^ عملت الدول الاستعمارية وعبر مراحل تاريخية طويلة على سحق ثورات الشعوب مستخدمة جميع الوسائل المتاحة، دون النظر إلى البعد الأخلاقي والإنساني في عملية قمع الثائرين، الذين دأبت الدول الاستعمارية على نعتهم بالمتمرّدين لإبعاد صفة الشرعية عن ثورتهم. من خلال مراجعة بسيطة لتاريخ القوى الاستعمارية فإنَّك لن تجد في مستنداتهم وتقاريرهم كلمةً واحدة تصف الشعوب الثائرة بوصف حسن، كما إنه لن تجد في وثائقهم ما يشير إلى الاعتراف بأخطائهم أو ما يدلّ على ندمهم على ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعوب التي كانت أو مازالت واقعة تحت احتلالهم أو هيمنتهم. عندما نشاهد صور علميات القتل الوحشي الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، أو نقرأ عمّا ارتكبه المستعمرون الفرنسيون بحق الشعب الجزائري، وما اقترفه الإيطاليون من قمع بحق الشعب الليبي، أو نشاهد صوراً لتنفيذ جريمة الهلكوست التي ارتكبها النازيون؛ إضافة إلى ما نشاهده من صور للجرائم التي ترتكب بحق الأطفال والآمنين في أفغانستان والعراق وغيرها، نشاهد كل ذلك فيتملّكنا الحزن والغضب بشكل لا إرادي، كون هذه الجرائم مخالفة «بالفطرة» للمشاعر والأحاسيس الإنسانية، ومدانة من قبل جميع الشرائع والأديان السماوية والقوانين الوضعية. فكما هو معلوم أنَّ هدف الدول الاستعمارية من قمع حركة الشعوب الثائرة كانت وما زالت محاولة تعطيل حركة التاريخ للإبقاء على استعمارهم على ما هو عليه، رغم علمهم أنَّ دوام الحال من المحال، وأنَّ حركة التاريخ قدر الكون، ولولا هذه الحركة لما تمكّنت البشرية من بلوغ ما هي عليه اليوم من تقدّم، إلاَّ أنَّ مرتكبي هذه الجرائم يشعرون باللذة ونشوة النصر حينما يقمعون ضحاياهم معتبرين ذلك واجباً تقتضيه مصلحة بلدانهم، وهذا ما يحصل اليوم في الأحواز العربية المحتلة، حيث يُقتل الثائر العربي بدعوى أنَّه معادٍ للثورة الإيرانية وعميل للبعث ويحمل العقيدة الوهابيّة وعميل للقوى الأجنبية! ويتباهى الملالي الحاكمون في إيران بهذا القتل مبرّرين جرائمهم بأنَّها خدمة للمذهب والدولة الإيرانية ولمرشدها نائب الإمام المهدي المنتظر. «هذا الإمام الذي عندما يخرج يملأ الأرض عدلاً بعدما مُلِئت ظلماً وجوراً من قبل أتباعه المزعومين»، هؤلاء الأتباع «المهدويين» الذين يعتقدون أن خروج الإمام لا يتمّ إلاّ حين يكثر الفساد في البر والبحر، وبما أنَّ قتل النفس المحرّمة من الكبائر وهي مفسدة في الدين والدنيا، فهم يقتلون ليُعجِّلوا ظهور إمامهم حسب زعمهم. رغم كلِّ هذا؛ فإنَّ جرائم نظام الملالي بحق الشعوب الإيرانية عامة وبحق أهل السُنة والعرب خاصة قد خلقتْ واقعاً جديداً على أرض الأحواز بعدما حاولت الدولة الإيرانية بكلِّ الطرق والوسائل أن تمنع حصول مثل هذا الأمر طوال الثمانية عقود ونيف التي مضت من عمر اغتصاب للأحواز، لكنَّها فشلت في ذلك وباتت تعترف علانية بهذا الواقع الجديد الذي أصبح أمراً مقلقاً لها، خصوصاً في ظل التطوّرات الإقليمية والدولية الجارية. لهذا عمد الملالي إلى إشاعة الظلم والفساد بأبشع صوره ألا وهو قتل النفس البريئة، وعمدت السلطات الإيرانية مؤخراً ومن خلال محكمة صورية لا تتجاوز مدّتها ساعة واحدة إلى إصدار حكم بالإعدام على خمسة شبان «ثلاثة منهم أشقاء» بتهمة سياسية لم يستطيعوا خلالها توكيل محامين للدفاع عن أنفسهم كأبسط حق من حقوق أيِّ متهم في العالم، إذ أراد نظام الملالي من تلك المحكمة الصورية إثبات قدرته على وقف حركة التاريخ. لكن هل فعلاً باستطاعة نظام الملالي من خلال هذه الممارسات القمعية التي تفتقد لأبسط المعايير الأخلاقية والإسلامية وقف حركة التاريخ في الأحواز؟ نقول لنظام الملالي وللمأخوذين بالشعارات الصيّاحة لهذا النظام؛ إنَّ قطار القضية الأحوازية قد تحرَّك ولا يُمكن لأحد مهما كان عرقلة وصول قطار الحرّية إلى محطته النهائية، وهي محطة الحرّية وإعادة الحقوق الشرعيّة المُغتصبة، وهذا ما ستثبته الأيام القادمة التي هي حبلى بالمُفاجآت، والتاريخ سائر لا محالة.