كتب ـ إسماعيل الحجي:
في فضاء مفتوح، ووسط أحد بيوتات فريج الفاضل بالمنامة، اختار حسين عبدعلي الحوش العربي مسرحاً لعمله «عندما صمت عبدالله الحكواتي»، في استحضار لمشهد «حكواتي» يعتلي كرسياً كملك، وحوله يتحلق جمهور مأخوذ بما يرويه من غريب القص وعجيبه.
حط «عبدالله الحكوتي» رحاله ببيت قديم، كان المكان ضيقاً يلفه الدفء، في الوسط دكة خشبية مربعة قليلة الارتفاع تشكل مسرح عبدالله الحكواتي ورفاقه، حولها كراسٍ صغيرة رُصت إلى جانب بعضها على شكل صندوق مفتوح، تكاد تلامس خشبة المسرح، وتطرح رؤية مختلفة بين العرض وجمهوره وتؤلف بينهما ليصبحان كلاً لا يتجزأ.
هناك شاهد الجمهور عرضاً مختلفاً، كان جزءاً من أبطال الحكاية، سمع أنفاسهم، لامس أكفهم، كاد ينبههم لأخطائهم وعثراتهم، بينما جاس الممثلون بين الكراسي، جلسوا عليها مع الحضور، وربما تجاذبوا أطراف الحديث.. والعرض مستمر، وربما لهذا السبب اختار حسين عبدعلي البيت القديم مسرحاً، في محاكاة لبيئة الحكواتي الدمشقي.
يفتح العمل الباب واسعاً على قراءات متعددة للنص الحكائي، وأسلوب العرض، والاستخدام المتقن لسينوغرافيا تعود لبدايات المسرح، وتطويعها بما يوائم متطلبات عصر متقدم تكنولوجياً.
عندما يصمت عبدالله الحكواتي، تبدو السماء شاحبة في عالم مستمعيه.. كأنها فقدت أنجمها وقمرها المضيء، فلا قصص عنترة وأبو زيد الهلالي تلهب مشاعرهم، ولا مغامرات مجنون ليلى وجميل بثينة تدغدغ أحلامهم وتهدهدهم إلى عالم النوم الساحر، صمت عبدالله وتمنى الجميع أن ينطق يوماً ولو بمعجزة.
أجاد حسين عبدعلي في عرضه المسرحي المزج بين الكوميديا وتراجيديا الواقع.. قارب حقيقة غابت عن أذهان الكثيرين.. كيف تصبح حكواتياً؟ فما أن صمت عبدالله حتى تحدث الجميع، الفجائع والمآسي والنكبات قصص تروى.. كانت لكل مستمع حكايته المختلفة.. تبادل الجميع الأدوار.. في مشهد غاب فيه الحكواتي وانزوى بالظلمة.. طالما الدنيا كلها تحكي وتجد آذاناً صاغية.
بأدوات بسيطة كمّل المخرج أدواته المسرحية، بضعة صناديق خشبية جُوّفت وشُكّلت بإتقان أدت أدوار البطولة في القصص المتعاقبة، كراسٍ تارة وسريراً تارة أخرى وأشياء زائدة مهملة في مرات، غابت الموسيقى المسجّلة عن العمل وحضرت الموسيقى الحية الهادئة، والإضاءة ببساطتها وتوظيفها المتقن شكلت العقدة والحل معاً.
أبو المسرح البحريني عبدالله السعداوي كان حاضراً، هو نفسه بطل القصة والكومبارس أيضاً، ورغم اقتصار دوره على مشهدي البداية والنهاية والصمت المطبق الطويل بينهما، حكى بجسده وبأسلوب المسرحي الخبير الحكاية كلها، ننتقل بعدها في عوالم مختلفة أداها ببراعة وإتقان كلاً من حسين عبدعلي وباسل حسين ومحمد الصفار ومحمود الصفار ومحمد المرزوق، قدموا حكايتهم بقوالب تمثيلية جديدة، غلُب التكلف على بعض صورها.
قدم المخرج توليفة أحسن المزاوجة بين صورها المتباعدة، مكانياً وزمانياً، في مشهد بصري ثري قطّعتها لقطات ميلودرامية تناوب الممثلون في أدائها بقصصهم وحكاياتهم، وظهرت في النهاية لوحة واحدة متكاملة متناغمة بتفاصيلها مع جمهور صفق بحرارة لعرض اندمج فيه جسداً وروحاً.
صمت عبدالله الحكواتي، انتظر الجميع أن يفك الجني أو «الشبح الأسود» عقدة لسانه، خلال العرض نسوا وجوده.. قبل ختام المسرحية بوغتوا بظهوره المفاجئ، كان يكابد ليقول كلمة.. حرفاً.. أيقن الجميع أنه صمت إلى الأبد.