كشفت دراسة حديثة أجراها علماء أمريكيون النقاب عن أن الأطفال مشتتي الذهن والذين لا يستطيعون التركيز في أدق تفاصيل حياتهم بطريقةٍ كافيةٍ، ويشردون لأوقاتٍ طويلةٍ، يتمتّعون بذكاءٍ حادٍ وذاكرةٍ حديديةٍ وعقلٍ نابغٍ. وقال دانيال ليفنسون، الطبيب بقسم الأمراض النفسية والعصبية بجامعة ويسكونسن ماديسون “إن الأشخاص الذين يبدو عليهم الشرود والتشتّت الذهني يتمتعون بذاكرة فائقة تختزن الكثير من المعلومات والاستعانة بها في الوقت المناسب”. ويعتبر الشرود الذهني في التعليم أحد أهم أسباب عوائق التعلم لدى الطلاب والطالبات، ففي هذه الظاهرة إهدار للطاقات والقدرات للمتعلمين، وكذلك للمعلمين، وهو ببساطة يتمثل في عدم تفعيل الطالب لقدراته المعرفية والعقلية والحسية للمثيرات المحيطة بالشكل المطلوب أو الكافي، مما ينتج عنه عدم التمكّن من الفهم والتعامل المناسب مع المعلومات والأحداث، لكن التسمية العلمية لهذا المفهوم هو (نقص الانتباه)، وهو سلوك قد يتلازم مع جميع المواقف الحياتية، سواءً في المنزل أو البيئة المحيطة. ومن هذا المنطلق تبرز الحاجة إلى دراسة حالات نقص الانتباه في مجال علم النفس لجميع المراحل الدراسية، لما تمثله هذه المراحل بالذات من ركيزة أساسية في اكتساب المعارف والعلوم، وتكوين السمات الشخصية والمعرفيّة السويّة. وللوصول إلى تفسير علمي لأسباب نقص الانتباه عند الطلبة، فقد عزا علماء النفس الظاهرة إلى عوامل وراثية، وتتمثل في حمل بعض الصفات الجينية ذات العلاقة بالطبيعة المعرفية للإنسان، مثل الاستعداد الوراثي، وحالات الاضطراب في الجهاز العصبي؛ وعوامل بيئية، وتتمثل في الجو المحيط بالطالب ومدى تأثيره عليه من حيث أساليب التنشئة الاجتماعية وآثارها، وشيوع الأمراض النفسية كالقلق والاكتئاب، إضافةً إلى الضغوط النفسية والاجتماعية. أما بخصوص العلاقة بين شرود الذهن وقوة الذاكرة، فيكفي أن نعرف أن نقص الانتباه يمنع تزاحم القنوات النشطة بالمعلومات في الدماغ البشري، ويسمح بتركيز الانتباه عن طريق تحرير العقل مؤقتاً حتى يركِّز في شيء واحد فقط، ويزيح عن عاتق الحاضر عبء الماضي، خاصةً الذكريات المؤلمة، وبالتالي فإن شرود الذهن يعين المرء على النسيان؛ ونحن ننسى لأنه يجب علينا أن ننسى، وليس لأننا نريد النسيان، على حد تعبير ماثيو أرنولد (1822-1888)، الشاعر والكاتب الإنجليزي، وربما لأننا نريد فعلاً أن نحسِّن قدرتنا على تذكّر الأشياء الجميلة