^  برزت في الآونة الأخيرة مؤشِّرات عدّة لظاهرة غريبة على مجتمعنا البحريني الوديع الذي عاش أفراده على مدى سنواتٍ طويلةٍ في أجواءٍ من الألفة والمودّة والتسامح، وهذه الظاهرة تتمثّل في التعامل مع الأشخاص عبر البوابة الطائفية، فإذا قصد أحدهم مكتباً لجلب الأيدي العاملة، فإنه لا يباشر بتقديم طلبه إلا بعد التأكّد أن مذهب صاحب المكتب يتوافق مع مذهب طائفته، وإذا ابتغت إحداهن توفير معلم سياقة لتعليم ابنها قيادة السيارة فإنها أيضاً تسأل عن مذهبه أولاً. هكذا للأسف تحوّل المواطن من إنسانٍ يمتلك شخصيّته المتميِّزة، وتاريخه، وإنجازاته على الصعيد الأسري والمجتمعي، إلى مجرد رقم يُضاف إلى هذه الطائفة أو تلك عند الحاجة، وليس ببعيدٍ اليوم الذي سوف يُسأل فيه المتسوِّل أيضاً عن مذهبه قبل تقديم المعونة المالية له، مثلما سوف يُستجوب عامل محطة البترول قبل أن يطلب منه الزبون تعبئة سيارته بالوقود. أتصوّر أن هناك ثمة جماعات مذهبية موتورة صغيرة العدد على كلتا الضفتين تعمل باتجاه ترسيخ هذا الوضع الشاذ في البلاد وتأبيده، وهذه الجماعات بالذات يهمّها بالدرجة الأولى أن يظل التنابز والتطاحن الطائفي مشتعلاً حتى تتحقِّق مصالحها الدنيوية الآنيّة، وتفوز ببعض “الغنائم” التي أفرزتها أحداث فبراير المؤسفة، فهذا يكيد بزميله في العمل حتى يتخلّص منه ويسلب منصبه، وذاك يشي بصديقه حتى يضمن الفوز بالصفقة المالية، وثالث على استعداد لقصر طاقم العمل على اتباع مذهبه كي يستطيع أن يصول ويجول دون رادعٍ أو مساءلةٍ. لكن الغالبية الساحقة من أبناء هذا الشعب العريق بحضارته، والأصيل بمنجزاته التعليمية والثقافية والفكرية التي يشهد لها القاصي والداني، نقول إن الغالبية ترفض هذه التصنيفات المقيتة التي تعبِّر بشكلٍ صارخٍ عن الجهل وضيق الأفق، فنحن البحرينيون، سنةً وشيعةً، عشنا وسنظل نعيش على التآلف والأخوّة والتراحم والتواصل المجتمعي مهما عصفت بنا مقالب الزمن، ومهما دأبت الأصوات المذهبية المتشدِّدة على زرع الشقاق والفتنة بين أبناء الوطن الواحد فإنها لن تتمكّن من تنفيذ مخططاتها الخبيثة، وسنبقى للأبد شعباً واحداً متحّداً بطوائفه