^ «لقد عمل جيم أكثر من عقدين من الزمن في كافة أنحاء العالم مدافعاً عن تحسين شروط الحياة في البلدان النامية”. هكذا قدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما مرشح واشنطن، الطبيب وعالم الانتروبولوجيا الأمريكي المنحدر من أصل كوري جيم يونغ كيم لرئاسة البنك الدولي لخلافة روبرت زوليك الذي تنتهي ولايته في 30 يونيو المقبل، كي يواجه به المرشحين الآخرين، وهما وزيرة المال في نيجيريا نغوزي اوكونجو ايويالا، والمرشح الثالث وزير المالية الكولومبي خوزيه انتونيو. تاريخياً هناك اتفاق ضمني غير رسمي بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية على أن تولي منصب رئاسة البنك الدولي يكون من نصيب واشنطن، على أن تتولى إدارة صندوق النقد الدولي شخصية أوروبية. على هامش ذلك، رشحت أخبار مفادها رفض كل من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سوزان رايس، ووزير الخزانة الأمريكية السابق لورنس سومرز، ضغوط البيت الأبيض عليهم للترشح تحت أسباب مختلفة. لو جاء ترشيح جيم يونغ كيم قبل ثلاثة أو أربعة عقود من الزمان لاعتبر العالم هذه الخطوة الأمريكية دليلاً على “إنسانية” الولايات المتحدة، ورغبتها في إتاحة الفرصة أمام الدول النامية كي تسمع، هذه الأخيرة، صوتها للعالم من خلال تبوئها مراكز دولية متقدمة في مؤسسات عالمية مثل البنك الدولي. لكن يأتي هذا السلوك الأمريكي اليوم كي يعكس، في بعض جوانبه، شيئاً من معالم الضعف الذي باتت تعاني منه “الإمبراطورية الأمريكية”، من جانب، وبالقدر ذاته، يجسد في جوهره الانقلاب في موازين القوى على الصعيد العالمي لصالح الدول النامية وعلى حساب الدول العظمى، بما فيها الولايات المتحدة التي بدأت الأرض تهتز من تحت أقدامها بعد أن بنت النظام الدولي الأحادي القطب إثر انهيار المنظومة السوفياتية. هذا التحول في موازين القوى تعكسه أيضا الأوضاع التي يعيشها المعسكران؛ الدول النامية، وعلى وجه الخصوص تلك الدول التي تنتمي لما أصبح يعرف بمجموعة “بريكس”، والتي تضم في عضويتها البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ومجموعة قمة الثمانية التي تتزعمها الولايات المتحدة. هذا ما أشار إليه المستشار الاقتصادي للكرملين اركادي دفوركوفيتش بعد إعلان ترشيح كيم، حيث قال “إن جنسية الرئيس المقبل للبنك الدولي أقل أهمية من زيادة دور دول بريكس في الهيئات الإدارية”، مضيفاً: “أعتقد أن موقع دول بريكس يجب أن يرتكز على فكرة أن هذه الدول والبلدان النامية يجب أن تلعب دوراً مهماً في المؤسسات المالية الدولية وليس بالضرورة عبر تولي القيادة”. ليست هناك من حاجة للدخول في تفاصيل الأزمة المالية العالمية للتدليل على عمق الوهن الذي بات يتحكم في مفاصل الاقتصاد الغربي، وفي القلب منه الاقتصاد الأمريكي الذي لم يجد من سبيل لمواجهة تداعيات الأزمة البنيوية التي حلت باقتصاده منذ العام 2006، والتي ولدها “مسلسل الأزمة المالية منذ نشوب أزمة القروض العالية المخاطر”، سوى الإيعاز للمصارف المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا نفسها “لتغيير نسب الفوائد أو ضخ أموال في البنوك المتضررة”، وهو إجراء يخفف من آلام الأزمة، لكنه لا يمكن أن يضع الحلول الصحيحة لمعالجة أسبابها. وبين برنامج متلفز بث على محطة (PBS) الأمريكية 17 فبراير 2009 “أن اجتماعاً طارئاً عقد في سبتمبر 2008 في مكتب رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي، وضم كبار رجال الكونغرس من الحزبين، ووجد المجتمعون أنهم بحاجة إلى 700 مليار دولار لإيقاف انهيار أسواق الائتمان”. ووصف خطاب الرئيس الأمريكي أوباما عن “حالة الأمة في 26 فبراير 2009” الأزمة المالية المحدقة بالاقتصاد الأمريكي بأنها “عميقة ومدمرة”، مضيفاً “لمدة طالت لم تكن ميزانياتنا تُعلمنا الحقيقة كاملة كيف يتم صرف دولارات الضرائب. إن كثيراً من المصاريف قد تم إخراجها من الدفاتر المحاسبية، بما في ذلك الكلفة الحقيقية لحربنا في العراق وأفغانستان. إن مثل هذه الأساليب المحاسبية الكاذبة ليست بالأساليب التي تتبعونها بإدارة ميزانيات بيوتكم، ولا هي الطريقة التي يتوجب على الحكومة أن تدير أموالها”. ولا يتوقع الكثير من المتابعين للأزمة المالية العالمية من أمثال راشد محمد الفوزان أن يخرج العالم منها “بلا تكلفة فهو يدفعها منذ 2008 لليوم في أمريكا وأوروبا خصوصاً، ولكن العالم الآخر دفعها من خلال ارتفاع التضخم”. مقابل ذلك نجد كبير الاقتصاديين السابق في بنك غولدمان ساكس، ومبتكر اسم الأسواق الناهضة “بريكس” جيم اونيل يؤكد “أن اقتصادات بريكس أبلت بشكل أحسن مما توقع في 2001، الأمر الذي شجعه على توقعات مندفعة بالمثل بالنسبة إلى الأعوام العشرة إلى الأربعين المقبلة”. يؤكد مثل هذا الانقلاب في موازين القوى لصالح الدول النامية، أيضاً مقالة مكثفة نشرها موقع المختصر (http://www.almokhtsar.com/node/34459) جاء فيها “صحيح أنّ أمريكا والاتحاد الأوروبي مازالا يتحكّمان بمفاصل السياسة الدولية، بما فيها مجلس الأمن الدولي، لا بل إنّهما يمثّلان ما يسمى بـ (الأسرة الدولية) رغم أنّهما لا يشكّلان سوى نزر يسير جداً من تلك الأسرة بشرياً، إلاّ أنّهما بدءا يواجهان قوى صاعدة على الساحة الاقتصادية بسرعة رهيبة، فالصين التي ظلّت على مدى العقود الماضية تتصرف سياسياً بتواضع شديد نظراً لعدم امتلاكها الذراع الاقتصادي الذي يؤهلها جيداً لمكاسرة الغرب، بدأت الآن تبدي عضلاتها شيئاً فشيئاً من الناحية السياسية”. تأسيساً على كل ذلك، يعكس نجاح كيم، بل وأي من المرشحين الآخرين: الكولومبي والنيجيرية، هذا الانقلاب في الموازين الذي نتحدث عنه. وبهذه المناسبة، فإن كيم، لمن لم يعرفه بعد، من مواليد سيؤول بكوريا الجنوبية، هاجر إلى الولايات المتحدة وهو في الخامسة من العمر، والتحق بجامعة براون كي يتخرج منها بامتياز، وينال بعدها شهادة الطب من كلية الطب بجامعة هارفارد، وعلى شهادة الدكتوراه في علم الإنسان من جامعة هارفارد أيضاً
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}