كل الشعارات التي رفعت في بيان مسيرة عيسى قاسم حول حكم الشعب والديمقراطيات والمساواة والعدالة و.. و.. كلها شعارات جميلة ولا خلاف حولها، وليس هناك بحريني ضدها وهذا قيل ومنذ اليوم الأول، نحن خلافنا في أن تلك أدوات إن منحت بشكل محدد وبصيغة محددة اليوم ونحن في هذه المعطيات التي تساق فيها عشرات الألوف بفتاوى دينية، لن تكون أدوات في يد الشعب؛ بل ستكون أدوات في يد فرد يحرك عشرات الآلاف بفتاواه الدينية، وسيعود مركز القرار إلى الولي الفقيه الذي سيحدد أسماء الوزراء وبرنامج الحكومة وستحكم إيران من خلال وكيلها الشرعي مسار التشريع والتنفيذ بل والقضاء أيضاً إذ يراد له أن يكون منتخباً، هذه هي الترجمة الحرفية لما تطالب به الوفاق الآن، وهو السيناريو العراقي (كوبي بيست). متى تكون الديمقراطية هي منهجاً مثالياً لتسيير إرادة الشعب ولا يخشى منها ولا تجد بحرينياً يعارضها، لا سنياً ولا شيعياً؟ متى سنبصم بالعشرة على مجلس تشريعي منتخب بالكامل وحكومة منتخبة بالكامل؟ حين يكون هناك قانون يمنع منعاً باتاً وجازماً وحاسماً، وتوضع لمخالفته عقوبة صارمة على أي رجل دين يتحدث في السياسية عبر المنبر الديني أو يشكل أو يؤسس مجلساً علمائياً شيعياً أو سنياً خارج نطاق القانون بدعوى الخصوصية، وحين يمنع على هذا المجلس أو أعضائه فرادى أن يتدخلوا في السياسة، وحين تعتزل كل الوجوه التي تصدرت المشهد السياسي الحالي وتضع البحرين أولاً وقبل نفسها وقبل مذهبها، ويترك الشارع تحركه البرامج السياسية لتتصارع صراعاً إدارياً منهجياً سياسياً صرفاً لوحدها دون تدخل من أي منبر ديني سني أو شيعي، حينها فقط نستطيع أن نقول إن تلك الأدوات ستقود إلى أن يحكم أهل البحرين فعلاً نفسهم بنفسهم عبر مجالس منتخبة وحكومة منتخبة وسلطة قضائية مستقلة. أما اليوم فنحن أمام تغليف لحكم ولاية الفقيه عبر تسويق أدوات السيطرة والتحكم على أنها أدوات (ديمقراطية ومدنية)، وهي أبعد عن الديمقراطية والمدنية بعد السماء عن الأرض. ما تريده الوفاق الآن هو إن لم تنجح في إلغاء مجلس الشورى، ولم تنجح في إقرار تشكيل الحكومة المنتخبة من الكتلة الأكبر، كالنموذج العراقي فعلى الأقل تريد أن تمرر بند تعطيل تشكيل الحكومة من خلال منح ثلث عدد النواب صلاحية تعطيلها كالنموذج اللبناني، هذا هو الآن هدف الوفاق الأكبر؛ هي تريد الهيمنة والسيطرة من خلال هذه التعديلات الدستورية. أما هذا الحديث الناعم عن المساواة والعدالة و.. و.. و..؛ فقد شهدنا زيفه بأم أعيننا بعد أن منح حزب الدعوة العراقي فرصة الحكم عبر ذات الأدوات التي تطالب بها الوفاق، حينها لم يتزحزح المالكي عن مقعده ولم تشكل حكومة عراقية إلا بأوامر إيرانية، واليوم إيران هي من يحكم العراق وفي أحسن أحوالها السيستاني هو من يبارك أو يلعن حكوماتها وكلها لا تجعل من العراقيين حكاماً لأنفسهم. والنموذج اللبناني منح حزب الله ثلثاً معطلاً أبقى لبنان بلا حكومة أكثر من سنة ونصف واحتل حزب الله السوليدير كي يمنعوا تشكيل الحكومة، والنموذجان العراقي أو اللبناني هما ما تريد الوفاق أن تمررهما عبر شكل التعديلات الدستورية التي تقترحها، بل إن مرزوقهم هو من قال إن أفضل نماذج الدولة المدنية تلك التي يراها اليوم موجودة في العالم هما العراق ولبنان!! (ألا ما أظلمها من مقارنة؟ المواطن العراقي واللبناني يحلمان بالعيش في البحرين أو أن يحصل أي منهما على نصف ما يتمتع به المواطن البحريني من حرية وكرامة وأمن وأمان وخدمات، لكنه التعصب المذهبي الأعمى الذي لا يرى جمالاً إلا في وصول أصحاب المذهب للحكم). فلا تخدعكم الابتسامة الصفراء ودعاوى المدنية أو الديمقراطية وأن نخشى اتهامات جاهزة بأن من يعارض مقترحات الوفاق يعارض المطالب الإنسانية، كلام مأخوذ خيره والمراقبان (الأمريكي والبريطاني) يعرفان ذلك خيراً منا، فإن كان الجلبي خدع الأمريكان وركب حصانها ثم قاده هو للوجهة التي يريد، وأوصل الحكم الإيراني للعراق عبر طرواده؛ فإن البحرين عصية على أي جهة ستتدخل وتحيلنا لعراق آخر أو لبنان آخر. ^ ملاحظة على الهامش.. هل تساءل السفراء الأجانب الذين كانوا موجودين في حفلة بوتشيلي حين كانت المقاعد ممتلئة على الآخر والأجواء كانت ولا أروع؛ أنه في حال تمرير تعديلات الوفاق، هل تساءلوا إن كان بإمكانهم أن يحلموا بأن يقضوا أمسية كهذه في البحرين؟ الجواب.. بل ستكون أمسياتهم كزملائهم المنتدبين في العراق أو في إيران!! حرام عليكم اتقوا الله في أهل البحرين كونوا منصفين في حق مدنية أهل البحرين التي يراد لها أن تنحر على يد الولي الفقيه.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}