^  كثيرة هي الشعارات التي رُفعت وتُرفع في مُطالبات المعارضة، بعضها مقبول وبعضها الآخر غير مقبول بالمرّة ولا يُمكن أن يتحقق. الشعارات الداعية إلى إحداث إصلاحات في النظام تجد القبول من القيادة والحكومة ومن المواطنين وإن بدرجات متفاوتة، وسبب قبولها أو تقبّلها وعدم رفضها هو أنَّ غرضها واضح وأنَّها إذا تحققت استفاد منها الوطن والمواطن، عدا أنَّ جلالة الملك رفع بنفسه شعار الإصلاح منذ أن تسلَّم مقاليد الحكم في المملكة وطرح مشروعاً إصلاحياً لفت إليه العالم أجمع وأوجد حياةً مختلفة للجميع لا ينكرها إلا جاحد. أما الشعارات الأخرى فلا تجد أيَّ قبول لأنَّها ببساطة تُريد أن تنسف الموجود وتقيم دولة حسب رؤية رافعيها، فهي تدعو إلى إسقاط النظام، وهذا أمر غير ممكن إلا في أحلام البعض الذي لم يبخل على نفسه بالإغراق في الخيال، حيث قراءة بسيطة للمعطيات في المنطقة وفي العالم العربي والعالم لا يمكن إلاّ أن تتوصل إلى أن هذا الشعار غير قابل للتحقق وأنَّه ينبغي التنازل عنه وتغييره. البيان الصادر عن الديوان الملكي الجمعة الماضية والذي اعتبر ما حدث في تجمّعي الفاتح والمحافظة الشمالية ممارسة سلمية للتعبير عن الرأي ووصفه بأنَّه مفخرة لأهل البحرين باعتبار ذلك نموذجاً للممارسة الديمقراطية الصحيحة؛ ما هو إلا تأكيد على الاستمرار في نهج الإصلاح، فهو -كما في البيان- جاء وفقاً لتوجيهات الملك في ضمان ممارسة المواطن حقه في التعبير عن الرأي بالوسائل السلمية، وأنَّه يأتي انطلاقاً من المشروع الإصلاحي لجلالته وتأكيداً لما كفله الميثاق والدستور من حرية التعبير في الحدود التي ينظمها القانون. اللافت أنَّ بيان الديوان الملكي بارك هذه الطريقة في التعبير ووصفها بالحضارية ودعا الجميع إلى اتخاذ هذا النهج في كل مناسبة لما فيه خير للبلاد وأهلها. ما حدث في الجمعة الفائتة من أمور بدءاً من السماح بالخروج في المسيرتين وبتسخير رجال الأمن للمحافظة على القانون وحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة، ثم صدور هذا البيان الراقي من الديوان الملكي وبيان قبول الملك وتقبّله لهذا الأسلوب الذي وصفه بالحضاري، كل هذا يعني أنَّ القيادة والحكومة والمواطنين المخلصين لهذا الوطن مع أيِّ تحرُّك إصلاحي ومع أيِّ شعار يصبُّ في منفعة البلاد والمواطنين. وهو يعني بالمقابل أنَّ الشعارات الأخرى الداعية إلى إسقاط النظام وتلك التي تُبالغ في المطالب دون قراءة واعية وواقعية للساحة المحلية والإقليمية والدولية لا تجد القبول إلا من قلة قليلة أتاحت لخيالها فرصة الانطلاق وابتعدت عن الواقع، فقرأته بشكل خاطئ وزيّنت لنفسها وأتباعها أعمالها. ربما ينبري أحد ليعلِّق على جانب من الأحداث التي حصلت في جزئية من مسيرة المحافظة الشمالية فيقول إنَّ رجال الأمن تعاملوا مع الخارجين عن المسيرة وشعاراتها بإطلاق مسيلات الدموع، لكن الجواب حاضر وهو أنَّ المسيرة كانت محددة بوقت وبمسار مرسوم متفق عليه وبالتالي فإنَّ خروج البعض عن ذلك يفسح المجال لرجال الأمن ليتعاملوا معه حسب القانون. أليس من الشعارات المرفوعة والتي يبشرون بها الناس أن يكون القانون هو السيّد؟ هل يُعقل أن يُخالف هؤلاء القانون ليبشروا بدولة القانون؟! ربما من القسوة القول إنَّ بعض الشعارات المرفوعة تناقض سلوك رافعيها ولكنَّه للأسف هو الواقع، وهذا يستدعي مراجعة الشعارات واتفاق المعارضة على رفع شعارات محددة تصبُّ في الإصلاح والابتعاد عن تلك الشعارات الخيالية التي لا يمكن أن تتحقق حتى وإن «سال الدم للرُكب». وهذا يعني أيضاً أنَّ على المعارضة ألاّ تكتفي بالامتناع عن رفع شعار إسقاط النظام إنَّما أن تفرض على رافعيه عدم رفعه لأنَّه باختصار أحد المداخل للحوار والمصالحة الوطنية.