^ يقع اللوم في كثير من الأحيان على الإعلام الرسمي، سواء على صعيد الموقف أو على صعيد الأداء، حيث يطلب منه أن يكون في المقدمة، وأن يكون متوازناً وموضوعياً، ولكن ما لا يلتف إليه هؤلاء أن الإعلام- خاصة السمعي البصري- يحتاج إلى إمكانات هائلة، بشرية ومادية ليكون في مستوى التطلعات. ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، فإنه لا يمكن أن نطلب من الجهاز الإعلامي أكثر مما نعطيه من تلك الإمكانات الضرورية، وذلك لأن الإعلام إذا كان يعوزه كل شيء تقريباً، فهو مضطر دائماً إلى العمل في إطار إمكانات محدودة وناقصة دائماً إلا فيما ندر، مهما بذل من جهد. ومن ناحية الموقف فإن إعلامنا عامة وإعلامنا العمومي خاصة ضحية لموقفين: الأول تاريخي، ارتبط بالدور الرئيس للإعلام على صعيد بناء الدولة، وما يستدعيه من الوظائف التعبوية، وهذا المعطى التاريخي يؤكد أن أغلب النخب السياسية والثقافية وحتى الاقتصادية، انشغلت أو اشتغلت في الإعلام وخبرت أهميته السياسية في التوجيه والتأثير، ومايزال هذا المنظور مهيمناً حتى هذه المرحلة الجديدة. الثاني معرفي، مازال إلى حد اليوم يستند إلى نظرية التأثير الآلي لوسائل الإعلام على المتلقي، والتي تم تجاوزها منذ منتصف القرن الماضي، بنظريات أخرى، فالبث الإعلامي عندنا مازال يعتبر في الثقافة السائدة، محدداً في التأثير على المتلقي ولذلك ارتبط بمفاهيم الأدوار الهامة التي يجب مراقبتها والتحكم فيها. ومن هنا مايزال إعلامنا متأرجحاً بين النزعة التعبوية أو النزعة الدفاعية، ونادراً ما يلامس مساحة الوظيفة المهنية القائمة على البحث عن الحقيقة بالدرجة الأولى، وهو عادة ما يعاني من التوظيف السياسي والأيديولوجي والطائفي، وإذا كان المطلوب من الإعلام التكيف مع التحولات وانخراطه في عملية البناء الديمقراطي، فمن الطبيعي أن يكون قادراً على تجاوز الثقافة التقليدية النمطية: ومن الطبيعي أن يكون قادراً على إعادة إنتاج رؤية مجتمعية وطنية ديمقراطية تعددية بروح إنسانية حداثية، أما بقاؤه على ما هو عليه فمن شأنه أن يوسع الهوة بينه وبين المتلقين. إننا في حاجة إلى إعلام يقول الحقيقة، مهما كانت مرة وقاسية، ولا يبيع الناس الأوهام، ينقد السلبيات ويكشف الغطاء عن المفاسد، يوعي الناس ولا يخدعهم، يوحدهم حول الثوابت، حول مواجهة الفساد والنواقص والأخطاء، لكن توجد طريق واحدة لمعالجة هذه المشكلات، وهي المهنية والنزاهة. إن الحاجة إلى إعلام ديمقراطي أصبحت ضرورة ملحة، تفرضها مجمل الظروف المحيطة، كما يتطلبها تطور تقنيات الاتصال، والتي ستلغي تدريجياً الوسائط القديمة، وتفتح أعين المواطن أمام منتج سياسي وفني ثقافي أكثر تقدماً، وأقل كلفة في تلقي الخبر والمعرفة والترفيه، لأنه قد تبين بشكل واضح أن الانفتاح والتحرر والتعددية من الصفات اللصيقة بالإعلام العصري القادر على تجسيم معاني الإعلام المتطور التعددي البعيد عن قوالب البيروقراطية وأحادية النظرة، ولن يتسنى ذلك إلا أن يتوسع الإعلام أفقياً باتخاذ صيغ تنظيمية، وقوانين منظمة من شأنها أن تعبد الطريق نحو ثقافة التشارك في البناء الديمقراطي، من خلال إعطاء الفرصة لكل مواطن في التعبير عن رأيه، والحصول على المعلومة، لأن حرية الإعلام تعكس حجم الحرية التي يحظى بها أي مجتمع. ^ همسة.. عندما نغادر ويغادر من بعدنا كل من عرفنا وعرفناه، نكون كمن لم يكن على هذه الأرض، قد يكون السؤال وقتها: ماذا أضفنا إلى الحياة لنؤثر فيها على نحو ما؟