رغم اختلاف رؤانا وتوجهاتنا وانتماءاتنا السياسية، إلا أن الجميع يظّهر أنه لا يعمل ولا يريد سوى الإصلاح. ورغم اختلاف النيات والمقاصد إلا أن الجميع يهتف بـ«الإصلاح” إلا قلة قليلة تسعى للتخريب والتأزيم. دعونا نحسن الظن ونوجه حديثنا لمن نثق في توجهاته ومقاصده الطيبة في إصلاح بلدنا، بغض النظر عن شخصه وانتماءاته، سواء كان شخصاً أو جهة. فالمهم وما نتفق عليه في نهاية المطاف هو الإخلاص في النية والعمل لإصلاح بلدنا. من هنا أوجه حديثي لكل مواطن مخلص وشريف يريد الخير للبحرين، ولا يسعى سوى لتحقيق الإصلاح أياً كان موقعه. لو أمسكنا بتقرير ديوان الرقابة المالية فقط، لوجدنا فيه كثيراً من صور الفساد والتلاعب بالمال العام وإهداره. وهنا نطرح سؤالاً مباشراً إلى عموم المصلحين: ماذا فعلتم تجاه ما جاء في التقرير من صور وقضايا متعددة للفساد، مقدماً من جهة رقابية يمكن الاستناد إليها والاستدلال بأرقامها ومستنداتها؟. إذا قصّر النواب والوزراء وكل من تقع عليه المسؤولية المباشرة في هذا الجانب، فذلك لا يعني ولا يعفي المواطنون ولا مؤسسات المجتمع المدني من مسؤولية الرقابة والتحري والكشف عن الحقائق، ثم رفع الأمر إلى السلطة القضائية ومتابعتها في تحقيق العدالة وإرجاع الحقوق ومحاسبة كل من ثبت تورطه بل إزاحته من منصبه، بغض النظر عن حجم فعلته والمنصب الذي يشغله. فمن تسول له نفسه التلاعب في المال العام ليس أهلاً للثقة ولا الوظيفة. ما جدوى نشر تقرير ديوان الرقابة في الصحافة وما يتبعه من تصريحات رنانة لشخصيات تشريعية وتنفيذية وأهلية وسياسية، دون تحرك فعلي لمحاسبة المتورطين والممارسين للفساد. سؤال يكرر نفسه دون نتيجة؟ لم لا نتخذ قراراً يعيد الأمور لنصابها مهما كانت أوجاعه؟ لا يسيء للدولة أن تقف وقفة مراجعة مع نفسها وتتخذ قراراً تصحيحاً للانحراف الذي أصاب مؤسساتها، ما يعيبنا بالفعل هو تكرار الأخطاء والاستمرار عليها. هناك قضايا مغيبة أو مسكوت عنها، وليست مطروحة حتى على شكل أسئلة للنقاش والبحث. وهذا النوع من القضايا المعقدة والمتشابكة لا تحل بين عشية وضحاها. لكن مجرد إثارتها للرأي العام وجعلها مدار بحث دائم سيؤدي إلى طرح معالجات متنوعة، ويدفع بأصحاب القرار إلى حلها جذرياً. قد نكون حققنا نجاحاً ملموساً في الشفافية والمكاشفة، لكننا بالتأكيد أخفقنا في سياسية المحاسبة بكل ما تحمله الكلمة من معان. ثقافة الصدق ومحاربة الفساد لم تتمكن منّا بشكل فعلي ولم تشع في بلادنا بعد بالمستوى المطلوب. ومازالت مقصورة على الإشارة لمواقع الخلل دون علاجها ومحاسبة من تسبب في حدوثها. الأمر نفسه ينطبق في المجال التشريعي، هناك حاجة ماسة لتطوير بعض التشريعات، وإقرار قوانين جديدة تتماشى مع متطلبات ومجريات الحياة الحديثة. والخلل أكبر في سياسة تطبيق القانون في شتى المجالات الأمنية والاقتصادية والتجارية وغيرها. لا نريد لشعار “دولة القانون والمؤسسات” أن يظل شعاراً كما هو حاصل الآن. نتطلع إلى بحرين جديدة والخروج من هوة الأزمة، بدروس وعبر وإحداث نقلة نوعية على كافة الأصعدة لتحقيق ما حققه المتفوقون علينا. الإصلاح ليس شعاراً وإنما سلوك يومي يغرس ويحتاج إلى رعاية وسقاية وتعهد مستمر.