^ فيما تستعد بغداد لاستضافة القمة العربية المقبلة، تظهر محاولات رسمية من قبل الحكومة العراقية المتحالفة مع طهران للتقليل من أهمية ما يسمى بـ (قضية البحرين) في طبيعة وحجم مشاركة الحكومات العربية في القمة. فالحكومات العربية منقسمة تجاه هذه القمة إلى قسمين، القسم الأول يرى ضرورة المشاركة فيها سعياً لاتخاذ موقف حاسم تجاه الأزمة السورية ولمّ الشمل في مرحلة ما بعد الربيع العربي مع وصول نخب حاكمة جديدة في كل من مصر وليبيا واليمن وتونس. والقسم الثاني يرى أن الحكومة العراقية الحاكمة باتت امتداداً للنظام الإيراني الحاكم في طهران بسبب هيمنة أنصار ولاية الفقيه على سدة الحكم في بغداد. ويبرر هذا الاتجاه وجهات نظره بالموقف العراقي المتخاذل من الأزمة السورية تحديداً رغم تأكيد الحكومة العراقية التزامها بالقرارات العربية المتعلقة بدمشق، ولكن البعد الأهم هو موقف الحكومة نفسها مما يسمى بـ (قضية البحرين). الارتباطات واضحة ومكشوفة بين الحزب العراقي الحاكم والمعارضة الراديكالية في البحرين بسبب التقارب الأيديولوجي القائم على الإيمان بأيديولوجيا ولاية الفقيه، فضلاً عن تعرّض الطرفين لنفوذ وهيمنة إيرانية كبيرة. وفي ضوء ذلك يربط الاتجاه الثاني -الذي تمثله بلدان مجلس التعاون الخليجي- مواقفه من القمة العراقية المقبلة بالمرونة التي يمكن أن تبديها بغداد تجاه قضية البحرين والأزمة السورية. هذا الوضع المعقد تزامن مع سلسلة تصريحات باتت شبه يومية من المسؤولين العراقيين بأن هناك فرقاً كبيراً بين موقف الحكومة العراقية من الأوضاع في البحرين من جهة، وموقف القوى السياسية والرأي العام العراقي من الأوضاع في البلاد من جهة أخرى، وبالتالي لا يمكن الخلط بين الموقفين. أما على مستوى جامعة الدول العربية التي استلمت الأسبوع الماضي طلباً من بعض الجماعات السياسية التي وصفت نفسها بأنها “صديقة وداعمة للثورة في البحرين” بشأن ضرورة إدراج “قضية البحرين” ضمن أجندة القمة العربية المقبلة، فقد كانت هناك مؤشرات لإمكانية إدراج هذا الموضوع في القمة، ولكن تصريحات المسؤولين في الجامعة العربية تلافت هذا الموقف وظهرت تصريحات رسمية تنفي إدراج الموضوع ضمن الأجندة، مؤكدة دعم الجامعة للإجراءات التي اتخذتها الحكومة البحرينية لإعادة الأمن والاستقرار والبدء في إصلاحات سريعة متوافق عليها. كيف يمكن التعامل مع الموقف العراقي في هذه الحالة؟ بغداد كانت بؤرة ساخنة مماثلة للبؤرة التي تمثلها طهران منذ اندلاع الأزمة في فبراير 2011، حيث استضافت بغداد سريعاً مؤتمراً لمناصرة (الشعب البحريني) في ذلك الوقت، وحضرته العديد من الشخصيات السياسية البحرينية والأجنبية في العاصمة العراقية. والبرلمان العراقي علّق جلساته احتجاجاً على طريقة تعامل حكومة المنامة مع الأحداث، فضلاً عن العديد من التصريحات للمراجع الدينية الشيعية في النجف آنذاك. وقد تكون آخر الخطوات العراقية ما قام به التيار الصدري عندما دعا مقتدى الصدر إلى إقامة احتجاجات ومسيرات جماهيرية تتزامن مع يوم الجمعة الماضي الموافق 9 مارس تضامناً مع (الشعب البحريني)، وهو ما تم في نحو 8 محافظات عراقية. هذا بالنسبة لفترة ما بعد اندلاع الأزمة، ولكننا نتذكر جيداً أطروحات المالكي عندما قابل وفداً عن جمعية الوفاق في العاصمة العراقية قبل سنوات، ودعاهم للاستفادة من التجربة العراقية في التغيير السياسي للنظام. يبدو أن بغداد تتناسى كثيراً الدور البحريني قبل وبعد الغزو الأمريكي لأراضيها عام 2003، عندما قدم جلالة الملك مبادرته التاريخية باستضافة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في البحرين منعاً لأية أعمال عسكرية أو حالة غزو يمكن أن تتم في ذلك الوقت، وحقناً للدماء. كما تتناسى لاحقاً الدعم الذي قدمته المنامة في مشروع إعادة إعمار العراق من استضافة مؤتمرات عدة في هذا الشأن، والدعم الطبي الذي قدم لضحايا الغزو الأمريكي لبغداد، وكذلك تدريب قوات الدفاع المدني العراقي، وتدريس العديد من الأشقاء العراقيين في الكليات والجامعات البحرينية. ليست هذه دعوة لذكر المحاسن والمساوئ، فهي ليست من سمات الأشقاء، ولكنها دعوة للنظر فيما آلت إليه الأمور بسبب الهيمنة الإيرانية على الحكومة العراقية. وإذا كانت الحكومة والقوى السياسية في بغداد تنظر إلى البحرين بهذه النظرة، فلا أعتقد أن مقتضيات العمل العربي المشترك تتطلب أو تستدعي المشاركة في القمة العربية المقبلة، لأن الأولويات هنا ستكون مختلفة، ولدينا في المنامة أولويات أخرى