جميعا في خيار التقدم والاصلاح وتعزيز الديمقراطية والحقوق وتحقيق المطالب المشروعة.
و يحق لكل بحريني وبحرينية أن يفخر بسماع صوته وصداه يتردد في الأرجاء، حيث نال جميع السكان حقوقهم الدستورية المشروعة في ظل ما أتاحه مشروعنا الاصلاحي الشامل، فللنساء حقوق سياسية متساوية مع الرجال، وللشباب منظماتهم الأهلية ونشاطهم وتمثيلهم بمختلف هيئات الدولة، وللأقليات حضور بارز في مجلس الشورى والبعثات الدبلوماسية ومنظمات المجتمع المدني والميدان التجاري، وللأشخاص ذوي الإعاقة صوتهم في المؤسسة التشريعية والمجلس البلدي والمؤسسات الأهلية المتخصصة، حتى بالنسبة للمقيمين لسنوات معينة فإن لهم الحق الدستوري في المشاركة بانتخاب من يمثلهم لعضوية المجلس البلدي بإعتباره مؤسسة دستورية مرفقية وخدماتية تمس احتياجاتهم المحلية.
يشارك الجميع من أجل اعلاء ثقافة حقوق الانسان واشاعة هذه الثقافة في أوساط المجتمع والعمال والموظفين والاعلام والمجتمع المدني لتكون حاضرة دوما وثابتة في الذهن وراسخة في العقيدة الوطنية.
و في مملكة الديمقراطية والشورى فإن حرية الرأي والتعبير أو حرية التجمع السلمي أو حرية تأسيس الجمعيات الوطنية أو غيرها من الحقوق الدستورية المشروعة والمقررة ليست مكرمة وإنما حق مشاع لجميع أفراد الشعب، هو حق يترتب عليه واجب المسؤولية الوطنية والأخلاقية في استخدامه، والتقنين بما يحفظ أمتنا من التشتت وفتنة التناحر والتشاحن فيما يضر على حساب ما يجمع ويفيد الوطن والمواطنين وبما يحفظ السلم الأهلي، ولا خير فيمن يغرس سيفه في خاصرة وطنه. ويستخدم هذا الحق سلاحا في الدفاع عن الباطل ضد وطنه.
ان البحرين مهد حضارة طويلة في التاريخ، هلل سكانها ترحيبا بالضيوف الأعزاء والمحترمين من كل صوب، وأتاح هذا البلد الآمن والمستقر السكينة والطمأنينة والخير للجميع ، والبحرين اليوم ما زالت كما كانت على عهد الأجداد والآباء الأولين، بشوشة في وجه الآخرين وتخطو للأمام في طريق الانجاز والريادة مستعينة بالله سبحانه وتعالى وبإرادة شعب إرادته صلبة وعزيمته شامخة، ولهذا فتحت المملكة الأبواب أمام الضيوف من الخبراء والجهات المتخصصة لتفيد الوطن وتزيد من منافع المواطنين وتسهم في الارتقاء بمسيرته التنموية.
وتعزيزا لذلك، فقد استقبلت المملكة وفدا زائرا من المفوضية السامية لحقوق الانسان في مطلع الشهر الجاري، وقد اطلع على حقيقة ما جرى، وبما يؤكد على شفافية الدولة في فتح الأبواب أمام جميع الهيئات الحقوقية المرموقة، والتي تنشد الخير والطمأنينة والرقي للبلدان، فالإنسان أغلى ما نملك في هذه المملكة، ولا يمكن التفريط بحقوقه أو بحياة أي منهم، ونحزن لأيّ قطرة دم تسيل، فما أحوج الفئات المختلفة الى كلمة سواء تجمع على الوحدة والتقارب والتعايش، وتنبذ العنف والارهاب. وواهم من يعتقد أن البحرين عصية على لم الشمل الاجتماعي وصون وحدتها الوطنية والترابية، ولا مكان للوهم أو التردد في نفوس البحرينيين الصلبة والقوية والباسلة.
إننا نطوي في هذا العام صفحة هامة في سجل مملكة البحرين بحقوق الانسان عبر ما أنجزته أجهزة الدولة كافة في سبيل تنفيذ ما أوصت به اللجنة الملكية المستقلة لتقصي الحقائق. ان هذه المجهودات تصب في تعزيز المكانة الحقوقية المرموقة لمملكة البحرين في مختلف منصات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية المرموقة، وبما يسهم في ادماج مزيد من مكونات الشعب في الحياة العامة ووفق ما ينص عليه الدستور والتشريعات الناظمة لذلك والتي يقرها مجلسان ممثلان لإرادة الشعب وخياراته وقراراته، وان شعب البحرين موعود باستمرار أجمل أيامه الباهرة في ظل ما سيتحقق من مشاريع وطنية توالي الدولة اعلانها بين فترة وأخرى وتتطلب تظافر الجميع في سبيل نجاحها.
لقد جاء الأمر الذي أصدرناه بتعديل إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان مستجيبا لمقررات حوار التوافق الوطني ومرئيات المجتمع الأهلي وقطاعات واسعة من الحقوقيين والمعنيين وذوي الشأن، وبما أتاح لهذه المؤسسة مزيد من الضمانات والاختصاصات والاستقلالية وفق ما جاءت به مبادئ باريس المعروفة، ونتطلع أن تضطلع هذه المؤسسة بدور مهم في المرحلة المقبلة ، وبحيث تتحول المؤسسة الى منارة من منارات الوعي الحقوقي والاستنارة بالقانون وبيت للخبرة والمشورة بما تستلهمه من عراقة التجربة البحرينية في الميدان الحقوقي.
ان العدل والانصاف ركنان أساسيان في الحكم الدستوري منذ أن تولينا أمانة هذا البلد العزيز. وهما مبتغانا لخدمة شعبنا وأمتنا، وفي ضوء ما أحرزته المملكة من تقدم في الممارسة الحقوقية والقانونية والقضائية، خاصة وأن البحرين كانت من أوائل الدول الداعمة للميثاق العربي لحقوق الإنسان قبل أكثر من خمسة عشر عاما، فقد أبهجتنا الاشادات والتحركات الفاعلة على المستوى العربي والدولي لتنفيذ اقتراحنا بإنشاء محكمة عربية لحقوق الانسان، لتكون ساحة قضاء وتقاض، فالعدل أساس الحكم، ولا يمكن للعربي أن ينتصف إلا في داره وفي وسط أمته.
وبات من اللازم في هذه الفترة أن تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورا بارزا في سبيل اشاعة ثقافة حقوق الانسان، بحيث يساهم المجتمع المدني الذي شارك في مسيرة التنمية والبناء الوطني منذ عقود طويلة في هذا الواجب الوطني الثقيل، ليحمل مع الدولة مسؤولية زيادة وعي المواطنين بحقوقهم وواجباتهم في دولة المؤسسات والقانون، ولذلك يتعين على الجهات المختصة بالدولة أن توفر التسهيلات اللازمة والتمويل المناسب لهذه المشاريع الوطنية النبيلة من مؤسسات المجتمع المدني.
وليكن لنخبة المجتمع من كتاب واعلاميين ورجال الفكر والثقافة ومهنيين دور أكبر في توعية المجتمع وازاحة غيوم الشك والريبة المختلقة من الذين أرادوا طمس هوية الوطن الخليجية والعربية وتدنيس أرضها الطاهرة، نريد عملا منتجا وبناء صلبا وشخصيات مستنيرة ومواقف وطنية ، لحفظوا وطننا وشعبنا من الانزلاق في متاهات من يشعل الفتنة في أوساط الناشئة والشباب ويعكر صفو الوحدة الوطنية ويكدر السلم الأهلي، ولتستمر وتيرة العمل الوطني على نحو متصاعد وأكثر جودة من أجل بلوغ المواطن البحريني احتياجاته في مجال التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية المستدامة والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إننا نحث المواطنين، رجالا ونساء، أن يصطفوا في جبهة واحدة مع الوطن، وليكن صوتهم مسموعا في الداخل والخارج، أن وطنهم بلد الحقوق والحريات والعدالة والديمقراطية.
وسيظل انتهاج الديمقراطية واحترام حقوق الانسان جناحين تطير بهما البحرين الي آفاق المستقبل ، وهما ركيزتان رئيسيتان في المشروع الاصلاحي الشامل، وبهما جرى تعزيز الحقوق الدستورية، وفق ثوابت وطنية واسلامية وبما يتوافق مع ارادة الشعب.
وستبقى البحرين وطنًا تزدهر فيه ثقافة المحبة والتآخي والتعايش بين مختلف الأعراق والمذاهب والأديان وواحة للحقوق الانسانية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،