كتب - حذيفة إبراهيم:
فيما ظل البحرينيون يترقبون أصداء الدعوة الجديدة التي أطلقها سمو ولي العهد أخيراً لبدء حوار وطني يفضي إلى تقدم واضح على صعيد المصالحة الوطنية، ويتابعون باهتمام إن كانت توجد بين قوى المعارضة أطراف معنية بهذه الدعوة، وجادة في المشاركة في حوار حقيقي يرتكز على إيقاف العنف، ومشاركة مختلف شرائح المجتمع، والابتعاد عن الإملاءات أو الضغوط الخارجية، جاءت الندوة الحوارية التي نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة تحمل كثيراً من الأجواء الإيجابية والوعود المشرقة لبدء مرحلة توافق وطني حقيقي انعكس من خلال مداولات الندوة، وشجعت كثيراً لعقد ندوات مماثلة لتكريس واقع الحوار كمبدأ حضاري لحل جميع المشكلات، وتحقيق المصالحة الوطنية.
ندوات أخرى
وقال مستشار جلالة الملك المفدى للشؤون الدبلوماسية ورئيس مجلس أمناء «دراسات» د. محمد عبدالغفار لـ «الوطن»: «إن أجواء الندوة كانت مشجعة، والمشتركين اقترحوا إقامة ندوات أخرى وهو ما شجعني للتفكير، خصوصاً أن تلك الندوات غير سياسية كون مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة مستقل ولا يتبع الجهة التنفيذية الحكومية».
وأضاف «أتمنى أن تكون هذه الأجواء الإيجابية ممهدة للحوار الوطني، والبحرين تعاني من كثير من القضايا التي تحتاج للمناقشة فيما بيننا، والمركز نجح في ضم الجمعيات السياسية تحت سقف واحد، خصوصاً أن تلك الجهات لم تجتمع مع بعضها البعض منذ فترة، وربما تكون هذه فاتحة خير للتواصل».
وأكد أن موضوع حقوق الإنسان مهم لجميع الأطياف السياسية والمجتمع البحريني قاطبة، مبيناً أن لا أحد في المملكة بغض النظر عن توجهاته يرضى أن لا تكون سمعتها جيدة بين دول العالم، مبيناً أن اختيار الموضوع جاء ليقتنع الجميع بإمكانية مناقشة الأمور الحساسة والمهمة.
وأوضح د. عبدالغفار أن البحرين مجتمع ديمقراطي ومتفتح لجميع الآراء، وهو ما انعكس على تلك الندوة التي شارك بها الجميع دون أي شد أو جذب، مما أكد ضرورة قيام البحرينيين بعمل إيجابي لمصلحة المملكة.
نبذ العنف
وتجمع مختلف القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني المحلية على وجوب نبذ ووقف العنف كعلامة على جدية المعارضة في الحوار الوطني، حيث لا يتصور صمود أية دعوة للحوار الوطني يقابلها حوار من نوع آخر عبر قذائف المولوتوف ومسيرات الحرق والتخريب.
ويكتنف الساحة السياسية في الآونة الحالية شكوك تجاه المعارضة الراديكالية بأن تقابل المبادرة الجديدة بما قوبلت به سابقاتها إما بالتجاهل والاستعلاء، أو المقاطعة المصحوبة بتصعيد العنف في الشارع، أو الرهان على الخارج لعلها تجني مكاسب سياسية تزيد من فرصها في أية جولة تفاوض، وهي حالة – إن تكررت – لن تساهم في تهيئة الأجواء للحوار.
أكد ذلك أمين عام تجمع الوحدة الوطنية عبدالله الحويحي، وقال إن الاختبار الحقيقي للمعارضة يمكن في «إدانة العنف» وهو ما تم طرحه في الندوة الأخيرة، بالإضافة إلى تبني الخط الوطني بجميع أشكاله سواء من خلال الندوات أو التصريحات الإعلامية وغيرها.
وأوضح أن ما تم طرحه في الندوة يساعد على الانفراج في الأزمة من خلال الاستماع إلى آراء الآخرين، مبيناً أن إدانة العنف «شرط أساسي للتقدم في أي مجال آخر».
وأشار إلى أن تجمع الوحدة يتمسك في إدانة العنف في سبيل إجراء أي حوار، مؤكداً أن «التوافق الوطني» قضية كبيرة وأن الأجواء الحالية تساعد على الوصول إليه.
دعوات مستمرة
ولم تتوقف دعوات الحوار الوطني والجلوس للاستماع إلى مختلف أطياف المجتمع البحريني، منذ اندلاع الأحداث المؤسفة في فبراير من العام 2011، ومروراً بجلسات حوار التوافق الوطني الذي انسحبت منه المعارضة دون أسباب مفهومة، وهو ما أثار تكهنات بأن قرار الانسحاب اتخذ في الخارج استجابة لتوجيهات المرجعية الأيدلوجية أو تماشياً مع تقاطعات بعض المصالح القوى الدولية، إضافة إلى الأنباء التي وردت في الأسابيع الأخيرة حول ما وصف بمراوغة بعض الجمعيات بطلب صيغ من الحوار والتراجع عنها لاحقاً، تتمحور حول الرغبة في التحاور منفردة مع الجانب الحكومي، في تجاهل لباقي مكونات الوطن.
ويجمع كل من المستويين الرسمي والشعبي على أن أي حوار وطني سيعدو غير ذي مضمون إذا استثنى أي فصيل أو تيار أو شريحة من المجتمع، كما إن وضع أي شروط مسبقة اعتبر منافياً للرغبة الصادقة في الحوار، والوصول إلى مساحات اتفاق تصون الوحدة الوطنية.
وفي هذا السياق، يشار إلى أن النجاح الذي حظيت به مملكة البحرين في وأد الفتنة والحفاظ على تماسكها مقارنة بما جرى ومازالت تذوق ويلاته دول أخرى مرت بظروف مشابهة وترتكب فيها المجازر حتى اليوم من قبل أنظمتها القمعية، لم يكن مصادفة، وإنما نتيجة لخطوات إصلاحية متأنية بدأتها البحرين منذ سنوات آتت ثمارها إبان فترة الأحداث وما بعدها، وذلك بشهادة منظمات دولية، منها منظمات العمل العربية والدولية، ولجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وهو ما يدحض مزاعم بعض القوى المتربصة بمملكة البحرين التي تتعامل مع الأوضاع فيها بمعايير مزدوجة قياساً على مواقفها من دول أخرى.
ومن هذا المنطلق، لا يمكن مقارنة حجم التسامح والتماسك الاجتماعي وطبيعة العلاقة بين نظام الحكم والقاعدة الشعبية في المملكة بدول أخرى تعاني، مع الأخذ في الاعتبار أن جلالة الملك قبل جميع توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق بما تحمله من انتقادات.
وثمة تحد آخر يواجه المعارضة في موقفها من الحوار وهو إبداء مبادرات لإثبات حسن النية تجلي توجهاتها الحقيقية أمام المجتمع فيما يتعلق بالولاء للوطن كأولوية تسبق سواها من الولاءات، والتمسك بامتدادها الخليجي العربي، وهويتها الثقافية والإسلامية.
ولاشك أن أي حوار وطني يعتبر خطوة على طريق التزام مملكة البحرين بتنفيذ توصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، بتحقيق المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية ونبذ خطاب الكراهية، كما إن أي حوار مرتقب يجب ألا يتجاهل الإرادة الشعبية التي أيدت المسيرة الإصلاحية منذ انطلاقتها وما حققته من مكتسبات متراكمة في شتى المجالات السياسية والتنموية، جعلت من المملكة نموذجاً رائداً ومتقدماً بالنسبة لمحيطها الإقليمي.
بدورها تتحمل الدولة مسؤولية الاستماع للجميع، وإقناع شرائح المجتمع التي شاركت سابقاً في حوار التوافق الوطني، بجدية وجدوى الانخراط في حوار جديد، خصوصاً بعد أجواء الإرهاب التي حاول فرضها من تبنوا العنف وسيلة لفرض رؤاهم على الدولة والمجتمع.