كتب - عبدالرحمن محمد أمين:
لدى زيارتي الأخيرة لدولة الكويت الشقيقة كنت في ضيافة الأخ عبدالله محمد عبدالله الأيود -زوج شقيقة زوجتي- ومعرفتي به تمتد لثلاثين عاماً، إذ إنه بعد عودتي من شهر العسل في مصر عام 1974 زرت الكويت لأول مرة بدعوة من أخ وصديق عزيز تعرفت عليه خلال سفرنا للقاهرة، لأن زوجته كانت بحرينية من عائلة كريمة معروفة، وكانت معي أخت زوجتي.
من الصدف الغريبة أنا كنا نحضر حفلاً مسرحياً كويتياً، وخلال المسرحية تعرفت على الأخ عبدالله ومنها كانت الخطوة الأولى لزواجه وارتباطه بشقيقة زوجتي، وللعلم فإني زرت الكويت بعدها عشرات المرات، وكنت في كل الزيارات أسكن في منزل الأخ عبدالله، وفي زيارتي الأخيرة كنت أطلعت الأخ عبدالرحمن صالح الدوسري مشرف صفحة ملفى الأياويد على رغبتي في إجراء لقاء مع الأخ عبدالله الأيود لأنه يملك متحفاً يضم الكثير من المقتنيات الأثرية، ورحب بالفكرة فكان اللقـاء.
الطريق إلى وزارة النفط
عبدالله محمد الأيود من مواليد 1954 منطقة الأحمدي، وفي عام 1958 دخل روضة الأحمدي بعمر 4 سنوات «انتقلت بعدها إلى مدرسة الأحمدي المشتركة وكانت الدراسة وقتها على فترتين صباحية ومسائية.. كنا خلال دراستنا في الروضة ننام فيها بعد الغداء».
في عام 1966 التحق بمدرسة الفحيحيل الثانوية حتى عام 1971م حيث أكمل دراسته الثانوية «بعد التخرج التحقت بالعمل عام 1974 بوزارة النفط وعملت فيها مدة 6 سنوات واستلمت أول راتب وكان 123 ديناراً، وفي عام 1980 وإلى يومنا هذا انتقلت للعمل لدى إحدى شركات القطاع النفطي لحصولي على مميزات ومجال أفضل في العمل، وانخرطت بعدة دورات داخلية وخارجية في مصر والإمارات وبريطانيا، وأعمل حالياً بوظيفة مراقب منطقة».
هواية جمع التحف
بدأ عبدالله الأيود هواية جمع الأشياء القديمة «الأنتيكات» ابتداءً من العام 1979م وقبل الغزو العراقي للكويت بعشر سنوات «تمكنت خلالها من امتلاك عدد كبير وضخم من المقتنيات النادرة من خلال الشراء والإهداء، لكن للأسف فقدتها أثناء الغزو مازلت حزيناً عليها، وكان بينها صور لأبي وأجدادي وبعض مقتنياتهم وأوراقهم الثبوتية وصور نادرة لجزيرة فيلكا ووثائق تخص ممتلكات والدي وجدي بالجزيرة».
حول سبب اهتمامه بجمع الأشياء التراثية يقول عبدالله «رغبة مني في حفظ التراث الكويتي خاصة والخليجي عامة، والذي يكاد أن يكون متشابهاً في معظم التفاصيل مثل المباني والألبسة والأجهزة والأدوات المستخدمة في الطبخ والغسيل، ما زاد في إصراري على السير في هذا الدرب رغم كل المشاق».
حرص الأيود خلال تنقلاته بين الدول الخليجية وخاصة البحرين لوجود أصدقاء كثر فيها، على زيارة أسواق شعبية تعرض فيها الأدوات القديمة «كنت لا أتردد في شراء الحاجيات التي تقع بين يدي، فيما حصلت على بعضها كهدايا من إخوة بحرينيين يزورونني في الكويت، وعندما عزمت على بناء منزلي الحالي كان أول تفكيري هو إيجاد مساحة من البيت تكون بمثابة متحف، وفعلاً بنيت سرداباً تحت البيت لاستخدامه في حفظ المقتنيات الأثرية».
ويقول «المكان كان واسعاً ومساحته تقارب 100م2، والمساحة المستخدمة حالياً ليست إلا جزءاً بسيطاً جداً من مساحة السرداب، وأتمنى أن أتمكن من استغلال المساحة الباقية من المكان في توفير ما أنوي تحقيقه وجمعه مستقبلاً، وأنا بجانب جمع الأدوات المعدنية المستخدمة سابقاً أهوى جمع العملات القديمة وصور الأماكن والمواقع الأثرية ولدي مئات الكتب الدينية والسياسية والأدبية والعلمية».
وللتواصل مع الزملاء ممن لديهم هواية جمع التراث، زار صالح محمد الحسن في منطقة عراد بالبحرين «أعجبت كثيراً بمعرضه وما يحتويه من مقتنيات.. كنت أتمنى لو أن لديه مكاناً واسعاً لعرضها لكان حقيقة من أوائل هواة جمع التراث، وأنا أتطلع لزيارته لي في الكويت والاجتماع معه ثانية للاستفادة من خبرته وأفكاره».
ويحرص الأيود كثيراً على امتلاك صور جزيرة فيلكا التي عاش فيها طفولته ومسقط رأس والده وأجداده «هي جزيرة جميلة وتحوي على أرضها تاريخ الكويت المجيد، والآن أنا انتظر يوم تقاعدي عن العمل للتفرغ تماماً لتنمية هواياتي وتوسعة متحفي وممارسة صيد الأسماك ودخول عالم البحر، حيث إني من هواة صيد السمك أسوة بما كان عليه الآباء والأجداد من سكان جزيرة فيلكا سابقاً، كما أهوى السفر وزرت معظم الدول العربية والآسيوية خاصة الهند التي حصلت منها على كثير من التحف التاريخية».
جزيرة فيلكا تحكي تاريخ الكويت عبر الماضي ويقول الأيود «كنت أثناء الغزو العراقي للكويت فقدت كل ممتلكاتي الأثرية، وأعجبت بمتحف صالح محمد الحسن في البحرين، وأعتز بصورة نادرة لأمير البحرين الراحل عندما كان ولياً للعهد، وأنا اعتبر الاهتمام بهذا النوع من التراث بمثابة حفظ لتاريخ منطقة الخليج الغنية بتراث صنعه الأجداد وحافظ عليه الآباء لفترات طويلة من تاريخ يروى ما تعرضت له المنطقة من أطماع خارجية».
ويأمل الأيود أن يهتم أبناء الجيل الحالي بدراسة التاريخ والاهتمام به ونقله لدول العالم «كي يعرف الآخرون تاريخنا وحضارة أجدادنا في المنطقة».
الحياة الزوجية
تزوج عبدالله عام 1981 من إحدى بنات عائلة سيادي في البحرين «لدي الآن خمسة أبناء 3 بنات إحداهن متزوجة وأنجبت لي حفيداً يحمل اسمي، وولدان، جراح يعمل الآن في إحدى شركات النفط وأحمد طالب جامعي يدرس في الأردن، وخلال حياتي السابقة سكنت منطقة الصباحية شمال الأحمدي بعدها انتقلت إلى منطقة مبارك الكبير».
يستغرب عبدالله في حديثه من أبناء هذا الجيل «تجدهم بعيدون كل البعد عن تاريخ أجدادهم واهتماماتهم التي لا ترتبط بماضٍ عاشه الأولون وعانوا من ويلات هذا الزمن سواء في الغوص أو في العمل بشركات النفط، وكيف كان الآباء يتحملون الكثير من قسوة الحياة من أجل لقمة عيش تسد رمق أبنائهم وتجنبهم الجوع وتعليمهم وتمييزهم عن الآخرين».
ويضيف «في المقابل تسمع اليوم عن قصص كثيرة لجحود الأبناء لآبائهم والتخلص منهم ورميهم في مصحات بعيداً عن منزل العائلة بعد أن كانوا هم من حفر أساساته وعمره لبنة على لبنة، ليجدوا أنفسهم في أواخر أيامهم خارجه، هذه الصور تجعلني أتحسر زمن ولى دون رجعة ورجاله الذين تحملوا العناء ليصلوا بأبنائهم إلى بر الأمان وبعدها قالوا لهم شكراً وجودكم لا يلزمنا».