^   المراقب للمشهد السياسي المحلي سيصاب بالحيرة والدهشة هذه الأيام نتيجة ازدحام هذا المشهد بالتناقضات وكثرة الشائعات التي تحاول من حين إلى آخر رسم الخريطة السياسية لمستقبل البحرين في المرحلة القادمة. فمن ناحية، نرى أن الدولة تسارع من جهتها في تنفيذ توصيات لجنة تقصى الحقائق التي تم تشكيلها بقصد معالجة ملف أزمة فبراير 2011، وتأتي هذه الخطوات والإجراءات من قبلها في سياق جديتها وعزمها على حل كل القضايا والمشكلات الناجمة عن هذه الأزمة، وهي إذ تخطو في هذا الطريق فإنها تروم إلى عودة الهدوء والأمن والاستقرار إلى ربوع البحرين، لتتفرغ هي وبمعاونة جميع السلطات وشعب البحرين إلى مواصلة العملية التنموية الشاملة التي غايتها الارتقاء بالإنسان البحريني والحفاظ على كرامته وتوفير العيش الكريم له ولأحفاده من بعده. وإذا كانت الدولة وعلى رأسها جلالة الملك حفظه الله تسير في هذا الاتجاه رغم المرارات التي سببتها هذه الأزمة إلا أن تقاطع الإرادة الملكية مع الإرادة الشعبية في غلق هذا الملف هو ما دعا جلالته للمضي قدماً في مسيرة الإصلاح وعدم التراجع عنها؛ لأنه يعي بنظرته الثاقبة وحنكته السياسية أن هذا المشروع الإصلاحي الكبير الذي وضع لبناته منذ أن تسلم مقاليد الحكم في البلاد هو الذي سيحمي البحرين من كل المؤامرات التي تحاك ضدها وهو السد المنيع في مواجهة كل الأطماع الإقليمية والدولية التي تتربص بالبحرين وتبذل أقصى ما في وسعها من أجل الانقضاض عليها متى ما سنحت الفرصة لها، وكما قال جلالته في كلمته التي توجه بها إلى شعبه والعالم في احتفال تسلمه للتقرير النهائي للجنة الوطنية المعنية بتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصى الحقائق: “إن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء”. وقد قطعت الدولة شوطاً بعيداً في إزالة كل العراقيل والعقبات التي تحول دون غلق ملف الأزمة من خلال خطوات عملية في هذا الشأن من أمثلتها عودة المفصولين في القطاعين العام والخاص إلى أعمالهم، وفتح مكتب مستقل في وزارة الداخلية لتلقي التظلمات، وتعويض المتضررين، وإعادة بناء دور العبادة وغيرها من الخطوات التي تبرهن على أن الدولة ماضية في تنفيذ كل التوصيات التي جاءت في “تقرير بسيوني”. من ناحية أخرى، نرى في المقابل وعلى النقيض، هناك من يحاول التشكيك في تلك الخطوات ويصفها بالشكلية، بل ويذهب المتشككون إلى أبعد من ذلك في هذا الاتجاه من خلال توصيف ما تقوم به الحكومة بعبارات تهكمية واستفزازية في بعض الأحيان الهدف منها التقليل من شأن تلك الخطوات. بل إن هؤلاء وضعوا اللجنة الوطنية المعنية بمتابعة تنفيذ توصيات لجنة تقصى الحقائق في قفص الاتهام وراحوا يكيلون لها عدة اتهامات منها عدم حياديتها وهذا ما عبر عنه مسؤول لجنة الرصد بجمعية الوفاق السيد هادي الموسوي عشية المؤتمر الصحافي الذي عقدته الجمعية بمقرها يوم الثلاثاء (20/3/ 2012) بقوله: “إن اللجنة الوطنية ساندت ما ذهبت إليه الحكومة وأضاف ليس للجنة المعينة أي سلطة على الحكومة بل هي واقعة تحت ضغطها.. إلخ”، باختصار يريد السيد هادي أن يقنعنا أن اللجنة غير حيادية وأن ما توصلت إليه لم يرق إلى وصفه بالإنجاز. وهذا الكلام غير صحيح؛ لأن الواقع يدل على أن كثيراً من التوصيات قد أخذت طريقها إلى التنفيذ ونحن كمواطنين نعايش الحدث خير من يشهد على ذلك؛ لأننا نرى بأم أعيننا عودة المفصولين إلى مواقع أعمالهم، ونرى أيضاً استمرار التجمعات والمسيرات التي يتم الترخيص لها، كما إن الدولة لم تغلق باب الحوار. وقد عبر عاهل البلاد المفدى عن ذلك مراراً وتكراراً وقال ذلك في كلمته الأخيرة: “إن باب الحوار كان مفتوحاً وسيظل كذلك”. لكن ماذا نقول للجماعات السياسية وعلى رأسها الوفاق التي دأبت على التشكيك في نوايا الحكومة وحراكها نحو المصالحة الوطنية؟ ماذا نقول لهذه الجمعية التي تزعم أنها تمثل المعارضة وتريد من الكل أن يسير خلفها بما فيها الحكومة؟ هل تريد أن تقول للحكومة إن الخروج من الأزمة يمر عبر بوابتها فقط وإن أي حل لا يكون من خلال هذه البوابة فهو غير مقبول وغير قابل للنقاش؟ هل تعتقد جمعية الوفاق بأنها الطيف السياسي الوحيد في الساحة السياسية الذي يمتلك الحق في تقرير مصير البحرين السياسي، وأن على بقية الأطياف السياسية الأخرى بما فيها الحكومة السمع والطاعة وعلى الجميع المسارعة في ركوب قطار الوفاق الذي لن يتوقف إلا في المحطة التي تريدها هي؟ هل تريد الوفاق أن تقول للحكومة إن البحرين لن تعرف الهدوء ولن تهنأ بنعمة الأمن والاستقرار إلا إذا أعطت الحكومة أذنها للوفاق وقالت السمع والطاعة لمطالبها؟ إذا كانت الوفاق تعتقد أنها الوحيدة في المشهد السياسي، فهي واهمة، وإذا كانت تعول على الظروف الإقليمية والدولية الآن وتظن أنها تسير في صالحها، وأن عليها اغتنام هذه الفرصة في العمل باتجاه الضغط على الحكومة واللعب بهذه الورقة وبجميع الأوراق التي في يدها من أجل الحصول على مكاسب سياسية فإننا نقول لها: إن هذه الانتهازية السياسية الرخيصة لن تطول؛ لأن المشهد السياسي الإقليمي والدولي لن يبقى على حاله وهو في طريقه إلى التغيير. كما إن الأطياف السياسية المحلية لن تقف تتفرج على المشهد، بل إنها ستلقي بكل ثقلها في اللعبة السياسية ولن تسمح للوفاق بانفرادها بالسلطة، وإبعادها عن المشهد وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة