^   كيف تقود سفينة متحطم جزء منها وسط بحر عاتي تتلاطم أمواجه بفعل عاصفة هوجاء، كيف تقودها إلى بر الأمان دون أن تخسر أهم شيء، ألا وهو جسم هذه السفينة وركابها؟! هذا ما فعله ملك البحرين بحكمته في إدارة الأزمة، بالتالي لحمد بن عيسى دين كبير في أعناقنا كبحرينيين مخلصين لهذه الأرض، فلولا فضل الله ثم حكمة هذا الرجل العظيم لضاعت البلد. كان سهلاً جداً أن يتم مسك زمام الأمور منذ البداية بالقوة، وكان سهلاً جداً فرض القانون بصرامة، وكان سهلاً جداً أن تكسر شوكة من أراد اختطاف البلد من خلال افتعال “خريفه الطائفي” الآتية رياحه من الشمال. حالة السلامة الوطنية نموذج صريح لعملية استرجاع الأمن المفقود بكل سهولة. لكن هل كانت تلك الحالة هي الحل للخروج من أزمة استفحلت تداعياتها بسبب موجة التشويه والكذب والتلفيق في الخارج؟! رغم ردود أفعال الناس، ورغم تقلب العواطف وسيادة الانفعال في عملية بناء المواقف والمطالب، إلا أن ملك البحرين آثر أن يدير الأمور بحكمة تحتاج إلى جرأة وشجاعة. حمد بن عيسى قدم درساً في عملية إدارة الأزمات، قدم أنموذجاً متفرداً من نوعه، نرى اليوم مدى تأثيره على الجميع، سواء من أبناء مخلصين لهذا الوطن، أو أطراف دولية لها تأثيرها وحتى مما زالوا يحلمون بإسقاط الدولة. حكمته زرعت الثقة لدى المخلصين بأن هذه البلد لن تذهب إلى أي مستقبل أسود مظلم، فيه تضيع هويتهم ويكتب عليهم الضرر بالعيش ضمن نظام مرتهن للخارج يأتمر بـأمر “الولي الفقيه”. بل حكمته وطريقة إدارته هي ما سببت حتى لدى المناهضين للدولة حالات وحالات من “الشتات” في التخطيط والتفكير والتنفيذ، دفعتهم لحرق أوراقهم حرقاً الواحدة تلو الأخرى، فمن حالة رفض أية محاولات للحوار والتفاوض، إلى مرحلة “الترجي” لأجل الجلوس مجدداً مع الدولة. ولا يقنعنا حزب الله البحريني بعكس هذه الحقيقة، إذ البحرين كلها باتت تعرف بأمر المراسلين المبتعثين يومياً بالخفاء لفتح قنوات مع النظام بهدف إعادة إحياء فرصة للحوار. إن كان الحوار المفترض قد حكم عليه بالفشل قبل بدايته فأنتم من تسببتم بهذه النتيجة لا الدولة، إذ التعنت في المواقف هو ما أضاع عليكم الفرصة تلو الأخرى، وهو ما سيضيع عليكم كل بارقة أمل في المستقبل، إذ أمام المجتمع الدولي باتت الأوراق مكشوفة، فمن يرفض الحوار هو الطرف الذي يضع قبله شروطاً مسبقة ويواصل “ركوب رأسه” إما ما أريد وإلا نواصل حرق البلد. حكمة هذا الرجل استجلبت إشادات المجتمع الدولي بكل خطوة أقدم عليها، هاهي بريطانيا تؤيد وروسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا وغيرها من أقطاب دولية مؤثرة، فالخطوة التي أقدم عليها النظام البحريني غير مسبوقة، وفيها من الشجاعة والجرأة والثقة بالنفس ما يؤكد قوة موقف النظام مقابل فئة تريد أن تستغفل العالم بالكذب وتشوه الحقائق في البحرين. في وقت القوة، وفي حالة السلامة الوطنية، أعلن ملك البحرين عن إطلاق حوار شامل لا سقف له، ووجه الدعوة للجميع، حتى من خان الوطن ومن استنهض الناس باللعب على جراحاتهم تارة وبترويعهم وتهديدهم تارة أخرى، فقط ليثبت للعالم بأن البحرين دولة لا تمارس الديكتاتورية والقمع، بل هي دولة قائمة على مبادئ الحوار والتفاهم وإشراك الشعب في صناعة مستقبله وتحديد خياراته. لم يكتفِ الملك بذلك، بل أبهر العالم في خطوة فيها من الشجاعة الشيء النادر حينما استجلب لجنة دولية مستقلة لتتقصى الحقائق ولتوضح الأمور، ولتخرج بتقرير يشير لأخطاء ارتكبتها أجهزة الدولة في تعاملها مع الأزمة، مقابل ذلك رصدت اللجنة الدولية حالات وحالات من التجاوزات وعمليات الترهيب ومساعي الاختطاف التي قام بها الانقلابيون، مثبتة وبشكل لا يقبل الجدل بأن ما حصل في البحرين لا يمت للربيع العربي بأية صلة. ملك يقبل وفي نفس اللحظة بكل ما جاء في التقرير ويوجه إلى تنفيذ توصياته جنباً إلى جنب مع تنفيذ توصيات الحوار المنبثقة من مكونات المجتمع، ويشكل لجاناً تعمل بجد لتفعيل كل ذلك. حراك دؤوب شهدته البحرين لتطبيق كل هذه الأمور، في مقابل حراك إرهابي يدار في الشارع من قبل الفئات التي تدعي في وسائل الإعلام الغربية بأنها تعمل لأجل مستقبل البحرين بينما الحقيقة أنها كانت تعمل لحرق البحرين يوميا.ً ملك يبني بلده كل لحظة، يتعامل بسعة صدر حتى مع مَن أساء له، ويمضي قدماً لتخليص البحرين من سموم اخترقت جسدها بفعل المسيئين لها، وفئات تهدم البحرين كل يوم، تحشد المسيرات، تواصل الهتاف الانقلابي دون أن تمنع أو تقمع ودون أن يمنع قادة التأزيم من السفر أو يضيق عليهم. ظنوا بأن البحرين سقطت حينما احتشدوا في الدوار، ظنوا بأنها ماضية لتستقر في راحة الولي الفقيه بعد عودتهم مجدداً للدوار، ظنوا بأن النظام سيرتبك وأنه سيسلمهم زمام الأمور ليعيدوا رسم شكل البلد كما يريدون ويشتهون. لكن كل هذا لم يحصل، فطريقة إدارة الأزمة كانت بمثابة الصدمة التي فوجئوا بها. ما قام به جلالة الملك نهج غير مسبوق، توجه شجاع عبر مبادرات كل واحدة منها استوجبت ردود فعل دولية تشيد وترحب، لتمضي وتؤكد على حقيقة باتت ثابتة، إذ هناك في البحرين ملك يريد لبلده أن تزدهر وتنمو ويريد لشعبه أن يعيش حياة كريمة، حتى من خان وانقلب على وطنه لم يتم التعامل معه مثلما تعامل بشار الأسد مع مناهضيه، ولم يشنق مثلما يشنق مناهضو الخامنائي، بل مازال حضن الوطن مفتوحاً له. المخلصون من شعب البحرين عانوا لفترات طويلة، كانوا تائهين في عملية الفهم، لا يعرفون ماذا يحصل، وما الذي يخبئه لهم المستقبل. لكن اليوم تتضح الصورة أكبر، بات جلياً بأن البحرين ستظل عربية خليجية خليفية. وسيأتي اليوم عاجلاً أم آجلاً الذي سيدرك فيه من تبعوا حزب الله البحريني وانساقوا وراء حلم دولة الولي الفقيه كم أن حمد بن عيسى أرحم بهم ممن يستغلونهم كل يوم لأجل مآربهم ومن يعتلون ظهورهم ويرخصون بدمائهم لأجل بلوغ المناصب والكراسي للتحكم في مقدرات هذا الوطن. البحرين اليوم أقوى من السابق، خطها ثابت، دولة تعترف بوجود الأخطاء وتعمل على إصلاحها على مرأى ومسمع من العالم، ليست كحال من قتلوا البشر وخربوا البلد وأرعبوا أهلها، ومع كل ذلك يرفضون الاعتراف بزلة واحدة من زلاتهم. ما حصل في البحرين خير برهان على أن حمد بن عيسى هو أحرص المواطنين على إرساء دعائم الإصلاح وضمان استمرار النهج الديمقراطي، وأنه أحرص الناس على شعبه حتى من غرر بهم وانقادوا وراء هلاوس وأحلام الانقلابيين. نموذج إداري راقٍ حفظ الله به البحرين من الشر المحدق بها، نموذج قدمه رجل سنظل نفتخر به ونثق به ونضع جميله ديناً في رقابنا. حفظك الله يا حمد بن عيسى.