^ إن كان هناك من شيء يجب أن يتم توضيحه اليوم، فهو أنَّ ما يُطلق عليه حوار، إنَّما هو أحد أشكال المفاوضات السياسيّة، وهو فرع من فروع العلوم السياسيّة، لكن ماذا تعني المفاوضات؟ هي أن نصل أنا وأنت إلى منطقة في الوسط بيني وبينك، أو منطقة في المنتصف لجميع أطراف المفاوضات، لكن في وضعنا البحريني ما هي المنطقة التي تقع في المنتصف بين الأطراف جميعاً؟ أجمل ما قيل عن فن المفاوضات هو أن يحصل كلُّ طرف على الجزء الذي يتمناه من الكعكة، من حيث الحجم، ومن حيث مكان هذا الحجم بالنسبة للكعكة، فليس كلُّ مكان في الكعكة يشبه الآخر. شخصياً لديَّ رأي ولا أُلزم به أحداً؛ ومادام لدينا حرية رأي كما قال، فإنَّ موقفي الشخصي رفض الحوار، ليس مقتاً في الحوار إنَّما لأنَّ الطرف الآخر يستخدم أداة ضغط على الدولة تتمثل في الإرهاب من أجل إخضاعها للحوار والحصول على مكاسب، هذا ما أنا ضدّه، إنَّما مبدأ الحوار هو أمر لا غبار عليه إن كان تحت مظلَّةٍ وأشخاص وطنيين. وبما أنَّ اتجاه الدولة نحو الحوار، هكذا نرى ونسمع رغم أنَّ عبدالجليل خليل قال أمس إنَّه لا يعلم عن الحوار “إما أنَّك لا تعلم، وإما أنَّ الحوار مع غيرك من أطراف، وشخصياً لا أُصدِّق كل ما يُقال” لكن يوجد هناك مؤشر واضح في مسيرتين، حضرتُ إحداهما وهو تجمّع الفاتح. فالتجمّع رفض الحوار بجماهيره، بينما على الجانب الآخر حين قال ممثل “الوفاق” كلمته في التجمّع الذي خرج بفتوى دينيّة من أنَّه يُريد إصلاح النظام هتفوا رافضين. لذلك فإنَّ السؤال هنا؛ حتى وإن قبِلتْ أطراف حضور الحوار، فمَنْ يمثلون؟.. والشارعان الرئيسان يرفضان الحوار؟ الأمر الآخر في مسألة الحوار الذي نسمع عنه هو أنَّ هناك مسألةً يجب أن تكون واضحةً للجميع وهي أنَّ “الوفاق” تُجبر الدولة والأطراف السياسيّة الأخرى للجلوس على طاولة الحوار من خلال ضغط الإرهاب في الشارع، وهذا ما جعل الدولة تُعيد أخطاء الماضي في استجابتها للحوار. بالتالي هناك طرف يملك شيئاً يقدّمه على الطاولة مقابل أن يحصل على شيء أو أشياء، لكنَّ الأطراف الأُخرى “المنبر، الأصالة، الفاتح، الجمعيات الأُخرى” لا تملك أن تُعطي شيئاً مقابل أن تحصل على أشياء. هنا الفارق؛ الفارق في أنَّ لُعبة الإرهاب هي التي تلعب عليها أطراف التأزيم في البلد من أجل أن تقدِّم لها مكاسب، وهذه اللعبة ملَّها المُواطن وكشفها، ولاأدري لماذا الدولة حتى الآن لم تكشفها! استجابة الدولة للحوار تحت تهديد الإرهاب هو الخطأ، وليس الحوار خطأ، ودخول أطرافٍ سياسيّة كبيرةٍ وقبولها للحوار دون أن يكون لديها ورقة مساومة للحصول على شيء هو أيضاً خطأ. فهل سوف يُنظَر للأطراف على أنَّهم متساوون، بينما هناك طرف يدخل من باب الإرهاب في الشارع لإخضاع الدولة للحوار؟ هل تقبل الأطراف السياسيّة الكبيرة أن تجلس على طاولة الحوار وليس لديها ما تقدِّمه من أجل أن تحصل مقابل ما تقدِّمه؟ فنُّ التفاوض يقول ماذا تملك لتعطيني، حتى أقول لك ماذا بإمكاني أن أعطيك؟ وهذا هو الفيصل في مجمل موضوع الحوار، فشعب البحرين لا يرفض الحوار، لكنَّه يرفض أن يُجبَر على الحوار تحت تهديد الإرهاب في الشارع.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}